روان محمد: “حيث لا يراني أحد “.. مأساة عقرب الثواني.
روان محمد★
قُدم عرض “حيث لا يراني أحد”، ضمن فعاليات مهرجان مهرجان الحرية المسرحي مؤخراً، وقد حصد العديد من الجوائز ، ولم تكن المرة الأولى التي يحصد فيها الجوائز، فقد تم عرضه من قبل في العديد من المهرجانات، منها مهرجان الإسكندرية الدولي (مسرح بلا إنتاج)، وحصل على العديد من الجوائز أيضاً، كما تم عرضه في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، في دورته الحادية والثلاثين، وحصل محمود بكر، أحد أبطال العرض على جائزة أفضل ممثل، في مهرجان ظفار الدولي للمسرح، ضمن مسابقه الفضاءات غير التقليدية، بدروته الأولى.
تدور أحداث العرض حول مأساة لعقرب ثوانٍ، قد توقف عن العمل بعد عشرين عاماً، وتم استبداله بآخر، وهنا يحدث تلاقٍ بين الماضي والحاضر، فيحاول عقرب الثواني، كبير السن والزمن، أن يبعد ذلك الشاب، عقرب الثواني الجديد طالباً منه أن يرحل من هنا، ويرى مستقبله مع محبوبته، ولكن عقرب الثواني الشاب، يتمسك بذلك العمل، وتظهر محبوبته، فنجد أنها المحبوبة الأولى للعقرب المسن، وتتداخل الأمور، فنرى أنها تمثل الماضي والحاضر معاً، وتبدأ مواجهة بين الماضي والحاضر؛ حتى ينتهي الأمر بترك عقرب الثواني المسن، الوظيفة لذلك الشاب .
كيف لحياة عقرب ثوانٍ مهمش أن تصبح واقعاً مريراً؟
“حيث لا يراني أحد” هذا ليس عنواناً للعرض فحسب، ولكن حقيقه ما بداخله بالفعل، من يهتم للثواني في حياته، فالكل يهتم بالزمن المحدد، وليس الثواني السريعة، ثم يجعلنا هذا العرض ننظر لجهة مختلفة من الواقع المرير، عن طريق عالم زمني من وحي الخيال، يسرد حياه عقرب ثوانٍ أهلكته طبيعته، فهولا يستريح مطلقاً؛ حيث يستمر في الدوران دون توقف، فكيف له أن يحيا بحياته في ظل هذا الترس الدوار، وإن حاول التوقف، يصبح ميتاً، ويرتبط هذا العرض بإسقاط علي واقعنا الحالي، فعند توقف الشباب عن السعي والعمل، يصبح هذا التوقف موتاً رمزياً لهم، فهم بذلك يتجردون من مسؤوليتهم، لا توجد رفاهية في واقعنا .
ملامح متميزة لعرض مصري
يتسم هذا العرض بأنه مسرح الحلقة، الذي يكسر الجدار الرابع من بدايه دخول الجمهور، ويأخذنا ذلك العرض إلى عالم آخر، فمن الوهلة الأولى لبدء العرض المسرحي، نجد أن الجمهور قد ذهب إلى عالم آخر، وهو عالم الزمن تحديداً، ساعة كبرى، يسير الجمهور بخطوات سريعة، وهو ينظر إلى الممثلين، الذين يدورون حول ساعة؛ لكونهم عقارب لهذه الساعة، يُسمع صوت الساعة فحسب، وهي تحرِّك الثواني بلا توقف، جعلني هذا المشهد أشعر، وكأن هذا الضجيج التابع للجمهور، هو العالم الخارجي، ودخولهم وهم ينظرون، وكأن هذا عالم آخر يرونه لأول مرة، يريدون استكشافه، ونجد أن تأثير الماضي على عقرب الثواني المسن، هو الذي يسيطر على العرض، فيبدأ من الماضي؛ ليصل إلى الحاضر، ونتوقع المستقبل .
الأزياء كانت من تصميم هناء النجدي، من المميز في هذا العرض أن الأزياء تتحدث عن الشخصيات، فنجد أن العقرب المسن، يرتدي بدلة رمادية متهالكة مليئة بالجروح الغائرة، مثل روحه المجروحة، والتروس المتداخلة يدل ذلك على أنه مر عليه الكثير من الزمن، وذلك عكس العقرب الجديد، ذي البدلة البيضاء، وبها تروس جديدة متناسقة للغاية، ومحبوبته التي ترتدي فستاناً أسودَ مرسومٌ عليه التروس الزمنية المتناثرة، والمكياج من تنفيذ مارينا برزي ، التي أتقنت رسم التروس على وجوه الممثلين، دون التأثيرعلى ملامحهم، وأضفت الألوان بين الأبيض والأسود بعداً جديداً، فنتج عنه مزيجٌ منسجم، وكأن وجوههم أصبحت لوحه فنية من الزمن.
الأداء التمثيلي، يتميز بالسلاسة والخفة، مما يجعل المتلقي يشعر، وكأن ذلك يُحدث في الواقع نقطة تواصل بين جميع الممثلين في صدق مشاعرهم، بالأحداث، فتضحك وتتعاطف معهم.
عقرب الثواني الجديد(محمود بكر) تميز الأداء بروح الفكاهة، وعقرب الثواني القديم (بولا ماهر) تميز بأداء مختلف، فعند صمته تتحدث أعينه عما بداخله، يستطيع أن يجعل المتلقي يبقى دون أن ينطق، والحبيبة (ميرنا نديم) أضافت حالة من الألم، فبمجرد دخولها إلى ساحة العرض، تُشعر المتلقين بمدى معاناتها من قبل الفراق والانتظار، في ميتة رمزية؛ لكثرة الانتظار، الذي لا يتوقف، ونرى أن كلاً منهم له جاذبية خاصة، فتنوع الأداء يصنع طاقة مميزة، وبالنسبة إلى الديكور، فقد كان بسيطاً للغاية، لوحة مكتوب عليها جملة ( دع كل شيء يحدث لك، جميلاً كان، أو مريعاً، فقط اِستمر بالحركة) ووجود لوحة مطبوعة؛ لساعة على خشبة المسرح، وكَرَاسٍ بجانب الجمهور؛ لتكون منطقة التمثيل في الوسط، فهو مسرح الحلقة، ساعد ذلك الجمهور على التفاعل مع العرض بشكل أفضل، كأنهم في حلقة استماع داخل الحكايه، يشاركون بالرقص، ويستطيعون لمس الممثلين دون وجود حاجز .
تميزت الإضاءه بتغير الأجواء من السطوع، الذي كان باللون الأصفر إلى الليل، ولونه الأزرق المعتم، وحتى أنها ساعدت على الإيحاء للجمهور بوجود مطر حقيقي عند فتح اللون الأزرق، فأدت دورها بنجاح، ومن ثَمَّ؛ الموسيقى صوت عقارب الساعة، الذي يجعل المتلقي من اللحظة الأولى، داخل ساعة حقيقية، وصوت الأمطار، الذي جعل الجمهور يشعر بالبردوة، فامتزجت الموسيقى مع الإضاءة باحترافية شديدة.
وأخيراً، نعود من الخيال إلى الواقع، لنجد أن كل عالم فني من وحي الخيال، له مرآة تعكس عالماً واقعياً يوازيه، وبالرغم من وجود ذلك، لا توجد إجابة إلى أين سينتهي بنا الحال، هل سنجد الحياة لأنفسنا في نهايه المطاف، أم أننا سنظل ندور مثل عقارب الساعة ؟ ليس هناك شيء مؤكد في عالمنا الواقعي، سنظل جميعاً، نبحث عن أنفسنا، وسعادتها، متأملين الوصول إليها في يوم من الأيام.
★خريجة قسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.