مسرح

بدر الأستاد:صراع” الأصل والصورة “.

بدر الأستاد

انطلق مهرجان الديودراما في دورته الأولى، برعاية لوياك؛ بعرض افتتاح مميز، تم تقديمه  خارج المنافسة” أصل وصورة” للكاتبة فارعة السقاف، والمخرج خالد أمين.
كان العرض كالشعرة التي قصمت ظهر البعير، وزلزلت وجدان المتلقي، حيث فجر كمية كبيرة من التساؤلات الخاصة بوجود الإنسان، وعلاقته بوالديه.

تدور الفكرة حول أب و ابنه، كلاهما كاتبان، تعرفنا عليهما في البداية من خلال لقطات من الصور لهما، تعبر عن علاقتهما، حيث نجد الابن بائساً أحيانا، بينما الأب في حالة من السعادة، أو العكس، وكلاهما يتعامل مع الصورة بطرق مختلفة تتكرر من زوايا أخرى.
هذا التناقض مابين الشخصيات؛ لربما أعطى أبعاداً ودلالات مبدئية حول الإنسان والحياة، فالحزن والسعادة هما شعوران أساسيان  في حياتنا، ولكن السعادة حينما نحقق شيئاً ما، والتعاسة حينما نخسر أنفسنا؛ فنجعل أنفسنا صورة من أصل شيء ما أجْبَرَنا القدر عليه.
مَثَّلَ كلٌ من مصعب السالم، دور الابن ( الصورة)، ومحمد الرقادي أخذ دور الأب (الأصل)، ولكن حينما يضع القدر نهاية لهما، يصبح الأب صورة عبر ذكريات من المستحيل إلغائها، وبالفعل هذا ما حصل، حيث الفكر الاجتماعي والأخلاقي العام يتحكم بتربيتنا لأولادنا.

كان الجمهور في حالة تركيز طوال العرض، فجميعنا صورة من أصل أمهاتنا وآبائنا، وذلك من خلال ما تَرَبّينا عليه، وما رسموه لنا، فنحن لا نختار من نكون، بل أُجْبِرنا على ما نحن عليه، وإذا تمردنا، فيتبقى منا ترسبات حول ما أجبرونا عليه.

وبالفعل نجد شخصية الابن الكاتب الذي ورثها عن أبيه الذي حرمه من الأمان الاجتماعي، فمن وجهة نظره يريده أن يكون أقوى، والأفضل من بعد وفاة والدته، وظن بأن المدارس الداخلية، ستكون مؤهلة لتعلمه مواجهة قسوة الحياة،ولكنها في الواقع كانت أقسى، فمن بعد ما  حُرم من أبيه، وكان يريد أن يُعبِّر عن مدى غضبه، نجد الأم تقتل تلك المشاعر  الغاضبة، مكررة على مسامع الابن” لا يجوز إنه أبوك”.
هذا المشهد الذي يعبر عن الفكر المجتمعي النمطي، الذي يؤمن بأن الأب يعمل من أجل البيت، بل أن البعض صنَّفه مضحيّاً من أجل الأبناء، رغم أن الأم هي من تُرَبّي، وتُعطي الدفء والأمان.

وهنا تبين تناقض تلك الفكرة من بعد وفاة الأم، فمَنْ مِنَ المفترض أن يُغطي الأب غياب الأم، لكن المدرسة الداخلية هي التي غطت هذا الدور وأصبحت هي التي تُعلِّم، وتُكَبِّر، و تُرَبّي؛ لتخرج شخصية تستطيع أن تواجه الحياة وضغوطاتها..؟

التربية والاختيار

هنا نرجع إلى النقطة ذاتها من خلال شخصية الابن واختياره ..؟؟ فهو لم يختر شيئاً قط؛ حتى في الأزياء التي كانت متقاربة جداً من أزياء الأب فهي باللون الرمادي، حيث أعطت دلالات على القهر، والاستعباد، والاكتئاب من عبثية الحياة، فكل ما تقدِّمه لنا هو في الواقع مؤقت، فإذا أعطتنا القوة لابد أن تعطينا في النهاية الضعف.

عبثية الحياة برؤية المخرج

صور المخرج خالد أمين العبثية، والحياة الدائرية،  بشكل رائع، فكان الأب يجلس على الكرسي المتحرك، والابن يُحرِّك الكرسي بشكل دائري، والمواجهة تدور بينهما، أجمل مافي هذا المشهد.
تلك الحيل الدفاعية للتبرير،
لم تكن بالشكل المبالغ فيه، بل كانت واقعية؛ حتى شعرنا في لحظة ما بالشك، فَمَنِ المذنب ..!! هل تربية الأب للابن كان يجب أن يكون كما تَرَبّى، أم لا ..!! وإذا  كان الجواب نعم فكيف نختار..!! وإذا كان لا ..؟؟ فماهي التربية..؟
إن الفكر السائد في المجتمع، هو أننا نأتي بالأطفال؛ حتى يراعوننا حينما نَكبَر، وحتى يكونوا بجانبنا ..!! فهذا ما صوَّره المخرج، من خلال مشهد المواجهة ..؟؟ فأين كانوا حينما احتجناهم..؟؟ هل العمل طوال النهار من أجل المال، والتحدث مع شخصيات لا نطيقها من أجل مصلحة الأبناء، تجعلنا نعتقد بأن علينا أن نحمل تلك الأفعال، ونراها تضحية..؟؟
التبريرات والاستغلال العاطفي الذي ينكره الجميع، من خلال تقديم التضحيات؛ حتى حينما يَكبَر الأبناء نستغلها؛ ليغطي علينا الشعور بالوحدة والضعف، ويكمن الفكر البشري، وهو الاستعباد من أجل أن نكون ما يجب علينا أن نكون.

سؤال للمؤلفة!

في النهاية، نكتشف بأن الحب والأمان الاجتماعي، هو بالواقع غير موجود، إنما الموجود هو التعلق، وهذا ما كان واضحاً  طوال المسرحية حيث الأب متوفٍ، والابن سجين بانكساره وصراعاته الداخلية، التي أخذت من اللقطة الأولى، وهو مستند على الكرسي، ولكن ظهره منحنٍ، وهنا نعود إلى ما تَرَبّينا عليه، الابن سند حينما نكبَر، والأب عمود البيت، وسند المنزل …!!

السؤال الأهم للكاتبة: ( كيف صنعتِ أبناءَكِ، هل كنت أنتِ الأصل، وهم الصورة ..؟؟ فإذا كانت الإجابة بنعم، فهل كتبت النص خوفاً من المستقبل..؟؟ أم هناك مخاوف أخرى؟)
كم أتمنى حقيقة أن يشاهد الجميع  هذا العرض ، الكل من مختلف الفئات العمرية؛ لأنه بالنسبة لنا كما صورّها المخرج؛ بأنها هي حلقة دائرية لا تنتهي، بل في كل ثانية هناك أصل يَطبَعُ صورة جديدة للحياة.


★ناقد ـ الكويت.

مقالات متعلقة

Back to top button