شهد إسماعيل:”رفعت عيني للسما “.. مسرح الأحلام في تحدى قيود الصعيد.
شهد إسماعيل★
كيف يمكن لحلم بسيط؛ أن يتحوَّل إلى نداء للتغيير في واقع الصعيد بعاداته وتقاليده وأفكاره ؟
“رفعت عيني للسما” ليس مجرد فيلم وثائقي، بل هو صرخة جماعية لمجموعة من الفتيات في صعيد مصر، اللاتي قررن استخدام التمثيل كوسيلة للتمرد والحرية؛ حيث ينقل لنا الصراع اليومي بين تقاليد مترسخة، ورغبة مُلِحَّة في التعبير عن الذات، وتبقى رسالته عالقة في الأذهان : ” هل سنواصل الانتظار، أم سيأتي اليوم الذي تتحقق فيه أحلامنا ؟
فيلم ” رفعت عيني للسما ” هو فيلم وثائقي مصري من إخراج “ندى رياض”، و”أيمن الأمير” ، تدور أحداثه حول مجموعة من الفتيات؛ تقرر تأسيس فرقة مسرحية تسمى” بانوراما برشا”، وبطلاتها هن: “ماجدة مسعود”، و”هايدي سامح”، و”مونيكا يوسف”، و”مارينا سمير”، و”مريم نصار” و “ليديا هارون”، إنهن مجموعة من الفتيات الصعيديات اللاتي يؤدين عروضاً مسرحية في شوارع قرية البرشا في المنيا.
يطرح الفيلم مجموعة من القضايا الاجتماعية المهمة، مثل الزواج المبكر، وحق الفتاة في اختيار شريك حياتها، والضغوط المجتمعية، التي تواجه النساء.
تُسْتَخْدَم هذه العروض كوسيلة لإيصال أصوات الفتيات؛ في مجتمع لا يتقبل بسهولة الأفكار الجديدة.
يَعرض الفيلم أحلام الفتيات المؤجلة، مثل انتظار ” أوتوبيس الأحلام ” لتحقيق طموحاتهن، في رمزية تُظهر مدى الصعوبات التي تواجههن.
اِستغرق تصوير الفيلم أربع سنوات، وشارك في المسابقة الرسمية لأسبوع النقاد بمهرجان “كان” في نسختها الـ 77 لعام 2024 ، وحصل على جائزة العين الذهبية لأفضل فيلم وثائقي في مهرجان “كان” السينمائي؛ ليصبح أول فيلم مصري يفوز بهذه الجائزة.
يعتمد الفيلم على الأسلوب الوثائقي بشكل بسيط وواقعي؛ حيث تلتقط الكاميرا لقطات قريبة ومتحركة، مما يعزز شعور المُشاهد بأنه جزء من القصة، يعيش مع الفتيات لحظات التحدي والأمل، وتستخدم تلك اللقطات لتوثيق الحياة اليومية بشكل مباشر، وغالباً ما تأتي اللقطات من خلف الفتيات؛ مما يعزز الإحساس بالواقعية، والعزلة، ومرافقة الشخصية في رحلتها.
تتسم اللقطات بقطع مباشر ومتتالٍ، مما يعكس صخب الحياة، فيما تستخدم مناظر الطبيعة، واللقطات الثابتة لبضع ثوانٍ ؛ لتوفير استراحة بصرية وتأملية .
الفيلم مليء بالرموز، التي تعكس الضغوط الاجتماعية، التي تواجه الفتيات، مثل مشهد ” أوتوبيس الأحلام “، الذي يرمز إلى الطموحات المؤجلة؛ حيث تنتظر الفتيات فرصة لتحقيق أحلامهن ، لكنهن تواجهن صعوبة في الوصول إليها؛ بسبب القيود، التي يفرضها المجتمع.
كما أن مشهد ” المحكمة “، التي تعرض فيها كلٌّ منهن مشكلتها؛ تمثل القوة المتاحة للفتيات في التحدث عن حقوقهن، ولكن في إطار واقعي قمعي .
تَبرز شخصيات الفتيات كمثال للمرأة المصرية، التي تسعى إلى تحقيق أحلامها؛ رغم كل المعوقات.
يَظهر بوضوح التفاوت بين الواقع المثقل بالتقاليد، والصراع الداخلي لكل شخصية، بين القبول بالواقع أو السعي للتغيير، مثل شخصية ” مونيكا” .. التي تحلم بالغناء، فهي تُجَسِّد شغف المرأة، وقدرتها على التحدي؛ بينما تُجَسِّد “هايدي” صراعاً داخلياً؛ ينعكس في علاقتها بخطيبها، الذي يحاول السيطرة عليها.
كل شخصية تعكس نمطاً معيناً من الصراعات، التي تعانيها النساء في المجتمع، سواء كانت بين العادات والتقاليد، أو الطموحات الشخصية.
“رفعت عيني للسما” هو فيلم يُسَلِّط الضوء على قضايا اجتماعية مهمة بأسلوب بسيط ، ولكنه مؤثر.
قوة الفيلم تكمن في توثيقه للواقع دون تجميل، فهو يُظهر بصدق معاناة النساء في مجتمعات تقليدية؛ مما يجعله صادقاً وقريباً من قلوب المشاهدين؛ حيث يَتميز أيضاً بتركيزه على الفن كوسيلة للتغيير، فهو يُظهر كيف يمكن للفن أن يتجاوز حدود الترفيه؛ ليصبح صرخة احتجاجية، فبعد زواج “مونيكا” وتَخَلِّي “هايدي” عن حلمها، تُقرر “ماجدة” عدم التَّخَلِّي عن حلمها، وسافرت من بلدتها للقاهرة؛ للالتحاق بمعهد الفنون المسرحية، مما يجعل الفيلم دعوة للتمسك بالأحلام، مهمت كانت الصعوبات، التي تواجهنا.
في النهاية، لا تُعَبِّر قصة الفيلم عن مجموعة فتيات في صعيد مصر فقط، بل هي حكاية إنسانية تمسُّ كل من شاهدها؛ حيث ينجح الفيلم في تسليط الضوء على نضال الفتيات في صعيد مصر من أجل التغيير، و يُظهر الفيلم كيف يمكن للفن أن يكون وسيلة للهروب، وللتمرد، ولتحقيق الذات.
★طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.