سارة أشرف :” كنت حمار.. وأشياء أخرى”!؟ وكأنك تشاهد فيلماً ممنوع من العرض!؟
سارة أشرف ★
في كل مرة أقرأ كتاباً، وأفكر في كتابة مراجعة أو تحليل لما قرأته، أقول لنفسي لماذا لا يوجد فقرة ثابتة عنوانها “قرأت لك” كتلك التي كنت أراها بالصحف اليومية، مقالات تنصحني بقراءة، أو عدم قراءة كتاب ما، ولكن السؤال هل الشخص الذي يحركه الفضول ستوقفه مراجعة ما، عن قراءة أو مشاهدة عمل ما؟ الإجابة من واقع ما أفعله شخصياً هي لا بالطبع، على العكس –أحياناً- الآراء السلبية تدفعني لمتابعة أو قراءة هذا السيئ؛ لأجيب على كم الأسئلة التي تكونت بعقلي، هل بالفعل سيئ كما يقولون، ما السيئ تحديداً؟ هل رأيي مثلهم أم مختلف عن الجميع؟ أسئلة كثيرة كلها تندرج تحت الفضول، وبما أن الفضول هو المحرك؛ فالكتاب الذي دفعني اليوم للكتابة، كان سبب قراءته هو الفضول البحت، كتاب عنوانه ” كنت حماراً.. وأشياء أخرى: مشاهد شخصية في منتهى الحمورية ” ، غلافه خيالي عبارة عن صورة كرتونية للكاتب يجلس بجانبه حمار، يضع كل منهما ذراعه على الاخر، مكان الجلوس في الهواء الطلق بالسماء على أسلاك ممتدة، وعصفور يقف يشعل سيجارة للحمار، والكاتب أيضاً بيده سيجارة، ألن يثير فضولك غلاف بهذا الشكل، وهو من تصميم (أحمد نبيل)، وعنوانه ينعت فيه الكاتب نفسه بالحمار؟
كتابة ذاتية
الكتاب صدر عن دار الكرمة عام 2019، وهو لـ هشام منصور”، مذيع وكاتب ساخر، وعلى الرغم من اعتذار “هشام في تمهيد الكتاب عن تنقله بين العامية والفصحى، إلا أنه لم يكن يحتاج لاعتذار عن هذا تحديداً، لأن الكتاب معظمه بالعامية أساساً، كان السرد فيه عبارة عن صديق يجلس بقربي، ويحكي لي تجاربه وما مَرَّ به، ولهذا أنا من القرَّاء الذين لا تضايقهم الكتابة ونشر كتب بالعامية، ولكن المهم أن تكون مدركاً سبب استخدامك لأسلوب كتابتك، في حالة “هشام” هو يكتب كما يتحدث بالضبط دون مراجعة وفلترة لما كُتب، يفضفض مع صديق بمنتهى الفجاجة لا ضابط، أو رابط على لسانه، أسلوب يجعلك قريباً من الكاتب في العموم؛ ولذلك لا أنفر منه، ولكن في حالة “هشام” حين يصبح وجود”لزمته الخاصة” كلمة “فشخ” مع الإكثار بالتعبير والتشبيه بالإيحاءات الجنسية، هنا يكون النفور ملازماً أغلب أوقات القراءة، ولكن ربما قارئ جيد يلاحظ أن لغة “هشام” تغيرَّت مع التقدم في فصول الكتاب، لم يكن تطوُّراً بلاغياً، وإنما تطوُّر في شخصيته، على مدار الكتاب حكى مواقف من طفولته، وعن غضبه، وعن فترة بلوغه ومراهقته، وفترة الجامعة وعلاقاته المتعددة، بل حكى حتى عن الفترة التي ارتبط فيها بفتاتين بنفس الوقت، يسرد دون خجل وبشجاعة، وهو ما يجعلك تتساءل هل هناك شخص يجاهر بأخطائه هكذا دون خوف من أي لوم؟ ، إلى أن يصل لمراحل النضوج وتصالحه مع نفسه، بل يتضح لك أن كل فصل ما هو إلا نبش في ماضيه؛ ليخرج منه بفائدة، أو خبرة معينة.
لماذا كان حماراً ؟!
يختم منصور، الفصل بعد الحكي بأن ” كنت حماراً لما ….” مرة كان حماراً حين لم يتسامح وغضب على زميله المستفز عن طريق الضرب، ومرة كان حماراً حين فهم أباه، وحب أبيه له متأخراً، ومرة أخرى كان حماراً حين فهم سبب ميله للدخول في علاقات مع نساء مطلقات، ولديهم أبناء؛ لمجرد أنه كان يحاول إنقاذ والدته، وليس حباً حقيقياً، حمار لأنه فهم متأخراً أيضاً، بل كان أيضاً حماراً حين ترك نفسه يُصَدِّق أنه الشرير في رواية أحدهم (علاقة حب).
الممنوع مرغوب!
كثير من الأحداث يسردها محاولة منه؛ لأن يكون ضوءاً أحمر لشباب آخرين بألا يقعوا في نفس أخطائه، ولكن يا “هشام” النبأ السيئ هو أننا لا نتعلم سوى بالوقوع بأنفسنا، هذا أولاً، أما ثانياً أسلوب سردك على مدار الكتاب لن ينفر أي شاب/ة من الوقوع في نفس أخطائك، بل كنت تخبرنا عن تجاربك وحياتك كما لو كنا نشاهد فيلماً ممنوع عرضه، وبالتالي الممنوع دائماً مرغوب يا عزيزي.
وبما أن الكتاب لا يمكن تصنيفه على أنه أدب ساخر فقط -مع تحفظي على وصفنا له بأنه أدب – فالكتاب أساساً يحمل الكثير من “قلة الأدب” أو أن يكون +18، وحقيقة المشكلة ليست في هذا، وإنما المشكلة في كيف تصف ما تريده؛ حتى وإن كان موضوعاً جنسياً بأسلوب أدبي بليغ، ولهذا تحديداً يمكن أن نصف الكتاب بأنه كتابة ذاتية، بل إن الكاتبة “عزة رشاد” وصفت رؤيتها في كتابة السيرة الذاتية؛ ضمن مقال بمجلة (الفيصل) وصفاً يمكن تطبيقه على “كنت حماراً ..” وكان كالآتي:
“لأن الماضي هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن تغييره، ولا يمكن محوه، فلمقاربته في رأيي مسالك وغايات عديدة.
ربما نحتاج إعادة قراءته وتحليله؛ لكي نفهم أكثر ذواتنا بالأخص، ثم يأتي بعد ذلك أن نفهم الآخرين، ونحلل الأحداث.
وهذا ربما يكون وثيق الصلة بالحاضر؛ لأن الزمن قماشة واحدة يصعب فيها فصل الماضي عن الحاضر عن المستقبل، فصلاً تامّاً أو متعسفاً”.
دون رقابة!
وأخيراً كيف ننسى أمر الرقابة ، الكتاب مَرَّ دون رقابة، وأغلب الظن دون مراجعة، ولكن حين تم تسجيله؛ ليكون كتاباً صوتياً على منصة” اقرأ لي” نجد أنه تم حذف فصلين، أحدهما عن الدلافين، وكيف اكتشف الكاتب معلومة بحثية بأنه ليس حيواناً صديقاً للإنسان، ولكنه متحرش وربما يصبح مغتصباً، معلومة مثيرة للإشمئزاز تنفرك من عالم البحار، والكتاب، واليوم الذي قرأت فيه، ولهذا وجدت سؤالاً ينخر رأسي كمسمار ” هل يصح للكاتب أن يكتب كل شيء يلاحظه دون فلترة، ويكون رمانة الميزان، هو الأسلوب الذي قيلت به المعلومة، أم مراجعة الأمور وفلترتها هي الأصح؟ “
★ناقدة ـ مصر.