إذاعة وتليفزيون

عادل العوفي: إعادة “تدوير ” أعمال فنية قديمة .. إفلاس أم تجديد مطلوب ؟

عادل العوفي

يبدو أننا مقبلون في الفترة القليلة المقبلة على إنعاش وتنشيط الذاكرة قليلًا، والبحث عن إجراء المقارنات وربط الماضي بالحاضر ؛ وهذا العنوان الأهم لما يحدث في الساحة الفنية العربية هذه الأيام ؛ طبعًا لا نقصد هنا “موضة ” النسخ العربية والتركية التي تحتل الفضاء والهواء مؤخرًا ونجحت في استقطاب من يصنفون بنجوم الصف الأول أيضًا.
لكن ليس هذا موضوعنا الرئيسي اليوم ؛ فالمقصود الديناميكية والنشاط الواضح مؤخرًا في البحث عن إنتاج نسخ جديدة من أعمال قديمة سبق وحصدت النجاح في فترات خلت ؛ وسنتوقف قليلًا مع أهم العناوين التي سنعيد اكتشافها بروح عصرية جديدة وقد أعلن صناعها رسميًّا عن ركوب قطار التحدي قبل أن نتساءل عن الأسباب والدوافع الكامنة حول هذه الخطوات .
أفلام الزعيم تعود للواجهة من ” شمس الزناتي ” إلى ” البحث عن فضيحة “.
بعد مرور ما يقارب 33عامًا على طرح الزعيم عادل إمام لفيلم “شمس الزناتي ” والذي كان من إخراج سمير سيف وسيناريو وحوار مجدي هداية وبطولة محمود حميدة وسوسن بدر ومحمود الجندي وأحمد ماهر ومصطفى متولي وغيرهم، والمقتبس من الفيلم الأمريكي ” السبعة الرائعون ” والذي عرض سنة 1960 والمأخوذ بدوره من الفيلم الياباني ” السامواري السابعة ” وأنتج سنة 1954 ؛ قرر نجله محمد إمام إعادة تقديم الفيلم برؤية إخراجية لعمرو سلامة وبطولة أمينة خليل وأحمد داش وعمرو عبد الجليل وطه دسوقي.

مشهد من فيلم شمس الزناتي

وتبدو سبحة أعمال عادل إمام تحديدًا قد كرت وأنعشت ذاكرة المنتجين والممثلين أيضًا ؛ لذلك سنعود للوراء أكثر وبالضبط إلى سنة 1973 حين طُرح أحد أنجح أفلامه الكوميدية ” البحث عن فضيحة ” وهو من تأليف الكاتب أبو السعود الإيباري في آخر أعماله ومن إخراج نيازي مصطفى وشارك الزعيم في البطولة سمير صبري وميرفت أمين ويوسف وهبي وميمي شكيب وغيرهم؛ وفكرة الفيلم مقتبسة بالمناسبة من العمل الأمريكي “دليل الرجل المتزوج ” الذي أُنتج سنة 1967 ؛ حيث قرر الفنان كريم محمود عبد العزيز هو الآخر إعادة طرح الفيلم برؤية المخرج رامي إمام .
ولن تتوقف إعادة أفلام الزعيم عند هذا الحد حيث سيطرح كريم محمود عبد العزيز أيضًا فيلم ” لصوص لكن ظرفاء ” الذي أُنتج سنة 1968.

مشهد من فيلم البحث عن فضيحة

النقطة السوداء :
قطعًا من الإجحاف إصدار أحكامًا مسبقة عن هذه النسخ الجديدة من الأفلام المقرر طرحها ؛ لكن بالمقابل وجب التنويه لبعض المؤشرات التي تجعل الكثيرين يتوجسون بمجرد إعادة فتح الدفاتر العتيقة والبحث عن أعمال لها ذكريات جميلة في البال والمخيلة ويبدو القلق مبررًا خشية خدشها والإساءة إليها ؛ وهنا نستحضر نموذجًا يتذكره المصريون والعرب عن ظهر قلب ونقصد رائعة “ليالي الحليمة ” التي قدمت في خمسة أجزاء غاية في الدقة والإبداع بمهندسها الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة والمخرج المميز اسماعيل عبد الحافظ وتوقفت سنة 1995 .
لكن في سنة 2016 اتخذ قرار إنتاج الجزء السادس من العمل وأسندت مهمة التأليف لأيمن بهجت قمر وعمرو محمود ياسين والإخراج لمجدي أبو عميرة ورغم التجارب المهمة التي راكمها هؤلاء إلا أن الفشل الذريع كان مصير الخطوة برمتها بشهادة الجميع مما أجج غضب الكثيرين حينها واعتبروا التجربة إساءة لا تغتفر للأجزاء السابقة التي حصدت نجاحًا ساحقًا منقطع النظير .
النهل ” من تراث أسامة أنور عكاشة :
عملاقٌ آخر عادت أعماله لتبصر النور رغم رحيله منذ سنوات ؛ ونقصد هنا الكاتب الأسطوري أسامة أنور عكاشة الذي عرض قبل أيام قليلة فيلم “الإسكندراني ” للمخرج خالد يوسف عن أحد نصوصه التي لم تنقل للشاشة الكبيرة حين كان على قيد حياته ؛ وفي سنة 2013 عرض مسلسل “موجة حارة ” المأخوذ عن روايته ” منخفض الهند الموسمي ” وأشرفت مريم نعوم على ورشة كتابة السيناريو والحوار له وأخرجه محمد ياسين وشارك في بطولته: إياد نصار ودينا الشربيني وسيد رجب وهنا شيحة وغيرهم.

وفي سنة 2022 طُرح فيلم “الباب الاخضر ” عن نص لعكاشة وأخرجه رؤوف عبد العزيز وشارك في البطولة: سهر الصايغ وخالد الصاوي وإياد نصار وثلة من الفنانين ؛ وفي نفس العام أيضًا طرح مسلسل ” راجعين يا هوى ” معالجة وسيناريو وحوار محمد سليمان عبد المالك وإخراج محمد سلامة وبطولة: خالد النبوي ونور ووفاء عامر و أنوشكا وهنا شيحة ؛ وللمفارقة كان رابع عمل يبصر النور لأسامة أنور عكاشة بعد رحيله .

الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة

هل تعود عائلة الحاج متولي أيضًا؟
ماوزال الجدل مرافقًا للمسلسل الذي يحمل عنوان ” أولاد الحاج متولي ” وإذا كان بالفعل مرتبطًا بالعمل الشهير الذي أُنتج سنة 2001 للمبدع الراحل نور الشريف وحصد شعبية جارفة حينها ؛ فبعد انتشار أخبار تفيد بأن الجزء الجديد سيكون مخصصًا لأولاد وأحفاد شخصية ” الحاج متولي ” وما حل بها بعد مرور عشرين سنة ؛ هناك جهات تنفي صلة المسلسل الجديد بالأول أساسًا وأنه منفصل كليًّا ويضم فنانين من جنسيات عربية مختلفة ولا يمت لرائعة نور الشريف بِصلة.
وبالإضافة إلى ما سبق هناك نية لإعادة طرح رواية ” انف وثلاث عيون ” للكاتب إحسان عبد القدوس التي سبق وحولت لفيلم أُنتج سنة 1972 وأخرجه حسين كمال وكان من بطولة: محمود ياسين وماجدة ونجلاء فتحي، والعمل الجديد سيكون من إخراج أمير رمسيس وسيناريو وائل حمدي وبطولة صبا مبارك وظافر عابدين.

أنف وثلاث عيون بين الحاضر والماضي

قلق “الهجرة الجماعية ” نحو الماضي :
طبعًا هذا غيض من فيض ما تم الإعلان عنه ومن المؤكد أن الفترة المقبلة ستشهد نزوحًا وهجرة جماعية نحو النبش في الأرشيف وهذا مصدر القلق الوحيد لأن التجربة العربية علمتنا أن الممسكين بزمام الأمور من المنتجين يفضلون اللعب على المضمون ولا يحبون المغامرة لمنح الفرص للأسماء الشابة الجديدة التي تحمل أفكارًا وتزخر بمواهب تستحق الرعاية والاهتمام أيضًا، نحن بحاجة لمواكبة حاضرنا والتطلع نحو المستقبل بدل الاكتفاء بالدوران في حلقة مفرغة لا تسمن ولا تغني من جوع .
من الجميل رؤية أعمال كلاسيكية بروح جديدة لكن في حدود المعقول والمنطق ؛ وسنعود لهذا الموضوع حين تتضح الرؤية أكثر وينقشع الغبار بحول الله .


★كاتب وصحفي-المغرب.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى