شيماء مصطفى:”حكايات عزيزة” لمنير عتيبة.. هل بالموت تتلاشى الحكايات؟
شيماء مصطفى ★
“علاقتك بالأشياء مرهونة بمدى فهمك لها” مقولة للكاتب الراحل إسماعيل فهد إسماعيل والتي تسير عزيزة وشخصياتها على نهجها بإيمان يتسق وقناعاتهم بغض الطرف عن الآخر وتصوراته.
يدور العمل ” حكايات عزيزة” لمنير عتيبة والصادر عن بيت الحكمة عن سيدة ريفية تدعى عزيزة، والتي تقضي عمرها ما بين بيت أبيها ثم الزوج من ابن عمها لتعيش معه في بيت عمها
( بيت العائلة) ثم تترك بيت العائلة لتسكن في شقة متواضعة ، إلى أن تؤسس بيت أكبر وهي على مشارف الخميس بعد حصول زوجة على مكافأة المعاش ، لا يقتصر السرد على عزيزة وأسرتها النووية المكونة من الزوج والأبناء بل يشمل بامتداد يتلائم وحياة امرأة قروية ليضم الأجداد والآباء وزوجات الأبناء.
وبخصوص العنوان فنسبة الحكايات لعزيزة تضعها في بؤرة احتمالية بزوايا رؤيتها وعلاقتها بالأشياء وهذا يعني أنه ربما للآخر حكاية أخرى تتلاقى مع حكايات عزيزة في نقاط ، وتدحضها في نقاط أخرى.
وعن الغلاف باعتباره إحدى عتبات قراءة النص فجاء بسيطًا غير متكلف كبساطة شخصيات العمل في تطلعاتهم بلون سماوي .
البيوت أسرار؟
في حكايات عزيزة وبيوتها لا مكان للأسرار ولا قضية اجتماعية واحدة فقد تطرق العمل لعدة مشكلات اجتماعية تتنشر في الريف كالزواج المبكر سواء لعزيزة أو لابنتيها علياء وهدى ، والزواج في بيت واحد مع عائلة الزوج، وكثرة الإنجاب، والأمراض التي تلتهم الشخصيات الرئيسة أو الثانوية فتفتك بهم كعيد زوج عزيزة، وابنتها علياء، وعمها حامد،وقد كانت حياتها ما بين حل وترحل من بيت إلى بيت ومن شكوى لجدارن إلى شكوى من جدران أخر.
أهم ما يميز العمل علاقات الشخصيات بالأشياء علاقات حميمية مع الأشياء مضطربة مع البشر، عزيزة مع الطشت والجدران واضطراب علاقتها بابنتيها، حميمية العلاقة بين حامد وحصانه وفسادها مع زوجته والدة عيد زوج عزيزة، وعلي وخاتمه وبندقيته،جميع العلاقات متأرجحة ما بين الاضطراب والحميمية.
وعن اللغة فقد كانت موظفة بشكل جيد يتسق وطبيعة المهاد المكاني والزماني للأحداث كاستخدام مفردات كالطشت/ وعاء الاستحمام ، الغلق / يكون من الخوص وأحيانًا من الجلد يستخدمه الفلاحون في جمع روث البهائم من الحظائر أو في جني الثمار ، ماجور / وعاء من الألومنيوم أو النحاس وأحيانا من الفخار قد تستخدمه الفلاحات في العجن وأحيانًا في تسخين المياه ولهذا تتقارب البنية المكانية مع مستوى الطبيعة والواقع النفسي.
أما عن الهنات فتمثلت في بعض المفردات في الحوار ككلمة شابة ، في حوار والدة عيد لفتحية خطيبة ابنها، وكأن امرأة سكندرية تتحدث لا فلاحة عاشت لسنوات بين الغيطان، و حوار آخر مع عزيزة وزوجها عن ابنتها هدى حين رفضت الزواج من شاب ، بلفظة يا لهوي ثم إكمال الحوار بالفصحى؛ لذلك كنت أود لو أن الحوار كله بالعامية ليتناسب مع الخلفية التاريخية والمرجعية للشخصيات ، وليكسب الحوار حيوية أكثر.
ثمة إسقاطات بالنص ودائرية في البناء لمصائر الشخصيات كوفاة عديلة بسبب رشفة شاي وهي نفسها في شبابها كانت تسرقه من الأكياس المغلفة لتبيعه.
“ضحك علي كأنه يتذكر ما سرقته من الشاي زمان”
بالإضافة إلى آلية التوازي في عزيزة وابنتيها مع اختلاف كل منهما في التعامل مع أزمتها، فقد جاهدت عزيزة لتجعل ابنتيها نسخة منها في التعامل مع الزوج والحياة متناسية أن لا رجل يشبه الآخر مثلما هي لا تشبه بناتها.
وعن الموت ومستوياته المتعددة ، من غياب جسدي وغياب للوعي واليقين، فقد كان أقلهم في الدلالة الغياب الجسدي فوجدنا أغلب شخصيات العمل ينتهي دورها على الورق بالموت بنهاية مغلقة بعد عناء مع المرض ، كعيد وأبيه حامد وابنته علياء، أو ضحايا حرب كعلي صديق عيد وأخيه، ولم يكن منطقيًّا أن تنتهي أغلب الخطوط الدرامية للشخصيات بالموت!
وعن الراوي وانتقال حكايات عزيزة من الشفاهية للتدوين على الطريقة القديمة فقد كانت ملائمة ومنطقية كون عزيزة تجيد الحكي والمراقبة لكنها أمية لا تقرأ ولا تكتب ولهذا كان الابن شاعرًا يكتب الشعر وهو من دون حكايات أمه.
وبخصوص الأماكن فقد ذكر مكان بتفاصيل ومكان آخر مجهول ومبهم فنجد عزبة النخل وجامعة الإسكندرية وشارع السوق، ونجد أنفسنا لا نعرف البيت الجديد بأي منطقة، وكذلك الزمان بعض الأحداث تم تأطيرها بمهاد زماني كأحداث الغزو العراقي وبعضها لا.
نقطة جوهرية في العمل تمثلت في ذهاب عيد زوجها للحج رغم تعسر الأسرة نوعًا ما ، وتكمن جوهرية هذه النقطة في عدم منطقيتها، وربما في ترتيب أوليات القرويين.
فضلًا عن الإسهاب والإطناب في أحداث فرعية كأحداث الغزو العراقي ، والاقتصاد في أحداث رئيسة تتعلق بزيجات بنات عزيزة.
العمل كله جولة بانورامية في بيت قروي يتشابه وبيوت الكثيرين ، لكنه يختلف عنهم في أن أحد سكانه كان شاعرًا.
★سكرتيرة التحرير.