رأي

شيماء مصطفى:يتملكني فضول لأعرف أين ذهب أهل تلك البيوت المهجورة ؟!

شيماء مصطفى

الحُلم المتكرر رسالة لم تُفسر ، والبيت المهجور طلل مدثر هجره صاحبه لسبب غامض تاركًا خلفه تأويلات لأناس مولعين بالأساطير، لكنه في الوقت نفسه حُلم لامرأة ضاقت بها جدران أبيها، ومأوى لشبح يخشاه التائه والمتشرد حتى وإن تيقن من مقولة علاء الجابر في روايته هولندا لا تمطر رطبًا :” الشوارع ليست للإقامة للعبور فقط والتسكع أحيانًا” يفضل التسكع في الشوارع متوسدًا الأرض عن المبيت فيه ولو لليلة في طقس شتوي قارس ، يمكن لرئتيه أن تستقبل المطر الغزير بصدر رحب رغم احتمالية الإصابة بسعال مزعج يستمر معه لأيام وربما لأسابيع ، لكن قلبه يعجز عن استقبال نوبة فزع واحدة إن تجرأ ووطئت أقدامه مملكة محظورة.

وهو ذاته مصدر إلهام لكي چي رولينج مؤلفة سلسلة هاري بوتر ، وحده هاري بوتر من اعتبره الملاذ الآمن حتى وإن التقى داخل قلعته في حجرة أسرار سليذرين بثعبان الباسيليق الأسطوري في Harry Potter and the Chamber of Secrets)‏ ، لم يكترث بوتر بتحذيرات دوبي المتكررة حين حاول منعه من العودة لـ “هورغوتس” مفضلًا إياها عن بيت خالته فقال:

“Hogwarts is my home “


لا أحد يدرك قيمة البيت سوى من فقد دفء أركانه الأسري، أو من نعم بذكريات عاشها فيه ليتخذها كعربي مقدمة طللية حين يعاوده الشعر ذات ليلة، فهو في العربية الغرفة المسقفة المكونة من أربعة جدران يعلوها سقف، وفي مسرحية لا شيء أبدًا كزين عرفته حلا الترك بأنه
” البيت أمومة جدران .. أبوة سقف باب أمان، شباك يفتح أحضان” .

وقد اختلف نظم الشاعر نزار فرنسيس كون البيت الذي غنى له عاصي الحلاني بألحان سمير صفير معلوم ومعروف قاطنيه :
وأني مارق مريت .. جنب أبواب البيت..
بيت اللي كانو سكانه ..
عأبوابه دقيت .. ما في حد لقيت.
ردوا عليا حيطانه ..
فكان بيت محبوبته  أقل قسوة من بيت بثينة العيسى في دار خولة الصادرة عن منشورات تكوين رغم الملاحظات فقد صدق تعبيرها “
“أسوأ ما يمكن أن يحدث للإطلال ألا يبكي عليها أحد”.

وفي الإنجليزية تختلف home في دلالتها عن house فإن home أقرب في ترجمتها إلى معنى الوطن بما يتضمنه من انتماء واحتواء لهذا قالها بوتر بثقة “Hogwarts is my home “
وبعيدًا عن أدب الرعب وبمنأى عن المثيولوچي وتصورات صناع هوليود، تمنيت لو أن للجدران آذان لتقص علينا قصص السكان الأصليين لهذه البيوت، كأن تقول لي حين جلسوا هنا على هذه المائدة كانوا يتحدثون عن…..، أو حين تواجدوا بهذه الحجرة وبالتحديد على هذه الأريكة باتوا يتسامرون في….، حين بكوا كان السبب…وحين ضحوا…، يتملكني الفضول من يعرفني حق المعرفة يدرك هذا جيدًا، ولكن ما يجعلني ما هذه البيوت أكثر فضولًا لماذا تركوها بكامل مقتنياتها التي لا تقدر بثمن،هل ماتوا ولم يكن لهم وريث؟! هل كانت ملك لعجوز وحيد هاجر أبناؤه ومات دون أن يعرفوا؟! هل خرجوا جميعًا في يوم ما للتنزه أو للتسوق وراحوا ضحية حادث لعين أبعدهم عن بيوتهم؟!


ربما أُجبروا على الرحيل لبعده الجغرافي عن المناطق المأهولة بالسكان والتي تعج بالخدمات، وإن كان هذا السبب لماذا أقاموه بعيدًا عن أنظار السكان، كل البيوت المهجورة قبل هجرها ما هي إلا قبلة الخائفين الذين شيدوها ليكونوا بمعزل عن ضجيج البشر وخذلانهم، أو رغبة بأن يحظوا بحياة هادئة تليق بشاعر أو فنان رحل ولم يرثيه أحد، فكان لهم ما أرادوا بعد رحيلهم، عاشوا وماتوا غرباء، لا يعرف بقصتهم أحدهم سوى أثاث تناثر في أرجاء بيت أقاموه، وملابسهم التي ابتلت بعرق أجسادهم وتشبعت بدخان سجائرهم.


محظوظة محبوبة امرىء القيس حين استهل معلقته بذكر أثر بيتها
قفا نبك بذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل.

ومحظوظ باحث ومصور ورحالة حين قطعوا مئات الأميال ليقتفوا أثر بيت مدثر بالذكريات، ولكني ما زالت أنبش وأردد قول وديع الصافي:
راحوا فين حبايب الدار؟!


★سكرتيرة التحرير.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى