شيماء مصطفى:”الشيخة روان” لحزام بن راشد ..ما وراء الأسلاك الشائكة؟!
شيماء مصطفى ★
صدرت عن نوفا بلس للنشر والتوزيع رواية ” الشيخة روان” للروائي السعودي حزام بن راشد ، وتكون متنها السردي 255 صفحة، بمهاد مكاني ما بين الرياض وجدة مرورًا برحلة سريعة في الزمن متعمقة في الأثر بين الحدود السورية والتركية.
تدور الأحداث حول فتاة سعودية تدعى ” روان ” تفقد والدها ثم والدتها، فتقرر الهرب من سُلطة إخوانها الثلاث غير الأشقاء (فايز، ناصر، أحمد) ، خاصة بعد قصة حبها لخالد التي أفسدتها القبيلة بتبريرات غير ممنطقة؛ وذلك بالانضمام إلى سكن الطالبات الجامعي لإكمال تعليمها، لكنها سرعان ما تكتشف أنها قد هربت من قيود أسرية وقبلية لقيود داعشية متطرفة استغلت جسدها وخوفها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيق الأكثر استخدامًا بالخليج (تويتر)
لتتورط روان وتقع ضحية لخديجة (رفيقتها في السكن الجامعي) وضياء (زوجها)
الفريسة والصياد
اعتمد البناء السردي للشيخة روان على الأدب التوثيقي إلا أنه تحرر من اللغة التقريرية إذ يستند حزام بن راشد في أعماله دائمًا إلى قصص حقيقية يحمل أغلبها أسماء بطلاته، كما أنه تحرر من التأريخ بأسلوب أدبي يدفع القارىء لمزيد من الإثارة والتشويق والتوعية للنجاة من مصيدة الفكر الداعشي عن طريق الموازنة بين المباشرة والإيحاء.
ففي تبادلية مرنة نتجت عن خبرة وتمرس في هذا النوع من الأدب ، وبتحول درامي مبرر لشخصية روان بعد مرورها بمزيد من الصدمات النفسية سواء بالفقد أو بتعرضها للاغتصاب والابتزاز والترهيب، وإجبارها على الزواج من ضياء بنظام المسيار، لكن الفريسة لم ترضخ للصياد فاستخدمت أساليبه الملتوية وتحايلت عليه لتفلت من شباكه.
ففي صراع بين العاطفة والصواب نجحت روان في أن يكون الانتماء للوطن أحرى من رابطة الدم، ولهذا لم تحزن على مصير أخيها أحمد الذي انتهى به إلى السجن، وكذلك خالد الحبيب الأول في موقفه من شقيقته منيرة فقد حاول بكل السبل إنقاذها من مخالب الداعشية، لكن محاولاته باءت بالفشل.
أكد حزام بن راشد من خلال السرد الروائي بتكوينات بصرية على أن الفكر المتطرف لا يعبأ بالوطن ولا الإنسان ولا الدين نفسه، كاشفًا عن عدم اكتفاءهم بتسليع النساء بل تمادى بهم القبح لاستغلال أجسادهم أحياءً، والاستفادة من أعضائهم أمواتًا بالتعاون مع ماڤيا تجارة الأعضاء، فسواء حية أو ميتة ما هي بنظرهم إلا سلعة.
“وجدت أحمد وفايز يسوقاني إلى حتفي كما تساق النعجة إلى القصاب”
المتواقت والمتعاقب
مثلما وازن حزام بن راشد بين المباشرة والإيحاء في (الشيخة روان ) وازن أيضًا بين المتواقت والمتعاقب بلغة بسيطة مزجت بين التقريرية والوصفية، فرغم سرعة الأحداث وتلاحقها بتوالي الصدمات من القرار بالذهاب إلى السكن الجامعي ثم تورطها في إنشاء محتوى رقمي لاستقطاب الشباب من الجنسين لانضمام للتنظيم، ثم إجبارها على الزواج بنظام المسيار من ضياء أحد سماسرة التنظيم ، وصعقها حين تكتشف أن منيرة جارتها قديمًا وشقيقة خالد حبيبها السابق تلك الفتاة الودودة المرحة انحرفت عن فطرتها وجاهدت لتنضم للتنظيم بسرد كاشف عن الطرق الملتوية والناعمة لهم من خلال صفحاتهم على تويتر، ولكن الصدمة الأكبر حين تكتشف أن أخيها أحمد الأقل قسوة والذي تتعاطف معه وتعتبره أكثر إخوانها رحمة هو من قام بزجها داخل تلك البؤرة المڤيرسة بالداعشية، وأنه منتمي للتنظيم وهو نفسه من يسر كل السبل لضياء وخديجة لابتزازها فيما بعد، وبالنسبة للمتواقت فبدا في تصرفات روان اللحظية مع ضياء ثم التعاقب الممنهج في التعامل مع خديجة فلم يأت الانتقام بشكل اندفاعي متهور فقد وصلت الشخصية/ روان للدرجة الكافية من النضج بعد توالي الصدمات لتعرف متى يأت الرد متواقتًا، ومتى يأت متعاقبًا، فرغم أن خديجة تابعة لضياء والطرف الأضعف إلا أنها بالاتفاق مع مريم زميلتهما في السكن على خديجة للاستيلاء على اللاب توب الخاص بها والذي يثبت تورطهما، أما مع ضياء فقد استخدمت أسلوب الكر والفر، كذلك خالد في إدراكه التام لأهمية عنصر الوقت لضمان النجاة والوصول لبر الأمان بحبيبته وشقيقته، ولكن لا نجاة دون خسائر حتى ولو كانت طفيفة.
” هكذا هي الأشياء التي تخيفنا..تختصر وقت الانتظار بسرعة رهيبة، أما اللحظات السعيدة فتتثاقل خطواتها مثل سلحفاة برية”
طبق حزام بن راشد اللعبة المسرحية مع القارىء والمتمثلة في كسر الإيهام، فرغم سوداوية الوضع وتيقن القارىء أن النهاية ستكون متوجة بمرارة الفقد نظرًا لما وصلت إليه الأحداث في ذروة الصراع إلا أن القارىء يتفاجأ بقدرة روان بمساعدة خالد على قهر قوى الظلام بنكهة ميلودرامية .
المرأة في أعمال حزام بن راشد
بدا تحيز حزام بن راشد الواضح في أعماله والتي حملت عناوينها أسماء أنثوية إلى الاهتمام بقضايا المرأة العربية وتعرضها للعنف الأسري والجسدي ، كذلك في تعرضها لمحاولات اغتيالات نفسية جراء سلوكيات قهرية لا علاقة لها بها، ومع ذلك لم نرَ المرأة في أعماله ضعيفة أو مستسلمة بل صبورة ومحبة للحياة رغم المنغصات فوجدنا روان مريم وزمردة وهند باختلاف معاناتهن إلا أنهن ما زلن متشبثات بالأمل، حتى بعد مقتل مريم ومن قبلها زمردة، لم تتخل بطلاته عن الأمل، ولا الإيثار لإنقاذ الفتيات الأخريات من براثن الداعشية ومخالب قوى الظلام.
خلق حزام بن راشد توازنًا داخل النص بين قوى النور وقوى الظلام فمثلما يوجد أحمد وضياء وخديجة ومنيرة تواجد خالد وروان ومريم وهند، وما ميز هذا التوازن أن طرفي الصراع أشخاص عاديون متواجدين بينا لا هم خارقين، ولا مؤهلين لمجابهة قوى الظلام ولا رجال قانون لكنهم فقط ينتمون للوطن وحين وضعهم القدر في هذا الصراع أبلوا بلاء حسنًا غير مكترثين بالعواقب.
أضفى السرد الذاتي عبر ضمير المتكلم وياء الملكية نوعًا من الحميمية والبساطة، إضافة للقدرة على التعرية؛ تعرية النفس من داخلها عبر خارجها، وتعرية الواقع الهش .
القارىء لأعمال حزام بن راشد سيجده يمزج بين قضايا الوطن والمرأة، منحازًا إلى الفطرة الإنسانية التي تؤمن بأن المرأة جزءًا لا ينفصل عنه، وهي عماده وقوامه، وأن الكاتب جزء من وظيفته الكشف لا التضليل، لكنها في الوقت نفسه موجهة للقارىء الذي يبحث عن التشويق لا القارىء المحترف الذي يتطلع لما هو أبعد من ذلك.
لحزام بن راشد العديد من الروايات الجريئة وجميعها صادرة عن نوفا بلس للنشر والتوزيع وأبرزها:
سارقة الأزواج ، اختفاء سحر، مروة، أنثى لمعراج ،الحندس ،الحرة والمجرة ، الطفلة إيمان1، الطفلة إيمان 2، الهاربة.
★ سكرتيرة التحرير.