سينما

شهد إبراهيم:حين تُغنِّي الأحلام وسط القيود.. “رفعت عيني للسما”.

شهد إبراهيم

في بعض البيئات، تتحوَّل الأحلام إلى عبء ثقيل؛ حيث تواجه الرغبة في التغيير، قيوداً لا تتعلق فقط بالواقع، بل بما يفرضه المجتمع من تقاليد ومعتقدات.
وسط هذه التحديات، يظل السؤال: هل يمكن للإرادة وحدها أن تكسر الحواجز، وتُعيد تعريف الممكن؟
بزاوية بعيدة في حقول خضراء واسعة، بضحكات عالية، نرى الفتيات يتلاعبن بالماء، اِفتتح المخرجان “ندى رياض” و”أيمن الأمير”، والفائزان بفيلم (رفعت عيني للسما) بجائزة العين الذهبية؛ لأفضل فيلم وثائقي في مهرجان (كان) السينمائي ال 77، رافعين أعينهن للسماء بقوة؛ لوصول حلمهم للنور،  واللذان سَبق أن عُرض لهما الفيلم الروائي (فخ) بمهرجان (كان) عام 2019.

وتدور أحداث الفيلم حول ست فتيات يسعين؛ لتحقيق طموحاتهن في التمثيل والاستعراض، والتحديات والأزمات، التي تحاصر المرأة في صعيد مصر بالمنيا، وعلى الرغم من بساطة تلك الأزمات في مجتمعات أخرى، إلا أنها كبيرة جداً في مجتمع يتمسك بتقاليد متعلقة برفض امتهان النساء للفن، ويقدِّمن ذلك من خلال (بانوراما برشا) وهي فرقتهن المسرحية، التي يقدِّمن من خلالها عروضهن المسرحية بالشارع، كذلك ظهرت من خلال نص العمل المكتوب، الذي أوضح بشكل أشبه بالتلقين من الممثلين العلاقة بين كل فتاة، والشخصيات المحيطة بها؛ حيث نرى تكرارهم بعض الكلام بشكل مبالغ فيه في أكثر من مشهد، فمثلًا في مشهد “مونيكا” وخطيبها؛ حيث ذكر وقتها أكثر من ثلاث مرات “احنا معندناش بنات تغني”
وعن الديكور كان واقعياً فضلاً عن تسجيلية المعايشة، التي منحت فرصة كبيرة لرصد، وتوضيح التفاصيل بشكل دقيق، ظهرت في بيوت الفتيات غير المؤهلة للمعيشة، والذي كان لاستخدام زوايا التصوير المتوسطة، الفضل في إظهار تلك التفاصيل، تمثلت في أواني الطهي، كذلك دخول ثعبان بهذا الحجم إلى البيت، وكانت الإضاءة أغلبها تصوير خارجي معتمدة في ذلك على الإضاءة العادية، وكان تصوير الليل الداخلي معتماً وضعيفاً مُعبِّراً عن الحالة الدرامية؛ حيث عدم معرفتهن لنهاية هذه المحاولات، ظهر هذا بشكل واضح في مشهد الحريق المصحوب بدخان شديد جداً يحجب ويمنع وضوح الرؤية، والذي جاء بعد تخلِّي كل من “مونيكا” و”هايدي” عن أحلامهما، والتركيز في حياتهما الزوجية، وترك “ماجدة” وحدها، بعد أن هبطت بداخلهما عاطفتهما الفنية بالتدريج، وتعالت عواطفهما الأنثوية تجاه الذكور، الذين تقدموا لخطبتهما، فـ “مونيكا” صاحبة حلم الغناء، والذي تردَّد كثيراً بنعتها بصاحبة الصوت الجميل، لضعف قدراتها الغنائية، فإنها تحتاج للكثير من التدريبات، ولكننا نراها في زاوية متوسطة، وهي منشغلة في حياتها الزوجية، بعد حديث “ماجدة” لها عن تكملة البروفات، والتي يبدو لنا أن عامل الزمن قد هزمها، كذلك نرى “هايدي” والتي هزمها عدم تصديقها لحلمها من البداية، وللأسف أنها تمثل عدداً كبيراً من فتيات مجتمعنا، فبالرغم من تحرر والدها، والذي ظهر في حواره لها الملقن هو الأخر بتكراره طوال الوقت لعبارة “الحب مش عيب ولا حرام”، إلا أنها تترك نفسها لسيطرة خطيبها عليها متهماً لها بالانحراف، تلك العبارات التي قبلتها على نفسها دون أي مبرر، وهذا على النقيض من شخصية “ماجدة”، التي نراها لا تستمع لسخرية شقيقها لها، بل إنها تسخر هي الأخرى بضحكات مستهزئة من حديثه المتدني عن الفن وعن حلمها.

أما الموسيقى، التي كانت لـ (أحمد الصاوي) فقد غابت عن العمل بشكل غير مبرر، فإن من طبيعة هذا النوع من الأفلام وبالأخص هذه التيمة، أن يكون للموسيقى دور مهم للتعبير عن الحالة الدرامية، وزيادة الإحساس بها، اِستناداً للأداء التمثيلي الضعيف لبعض الممثلات، ولكن كان للمؤثرات الصوتية دور مؤدٍ لغرضه رغم قلتها، فقد ظهرت في أصوات القرع على الطبول؛ لعمل حالة من جذب الانتباه لسكان القرية لمشاهدة عروضهن، وكانت الملابس جميعها محتشمة، غير متناسقة الألوان، ولا الأذواق، نظراً لظروف التنشئة؛ حيث إن تلك الظروف تجعل إحداهن أثناء العرض تقول بمنتهى الأسى “ولا عارفة ألبس فستان” رمزاً عن الرغبة المكبوتة في التحرر والتعبير عن أنوثتها، لترتدي بعدها فستاناً ،ولكننا نراها ترتديه على سروال بشكل محتشم، قاطعة خط المسرح المصمم بالحبل؛ لتتحرك بين أهل القرية، دلالة منها على كسر الحائط الرابع، وتعمدها ارتداء الفستان داخل العرض.

وعن الزمن الدرامي للعمل؛ فقد كان في حالة إطالة بشكل مبالغ فيه، ربما لأن هذا النوع من الأفلام لا غنى فيه عن هذا المط، نظراً لأن الوقت يلعب دوراً معنوياً مهماً؛ حيث إن الوقت هو الشيء الذي كلما تقدم كلما أصبح على عواتقهن تحقيق أحلامهن، واستغلال هذا الوقت، أو السقوط،وضياع العمر، وانكسار الروح دون تحقيق شيء.

ومن هتافات الفتيات الصغيرات التي يصحبها أصوات دق الطبول في شوارع القرية، تصعد الكاميرا في لقطة علوية، توضح لنا البنايات العشوائية الملتصقة ببعضها، والشوارع الضيقة، والفتيات بداخلها، ومع ابتعاد الكاميرا لا نرى الفتيات، ولكننا نسمع أصواتهن، وهي تتعالى بالغناء رغم ابتعاد الكاميرا عنهن ، كدلالة على عدم توقفهن عن المقاومة والمحاولة في إثبات أصواتهن وأنفسهن، فالمستحيل ليس إلا مجرد كلمة يستخدمها الناس؛ لتبرير عدم تحقيق أحلامهم، وكانت أغلب أساليب المونتاج المستخدمة هي القطع، والتي كانت بكثرة دون سبب أحياناً، فإننا نراها تحدث في مشهد البروفات أكثر، رغم عدم تَغَيُّر الفضاء، أو حتى تَغَيُّر الحالة الدرامية.


★ طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى