رواية

شيماء مصطفى:هل ستغير سلوكياتك إذا عرفت أنك مراقب؟!.. دع ” سارقة الكتب” تجيبك؟!

شيماء مصطفى ★
من منا لم تلتقط عدسات عينه عنوانًا لكتاب وتمنى لو يسرقه! من منا لم يقم في طفولته باستعارة كتابًا وتمنى لو ينساه صاحبه! يعرف ذلك جيدًا جمهور القراء، حتى سارقة الكتب ليزيل ميمنجر تشبهنا كثيرًا، فبعيدًا عن المباشرة والإيجاز في العنوان وبعيدًا عن التلاعب اللغوي في العمل إلا أن الفكرة كانت صائبة للغاية كونها تتقاطع مع غريزتنا المعرفية.
« بعد مرور عشر دقائق أخرى، ستشرع أبواب السرقة كصدع ضئيل وحسب، وستوسعها ليزيل ميمنجر أكثر قليلًا أكثر قليلًا لتمر عبرها»
« كما ستكشف لاحقًا فإن ليزيل السارق الجيد يتطلب أشياء كثيرة ومنها القدرة على التسلل وقوة الأعصاب والسرعة».

صوفي نيلسي

يحاول الكاتب في هذا العمل إبراز معاناة المجتمع الألماني في أثناء حكم الحزب النازي، لا اليهود فلم يتطرق في العمل للمحرقة التي أعدها هتلر لهم ولا إلى محاولات الإبادة بشكل رئيسي، بل كان التطرق لهذه القضية على استحياء، وربما يعود ذلك لشغف الموت بتتبع مسار طفلة تدعى ليزيل ميمنجر، حيث جعل الموت فضوليًّا، فتهرب بحيلته تلك من جعل الرواية إنسانية لا توثيقية، وتجاوز في تجسيده للموت اللامعقول ليجعلنا نتساءل هل يعاني الموت من الاحتراق الوظيفي؟! وماذا لو منحنا الموت أجنحة وحروف ؟ هل سيميل للتحليق؟
وضع زوساك الموت في ثوب الراوي العليم مستخدمًا المجاز باعتبار ما سيكون، وأحيانًا الذي يعرف خبايا كل شخص من المهد إلى اللحد، كما يخبرنا بطريقة غير مباشرة بأنه مثله مثل البشر يكره الحروب كونها تمثل عليه عبئًا حيث يقضي أغلب وقته في حصد الأرواح هنا وهناك دون راحة، ولكنه لديه فضول البشر الذي قاده لتتبع مسار طفلة تدعى ليزيل ميمنجر، وأحيانًا يتراجع عن هذا الدور فيسير معنا ليكتشف حقيقة الأشياء.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هل ستغير من سلوكياتك إذا علمت بأنك مراقب؟
أو أن هناك من يدون ويوثق كل ما تخطوه هل ستكون مثاليًّا أم إنسانًا يصيب ويخطأ؟

أتعامل مع الروايات التي تتناول فترة مهمة في التاريخ الإنساني من منظور مختلف، خاصةً وإن كانت أعمال مترجمة ليس فقط فقط لأنها تحررت من الاستعراض اللغوي، ولكن لأني أؤمن بأن من يريد أن يثري لغته يقرأ الشعر قبل أن يقرأ الروايات،فضلًا عن تعدد البناء اللغوي لهذا العمل فقد كان مدهشًا كونه يتلائم وطبيعة الشخصيات.

تدور أحداث رواية (سارقة الكتب) لماركوس زوساك حول فتاة تدعى ليزيل ميمنجر تعاني أسرتها البيولوچية وأسرتها بالتبني كباقي المجتمع الألماني حتى ولو يعلنوا صراحة من سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية فترة حكم الحزب النازي، حتى الشارع الذي يقطنوه ويحمل اسم هيمل أي الجنة لا يتسق مع حياتهم حيث الجوع والفقر والمرض، فهانز هوبيرمان (الأب) الذي لم يسعفه شراء كتاب (كفاحي) لهتلر من الحصول على عضوية الحزب النازي لضمان البقاء، ولا روزا هوبيرمان (الأم) التي قبلت بتربية ليزيل لتحصل على بضع عملات تساعدهم في تناول كسرات الخبز إضافة لعملها في غسل وكي ملابس الحكام، ولا الطفل رودي شتاينر الذي تمسك بمسيرة الحاضر الغائب جيسي، ولا ليسا هيرمان زوجة رئيس البلدية التي تشبثت برفات ابنها وما تبقى منه من ذكريات، جميعهم ذاقوا مرارة الفقد وفُقدوا على يد نظام أعمى.
« وببؤس مطلق كررت ما قاله هانز« يحيا هتلر»، بدا مشهدًا غريبًا تمامًا، فتاة تبلغ من العمر أحد عشر عامًا، تحاول كبت بكائها على درج الكنيسة وهي تحيي الفوهرر ».
كتاب الثلج في مواجهة كتاب النار.
واجهت ليزيل ميمنجر التي لم تتنازل عن اسمها ولم تنسب لأسرتها بالتبني رغم محبتها للأب هانز الصعوبات  في كل مرة حصلت فيها على كتاب ففي كتاب الثلج الذي انتشلته من بين الثلوج في المقابر والمعنون بدليل حفار القبور فقدت شقيقها الأصغر، وفي كتاب النار الذي التقطته من بين نيران النازية في المحاولة الثانية تعرضت للحروق، فضلًا عن الدخان بالمحرقة المعدة من قبل الحزب النازي للتخلص من الكتب والذي تشبعت به رئتها وملابسها وكاد يودي بحياتها هي الأخرى، فكانت ورغم صغر سنها أقرب للفدائيين.
فبدأت عملياتها في اقتناء الكتب من قبل أن تتعلم حتى القراءة، وربما يعود ذلك إلى أنها وجدت شقيقها الأصغر يقتني كتابًا، فبفضل سرعتها تلك تمت النجاة لثلاثة كتب من موت محقق في النار.

ليزيل وهانز

في هذا العمل تتعرف العديد من الحروق والحرائق والاحتراق: الاحتراق النفسي والوظيفي، ستتيقن تمام اليقين بأن الدرس الذي يجب علينا جميعًا أن ندركه هو أن نتعامل مع الشعوب بمعزل عن الحكومات، وأن ممارسات هتلر الدموية دفع ضريبتها الألمان أيضًا
«معادلة جمع صغيرة كلمة شيوعي+نار كبيرة+ مجموعة رسائل ميتة+ معاناة والدتها+وفاة شقيقها= الفوهرر».
وحين يتخلى الموت باعتباره الراوي العليم عن السرد تبدأ ليزيل لتخبرنا بتجربتها
« ولكن لم تكن المدرسة هي التي ساعدتني على تعلم القراءة، وإنما يعود الفضل في ذلك لبابا، يرى الناس أنه ليس ذكيًّا جدًا، وصحيح أنه لا يقرأ بسرعة كبيرة، إلا أنني سأدرك قريبًا أن الكلمات والكتابة قد أنقذت حياته في الواقع، أو على الأقل الكلمات والرجل الذي علمه الأكورديون»
ولكن لدي سؤال بسيط إذا كانت الأم البيولوچية ليزيل شيوعية فبالتأكيد تقرأ كتبهم فكيف تترك ابنتها تقترب من سن البلوغ دون أن تتعلم؟
أجمل ما في الرواية من وجهة نظري الوصف المستمد من الطبيعة فبدا متناغمًا وعذبًا، وعلى الطريقة العربية القديمة من حيث المقدمة الطللية ثم وصف الرحلة
هي نفسها استعانت بالوصف والمجاز لتجسيد الواقع بالخارج لماكس اليهودي الهارب فترة تواجده بالقبو، فضلًا عن التواجد الرمزي للأوكورديون الخاص بهانز.

رودي وليزيل

ثنائية الموت والحياة.
من منظور نفسي تتقاطع الرواية مع النظرية النفسية لفرويد والحياة ذات المعنى لڤيكتور فرانكل التي تبني أساسها على أن الإنسان إذا وجد في حياته معنى أو هدفًا، فإن وجوده سيكون له أهميته ومغزاه، وأن حياته تستحق أن تعاش؛ بل إنها حياة يسعى صاحبها إلى استمرارها، والاستمتاع بمغزاها.
ولهذا عاشت ليزيل وعاش ماكس ولم يعش رودي رغم أنه بدا الأكثر تفاؤلًا وإقبالًا على الحياة فيقول: «يومًا ما يا ليزيل سوف تموتين لتحصلي على قبلة مني» أما ليزيل فقد قطعت على نفسها عهدًا ألا تقبل هذا الخنزير البائس القذر».
فكانت ليزيل أكثر إصرارًا.
«أراهنك بأنه لا يمكنك أن تسبقيني»
«أراهنك بأني أستطيع ».
ولهذا أيضًا تفوقت ليزيل على فتاة رواية صاحب الظل الطويل، فلم تتواكل على أحد ولم تقف مكانها مكتوفة الأيدي في انتظار من يمد لها يد العون، بل مدت يدها للنار لتنقذ الكتب من مصير محتوم، فلم تعد نيران هتلر محرقة، غلاف العمل نفسه يبدو وكأنه ناجٍ جديد من هذه المحرقة.


الفيلم أم الرواية؟
في 2013 تحولت الرواية إلى فيلم سينمائي أمريكي بعنوان (THE BOOK THIEF) من إخراج براين بيرسيفال، وبطولة صوفي نيلسي، وإميلي واتسون.
لا أحب أبدًا القول بأن الفيلم يغني عن الرواية، فالتعامل هنا يكون أشبه بالتعامل مع المصادر الأولية والثانوية، ولا يمكنني نكران أنه حين يتم معالجة أي عمل روائي كثيرًا ما نقع في فخ المقارنات، وكأن صانعي العمل مطالبون بنقل العوالم الروائية بحذافيرها إلى الشاشة، فنجد الانقسام بين الفريقين: الفيلم أفضل من الرواية الرواية أفضل من الفيلم ، سأشاهد الفيلم لأرى هل التزم بتطبيق العمل أم لا؟ أسئلة لا مبرر لها مطلقًا فلكل منهم رؤيته الخاصة.
الرواية في مجملها مدهشة رغم الإسهاب، والمباشرة غير المبررة التي تشعرك بوجود خلل ما فيصيبك الملل، ورغم الافتعال والمبالغة في نعت الآخرين بالخنازير على لسان روز الأم، ولكن سرعان ما تجد حوارًا مدهشًا يمزج بين الواقع والفانتازي ليعيدك ثانيةً للأجواء، والفيلم مميز على المستوى البصري والأداء رغم المعالجة السطحية للعمل.

ليزيل وماكس

ناقدة-مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى