مسرح

رانا أبو العلا: (المنفى).. غربة الروح أم الجسد؟

رانا أبو العلا★

لطالما سمعنا أن الصحافة هي السلطة الرابعة، التي لا يمكن تصمت أقلامها، أو تتقيد من قبل أية جهة، ولكن هل حقاً هي كذلك، أم أنها شعارات زائفة، ظللنا نرددها عبثاً مراراً وتكراراً، دون أن تتحقق على أرض الواقع، فهل يحق للصحفي، أن يكون حر الرأي وإذا ما فكر بذلك، فماذا سيكون مصيره ؟!

هذا ما يتطرق إليه العرض المسرحي،(المنفى)، الذي قُدم ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري، في دورته السادسة عشرة، لفريق منتخب جامعة طنطا.

 العرض مأخوذ عن رواية “الحب في المنفى” للكاتب بهاء طاهر، إعداد أحمد عصام، إخراج السعيد منسي.

يدور العرض حول صحفي اضطرته الظروف لترك البلد، ليعمل مراسلاً صحفياً بالخارج، عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، ومن ثم يتطرق، لطبيعة الحياة التي عاشها هذا الصحفي، في طفولته وشبابه الذي تأثر بالأحداث، التي وقعت بهذا الوقت، كـالنكسة، ووفاة عبد الناصر، وما إلى ذلك، حتى تقدمه بالعمر، في ظل أجواء مليئة بالصراعات والحروب، في أكثر من بلد عربي، ونجد أن أحداث العرض، بُنيت على خط درامي رئيسي، فالصحفي سعيد، الذي يتجسد من خلال الشخصيات، التي تحيا في عالمه تمثيلات للأحداث، التي طرأت في البلاد بتلك الأثناء، فهذا الصحفي الذي يُمثل الحزب الناصري متبنياً الوحدة العربية، حتى تنقلب حياته رأساً على عقب بعد وفاة عبد الناصر، ويتم نفيه خارج البلاد، بزعم العمل كمراسل صحفي، ولكنه في حقيقة الأمر نُفي بسبب عداء السلطة له، أما صديقه إبراهيم، فيمثل الحزب الشيوعي وأفكاره، وكذلك نجد الابن الذي يمثل بدء تفشي أفكار الجماعات الدينية، التي نادت بتحريم الكثير من الأمور الدنيوية، وهكذا ومع كل مشهد، نكتشف خلاله أن كل شخصية من شخصيات العرض، هي رمز لفئة، أو فكر سائد، بالفترة التي يدور بها زمن العرض، وهنا تتجلى بوضوح أزمة النص، والتي تبدأ من كونه مأخوذاً عن رواية، وبالتالي تتشكل أزمته في التحويل من الوسيط الروائي إلى المسرحي، والذي يتطلب التكثيف دون أن يُخل بالأحداث أو يُشتت المتلقي، وهذا ما لم يتحقق في العرض، فعلى الرغم من أن أحداث العرض تدور في خط درامي واحد، إلا أن طول المدة الزمنية، التي تدور بها أحداث العرض مع كثرة الأحداث، أدّى إلى تشتت المتلقي، خاصة مع استخدام لعبة التأرجح الزمنية، التي استخدمها المُعد من خلال الفلاش باك، حيث نرى مشهداً لسعيد في طفولته، ثم مشهداً آخر في زمن آخر، وهو في شبابه، أو حتى بعد نفيه، وهكذا استمر العرض في اللعب بالزمن في كل مشهد، وعلى الرغم من أن استخدام هذا التكنيك، كانت حيلة متقنة من المعد أو المخرج، بدلاً من أن تسير الأحداث بتسلسل زمني رتيب، خاصة مع طول المدة الزمنية، التي تدور بها الأحداث، ولكنه بذات الوقت، أدّى إلى تشتت المتلقي، وعدم وعيه بالزمان والمكان، الذي يدور خلاله المشهد، وكذلك أدّى إلى وجود خطوط فرعية للعرض، دون ربطها بالحدث الرئيسي، ودون أن تأخذ حقها في المعالجة الدرامية، كمشهد النادلة، التي تعترف فيه بحبها للشاب الذي يصغرها، فلو حذف هذا الحدث من الأساس، لما وقع أي تأثر على بنية العرض، أما عن مده العرض، فقد تناول صنّاع العرض، الأحداث بإسهاب أدّى إلى الرتابة والملل، حتى مع تعاقب المشاهد سريعاً، لكنه بدا في بعض المشاهد، تعاقب مخل بالمعنى الذي من المفترض أن يكشفه المشهد.

وعلى المستوى البصري، فقد تمكن مخرج العرض السعيد منسي من تضافر عناصر السينوغرافيا، لتظهر المشاهد في صورة متناغمة بداية من ديكور محمد طلعت، والذي اعتمد فيه على تقنية الفيديو مابينج، وقد وفق طلعت في تجسيد المشاهد، وتغييرات الزمان والمكان، ولعل اختيار هذه التقنية، حيلة موفقة نجحت في تيسير الانتقال السريع، بين المشاهد وبعضها، دون اللجوء لكثرة البلاك لتغيير الديكور، وهنا علينا أن نُشيد بتمكن المخرج من توظيف خشبة المسرح، بما يتفق مع طبيعة كل مشهد، ففي اللحظة التي يدور خلالها مشهد على يسار المسرح، على سبيل المثال يتم إعداد يمين المسرح بقطع الديكور، لنقل المتلقي إلى زمن وحدث آخر، – وإن كان يعيبها استخدامها كثيراً – وهنا يأتي دور إضاءة العرض كونها الداعم الرئيسي لنجاح تلك الفكرة، وهنا تكمن سقطة الإضاءة حيث جاء تأخير الإضاءة في أن إسقاط الضوء على مساحات التمثيل، بكثير من الأحيان تسبب في أن تؤدى بدايات بعض المشاهد في الظلام، وكشفت أيضاً عن لحظات إعداد الديكور على الجانب الآخر، وهذا ما زاد من حالة التشتت، التي سقط بها المتلقي خلال رؤيته للعرض، وبدلاً من أن يتماهى مع أحداث العرض بقي مشتتاً بين المناظر المسرحية، التي يتم تجهيزها، وبين المشهد التمثيلي الواقع أمامه، أما دينا عمران، فقد نجحت في تصميم ملابس، تجسد الفترة التي تقع بها الأحداث، واختيار ألوان تتفق مع طبيعة الزمن وألوانه، التي كانت تُستخدم حينها، ومن بين التقنيات الحديثة، التي لجأ إليها صنَّاع العرض، وتطويعها بما يخدم العرض، تأتي الدراما الحركية لإبراهيم كابو، حيث استخدم السلويت الموجود في عمق المسرح، لتوظيفه داخل الحدث، من بينها الرقصة التي يؤديها سعيد وحبيبته، في الثلث الأخير من العرض، حيث نرى في الخلفية رقصة ثنائية، تُشبه الرقصة التي تؤدى في منتصف الخشبة، بين سعيد وحبيبته، فقد جاء استخدام السلويت موظفاً، في خلق دلالات معبرة عن الأحداث، التي تقع على خشبة المسرح، كمشهد ممرضة المخيمات الذي تمكن خلاله كابو، من تجسيد المعاناة التي تعرض لها الأطفال قبيل موتهم، ولهذه الأسباب دعونا ننتصر للتكنولوجيا، التي خلقت دلالات موحية بالحدث، لتبدو في صورة إبداعية متقنة، وجاءت موسيقى العرض، والتي أعدها مصطفى مجدي، لتعبر عن لحظات الشجن، وربما لو لجأ إلى بعض الأغنيات المعبرة عن كل فترة، مثلما جاء بمشهد النكسة، بأغنية (عدى النهار) كدلالة على الفترة، التي يعبر بها عن الأحداث، لساهم ذلك في أن يدرك المتلقي، الزمن الذي يقع فيه المشهد، خاصة وأن الزمن الذي تدور فيه أحداث العرض، زخر بالأغنيات الوطنية المرتبطة في ذهن المتلقي، بأحداث بعينها.

وظّف صنّاع العرض، اللغة المنطوقة، والتي مزجت بين العامية والعربية الفصحى، للتيسير على المتلقي في أن يفرق بين الشخصيات المصرية، والأجانب، وقد وفق في اختيارهذا التمازج، خاصة لأننا أمام عدد كبير من الشخصيات، والأحداث، وأماكن الحدث أيضاً.

وعلى مستوى الأداء التمثيلي، نجد أن الممثلين لعبوا أدوارهم بمهارة وحرفية، خاصة عبد الله فتح الله، في دور إبراهيم الكبير، الذي وظّف تعبيرات وجهه، وحركة جسده، في أن يعكس الحالة، التي يحيا بها في ظل الحروب والمعاناة التي عاصرها، وكذلك آية الشربيني، في دور ماريان، ممرضة مصابي الحروب، والتي تمكنت في مشهدها القصير، من أن تعكس حجم المعاناة، التي تعرضت لها بعد حادث القصف، على سيارة إسعاف الأطفال الجرحى.

نحن أمام تجربة فنية، حاول صنَّاعها تجسيد فترة زمنية طويلة، عبَّروا عن ألامها، ومدى التغييرات التي طرأت على البلاد، في تلك الفترة، في ظل أجواء زادت بها الحروب، والنزاعات، والاضطهاد، والتطرف، والتعسف، ضد أصحاب الرأي، وما إلى ذلك ومازالت المعاناة، والتطرف، والحروب في بلادنا العربية مستمرة، ويبدو أنها ستستمر طويلاً.

المنفى

كتابة: أحمد عصام، إخراج: السعيد منسي، تمثيل: عبد الله صالح، آية الله سامي، أمنية هلال، أحمد فايد، يوسف إيهاب، هبة البشكار، محمود رجب، عبد الله نافع، إسراء سمير، أحمد صلاح، عبد الرحمن عبده، إبراهيم الصباغ، محمد عبد السلام، نانسي كمال، هدى مبارك، إسلام علاء، عبد الله فتح الله، محمد قطب، عبد الرحمن الطينخي، مازن رمضان، سهيلة سليمان، أدهم فيصل، آية الشربيني، إسلام علام

ديكور: محمد طلعت، إعداد موسيقي: مصطفى مجدي، ملابس ومكياج: دينا عمران، استعراضات ودراما حركية: إبراهيم كابو، مخرج منفذ: أحمد الرمادي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ سكــرتيــر التحــريــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى