سينما

منة الله طارق: ” بنسيون دلال” فيلم يحمل قضية أم فيلم للتسلية؟!

منة الله طارق

شهدت أواخر سبعينيات  القرن الماضي وأوائل الثمانينات أيضاً  وجود أفلام اعتمدت على ميزانية ضئيلة جداً ، ويتم تصويرها في فترة زمنية وجيزة، بالتعاون مع ممثلين من الدرجة الثانية والثالثة ، ومع مخرجين بأجور منخفضة ، كما كانت تهدف إلى تحقيق الربح السريع ، مما دفع العديد من رجال الأعمال إلى التوجه لهذا النوع من الصناعة حيث ضمان المكسب و قلة التكلفة ، ولكن مع بداية التسعينيات بدأت السينما المصرية بالرجوع مرة أخرى واستطاع العديد من النجوم الشباب وقتها أمثال محمد هنيدي ، أحمد السقا ، علاء ولي الدين ، هاني رمزي ومنى زكي بإعادة حقبة الأفلام للقصص  ذات المعنى أو على الأقل  إعادة القيمة الفنية للعمل ، و إن كانت تلك الأفلام يغلبها الطابع الكوميدي ، لكنها مازالت جيدة على المستوى الفني  ،و بسبب انتشار القنوات الفضائية وبثها المباشر طوال ساعات اليوم أدى ذلك إلى إعادة إحياء هذه الظاهرة مرة أخرى،   كأننا قد رجعنا بالزمن لعدة عقود فاتت ، فنجد اليوم في فيلم بنسيون دلال من حيث ضعف الإمكانيات والحبكة الدرامية غير المتزنة و الإيرادات المتواضعة ،حيث حقق الفيلم 2.1 مليون ريال سعودي و 81.249 ألف دولار في الإمارات و 1.2 مليون جنيه مصري ،  وهو من إخراج و تأليف شادي الرملي نجل الكاتب الراحل لينين الرملي وساعده في التأليف حسن نيازي ،فالفيلم تجربة مختلفة لشادي الرملي الذي شارك في تأليف بعض الأعمال الفنية الأخرى مثل : مسلسل (مسلسلات كوم) عام 2009 ،وساعد في كتابة سيناريو فيلم (وش في وش) 2023 .


تدور أحداث الفيلم حول بنسيون الأب سيد الجدع و الذي لديه خمسة أبناء  نصف  وهم مجاهد ، عصام , عادل ، عايدة ،رجب الجدع  ويطالبونه بميراثهم في البنسيون ، لكنه يقرر خداعهم والسفر لبيعه لأحد المستثمرين،  ولتمسك كل منهم بمبادئ زائفة  كانت النهاية مأساوية.

حيث يحاول أحد الأبناء (مجاهد) إقامة حفل غنائي لتحقيق مكاسب مادية فيقوم (عادل) بدعوة منتج مهم آملاً في اكتشافه،  وتقوم (عايدة) الناشطة النسوية بدعوة أصدقائها الغرباء لتصوير فيلم قصير عن التحرش، وعصام المتشدد دينياً يدعو جماعته للإقامة في البنسيون ، أما عن (رجب / بستاردو) فيخطط لسرقة البنك المجاور للبنسيون والهرب .
و بالرغم من تواضع الفيلم من ناحية الحوار والقصة  فقد أثار فيلم بنسيون دلال العديد من القضايا الهامة والجدية التي يواجهها أبناء هذا الجيل  كقضايا    التحرش فالمنتج الذي دعاه عادل وقام بدوره عمر زكريا نجل الممثل الراحل طلعت زكريا لاكتشافه والذي أدى دوره خالد سرحان حاول التقرب من  حبيبة عادل حيث حاول أن يغريها بماله تحت اسم الفن ، وحين جاء عم شوقي ومعه فتاة ليل حاول جميع من في البنسيون التحرش بها، ومن ضمنهم أصدقاء عايدة الذين جاءوا في المقام الأول لتصوير فيلم  عن التحرش ؛ والذي أدى دوره محمد رضوان وكان أدائه في الفيلم مقارنة بأعماله الأخرى من أفلام ومسلسلات أقل من جيد ؛ فدور رمضان حريقة في مسلسل موضوع عائلي كان من أفضل الأدوار التي قام بها و قد تركت أثراً بارزاً مع المشاهدين .



يناقش الفيلم أيضاً  ظاهرة التدين الزائف بأنواعه فكان عصام الجدع والذي قام بدوره أمجد الحجار , شاباً يدعي التدين فكان يتخذ الدين حجة لرفض أي موضوع لم يكن على هواه و كان يستخدمه لخدمة مصالحه الشخصية ، فحين التقى بماتيلدا و أُعجب بها ، أراد الزواج منها على الرغم بمعرفته أنها متزوجة، ولكن مصلحته كانت أهم بالنسبه له ؛ تطرق الفيلم أيضاً لظاهرة السرقة وعدم الأمانة، وكيف أصبح الكثير من الشباب يلجأ إليها منهم المتعلم و غير المتعلم  ، وعندما  لجأ رجب/بستاردو هو وألبير و رؤرم إلى سرقة البنك بدلاً من العمل ، اتفق ثلاثة  شباب من طبقات اجتماعية وثقافية مختلفة على نفس الفعل الوضيع، كما كانت هذه أولى خطوات عمرو مصطفى السينمائية ، و التي كانت كالذي أراد عن طريق بستاردو إحياء شخصية كبداكي من مسلسل دلع بنات مرة أخرى، و لكن بشكل مختلف  لاقت استحسان الجمهور وقت عرضه  بغض النظر عن اختلاف مظهر الشخصية وملابسها .


كانت الإضاءة المستخدمة في الفيلم جيدة ، فقام صناع الفيلم باستخدام الإضاءة العامة العالية High Key Lightning  بشكل عام و الإضاءة المحيطة في بعض الأحيان و تستخدم  الإضاءة العامة العالية بحيث يكون كامل المشهد ذو إضاءة متساوية ، بمعنى أنه لا يوجد مناطق داكنة و أخرى ساطعة ، إنما يكون الكادر بالكامل مضاء بنفس القيمة ، و تعكس هذه الإضاءة أحيانا حالة من التفاؤل،  تستخدم بكثرة في الأفلام الكوميدية، أما عن الإضاءة المحيطة فهي الإضاءة الطبيعية الموجودة في أي مكان ، وكان من الممكن استبدال منابع تلك الإضاءة بمنابع خاصة للتصوير، لكن بالشكل العام ستحافظ هذه التقنية في الإضاءة على إظهار طبيعة المكان ، كما كان الديكور بسيطاً بالنسبة للمكان الذي تدور فيه أحداث الفيلم فهو بنسيون متواضع الحال .
ومع وجود الحوارات الساذجة والألفاظ غير اللائقة ضعف السيناريو والحوار ، لكن على الرغم من ذلك أراد المؤلف تسليط الضوء على عدة قضايا ومناقشتها في إطار كوميدي ساخر ، يفتقر للحبكة المحكمة  أو القصة التي تجذب  المشاهدين ، إلا أن لا أحد يتوقع من تلك الأفلام النجاح الباهر أو حتى التأثير بحكمة أو موعظة على المشاهد ففي النهاية هى مجرد أفلام للتسلية .


★ طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى