حنين سالمة:مهرجان الكويت للمسرح الثنائي يختتم أعماله ..و”لتحضير بيضة مسلوقة” يتوج بجائزة أحسن عرض.
حنين ناصر سالمة ★
كشخص متيم بالمسرح، ومتعطش لرؤية العروض المسرحية، كنت أفكر دائماً في المسرحيات؛ التي تعرض خارج دولة الكويت، وفي إمكانية إتاحة الفرصة لي لمشاهدتها، حباً وشغفاً في كسب خبرات الآخر، ومعرفة كل ما هو جديد؛ حتى سنحت لي الفرصة حينما تبنت أكاديمية لوياك للفنون الأدائية (لابا) مهرجان الكويت للمسرح الثنائي في دورته الأولى، الذي بدأ في العاشر من نوفمبر الجاري، واستمر لخمسة أيام متتالية، اِستضاف فيه 4 مسرحيات عربية، تجمع بين عبق التراث والحداثة في وقت واحد، حيث لمست في المهرجان تنوع الثقافات والأفكار، وتعرَّفت فيه على شخصيات جديدة ومبدعة.
اِحتفاءً بالفن، والثقافة
في أجواء تغمرها العواطف، بدأ المهرجان بدقيقة صمت لقضيتنا الأصيلة، حزناً على أرواح شهدائنا في فلسطين ولبنان، في أحداث دامية تتوالى يومياً، وتملأ قلوبنا بألم وأمل لا ينقطع، ثم ألقت رئيس مجلس إدارة مؤسسة لوياك للفنون الأدائية (لابا) الأستاذة فارعة السقاف، كلمتها التي غمرتنا حباً وشوقاً، وأثارت في داخلنا العديد من المشاعر الممزوجة حزناً على القضية الفلسطينية، وأملاً بمستقبل مشرق، وحباً في التعرُّف على إبداعات مسرحية جديدة.
ومِنْ ثَمَّ تم الإعلان عن لجنة تحكيم المهرجان، والتي تشكلت من: الدكتورة (سعداء الدعاس) والدكتورة (إبتسام الحمادي) والأستاذ (أمين ناسور).
وضمن افتتاح المهرجان، أقيم عرض مسرحي بعنوان (أصل وصورة)، من تأليف فارعة السقاف، وإخراج خالد أمين، وتمثيل كل من مصعب السالم، ومحمد الرقادي.
أصل وصورة
في صراع نفسي قائم يجمع بين مشاعر الغضب والغيرة المدفونَيْن داخل الابن تجاه أبيه، عُرضت مسرحية (أصل وصورة)، والتي تحاكي علاقة الابن بالأب، ذلك الأب الذي كان وجوده مهمشاً في ذاكرة الابن؛ فأصبح الابن غير واضحٍ لما يُكِنُّه تجاه أبيه، هل هو يحبه أم يكرهه، أم يغار منه؟ فبدأت المسرحية بصور متقطعة، جَسَّدها كل من مصعب السالم، ومحمد الرقادي، كبرواز يجمع المراحل العمرية؛ التي مرَّت بها الشخصيتان، وصولاً لصورة الكرسي المتحرك الفارغ؛ والذي يدل على فقدان الأب، ومع تكرار تلك الصور؛ التي كانت تعاد مراراً وتَكراراً؛ حتى بدأت المسرحية؛ والتي أكدَّت أن الأصل يختلف عن الصورة، وأن الحقيقة دائماً متخفية خلف برواز نعلقه؛ ليراه غيرنا بأجمل صورة، وقد أدَّى كل من الممثلَيْن دوريهما بإتقان؛ حيث وجدنا سلاسة تعامل الممثل (محمد الرقادي) مع الكرسي المتحرك طوال العرض المسرحي، وتعابير وجهه؛ التي كانت تُجَسِّد عجز الأب بعد ما كبِر به العمر أما (مصعب السالم) فقد جَسَّد لنا الصراع النفسي بصورة متقنة؛ حيث عشنا معه رحلة بحثه عن ذاته، وعن حقيقة مشاعره تجاه والده.
أعراس آمنة
المسرح وليد الواقع، ولأن المسرح مرآة تعكس آلام الشعوب، فقد بدأت أولى مسرحيات المهرجان بمسرحية (أعراس آمنة) من المملكة الأردنية الهاشمية، من تأليف وإخراج د. يحيى البشتاوي، ومن تمثيل (زيد خليل مصطفى)، و(نهى سمارة) والتي تناولت حياة الأسرة الفلسطينية، تحديداً معاناة المرأة الفلسطينية، منذ الانتفاضة الأولى، وحتى الحرب القائمة على غزة من الاحتلال الصهيوني؛ حيث ظل الصمود يثبت نفسه رغم تصاعد عدد الضحايا والشهداء والقتلى، وأن المقاومة مستمرة مع استمرارية معاناة هذه الأسرة الفلسطينية، وقد حمل العرض، العديد من الأشعار والأغاني؛ التي أعطت طابعاً تراثياً وجمالياً للعرض المسرحي؛ الذي بذل فيه الممثلان، الكثير من الجهد، وهما يتنقلان بالشخصيات من حالة لأخرى.
لتحضير بيضة مسلوقة
في اليوم الذي يليه، شاهدنا العرض الكويتي (لتحضير بيضة مسلوقة) تأليف يوجين يونسكو، وإخراج مصعب السالم، وتمثيل كل من (فاطمة أسد) ، و(مصطفى محمود) والذي نقلنا نقلة نوعية؛ حيث إنه مزج ما بين العبث والملحمية، وما بين الضحك والأسى، أما عن مكنون المسرحية، فقد حاكت مراحل تهشيم الإنسان، وتجريده من شخصيته، حينما فرض الممثل (مصطفى محمود) سيطرته على (فاطمة أسد) في العرض عبر إعطائها بيضة؛ لتقوم بسلقها، وأخذ يتحَكَّم بها طوال المسرحية شيئاً فشيئاً؛ حتى أضحت لعبة بين يديه، ولكن الأمر لم يقف عند الممثلة فقط، بل وظَّف المخرج (مصعب السالم) كَسْرَ الحاجز الرابع؛ حتى يتيح لطغيان الممثل أن يمتد، فيمارس سلطته ليس على الممثلة فحسب، بل حتى على الجمهور بأكمله.
العاصفة
أما اليوم الرابع، فقد عشنا عاصفة مليئة بالإبداع الفني في العرض العُمَاني (العاصفة) من تأليف (د.عماد الشنفري) وإخراج (عدي الشنفري) وتمثيل كل من (عبدالله مرعي) و(هشام صالح)؛ والتي تناولت قصة رجلين يعملان في الخياطة، وقد تكاثرت عليهما الفواتير، فيمسك أحدهما قميصاً أبيضَ كَزِيِّ قبطان بحر يعود لأحد الزبائن، ويقرر الآخر ارتداءه؛ ليلعبا معاً لعبة القبطان والمساعد، هاربَان من واقع أليم، مسافران نحو وهمٍ يُوفِّر لهما طبقة اجتماعية مختلفة عن طبقتهما البسيطة، ولكن لعبة الوهم تلك، لم تكن كافية لخلق الراحة، فقد واجهت سفينتهما عاصفة قوية تلاحقها، فتحةٌ تسرَّبَ الماء داخل السفينة من خلالها، فيقعا في مأزق محاولَيْن إنقاذ الركاب الوهميين من على متن سفينتهما، وتنتهي المسرحية بعودتهما لواقعهما الأليم.
الغريب والنقيب
هل أكلتَ قطاً من قبل؟ هل خُضتَ حرباً من قبل؟ سؤالان يحملان عمقاً فلسفياً، طرحته مسرحية (الغريب والنقيب) من المملكة العربية السعودية، من تأليف (أسامة زايد) وإخراج (فهد الدوسري)، وتمثيل كل من (كميل علي) و(محمد آل محسن)؛ فقد جَسَّدت المسرحية، العلاقة بين شخصية النقيب، والغريب الذي كان يحاول النقيب إلزامه دخول السلك العسكري، فيسأل الغريبُ النقيبَ “هل أكلت قطاً من قبل”، فيردُّ عليه النقيب بسؤال “هل خُضتَ حرباً من قبل” وخلال هذين السؤالين يعتقد الجمهور أن الغريب يعاني من جوع وفقر حَوَّلَاه لوحش جشع، يلتهم أي كائن أمامه، وإن كان قطاً، فيحكي الغريب للنقيب قصة قتل هذا القط، وطهيه، أما في سؤال النقيب عن الحرب، فيجعل الجمهور يعتقد بأن النقيب قد عانى خلال الحرب ،وأنه كان يحمل الشجاعة الكافية لحمل بندقيته، ومواجهته للعدو، بل وقتله لجنود الأعداء، ولكن في نهاية المسرحية، يتضح أن الغريب لم يأكل القطة مع أسرته، بل اكتفى بتحمل الجوع، وأن النقيب لم يخض أي معركة من قبل، ولم يحمل سلاحه في وجه أحد قط، فاختلفا بالشكل، أما المضمون الإنساني فقد جمعهما معاً.
ختام رحلة فنية يملؤها الإبداع المسرحي
في يومنا الخامس، ودَّعنا تلك الرحلة الجميلة المليئة بنقاشات أثارت قلوبنا وعقولنا، وقد تم تكريم جميع الفرق المسرحية المشاركة؛ التي أنارتنا بإبداعات لامست مشاعرنا، وهواجسنا.
الدعاس تلقي بيان لجنة التحكيم
لا يوجد ختامُ وداع لهذا المهرجان، أفضل من بيان لجنة التحكيم؛ الذي ألقته الدكتورة سعداء الدعاس، والذي قالت فيه :
أتشرَّفُ اليوم بقراءة بيانِ لجنةِ التحكيمِ المكوّنةِ من الزملاءِ الأفاضلِ، الأستاذ أمين ناسور، والدكتورة إبتسام الحمادي، ومحُدثتِكم سعداء الدعاس، وذلك بعد أنْ قضينا اللياليَ الماضيةَ، نحلِّقُ في فضاءِ عروضٍ ثنائيةٍ يحفُّها الألَقُ، بجهودٍ كبيرةٍ من مؤسسةِ لوياك؛ التي قرّرتْ أن تحتضنَ هذه العروضَ عبرَ مهرجانٍ مسرحيٍّ سنويٍّ، شَرُفنا كلجنةِ تحكيمٍ أنْ نكونَ جُزءاً من كينونتِه في دورتِه الأولى.
وأكملت الدعاس “فكلُّ الشكرِ لإدارة المهرجان على اختيارِنا لهذه المَهمّة، وعلى الاحتفاءِ بهذا النوع من العروضِ، ضمنَ فضاءٍ دوليٍّ، يَستقطبُ الآخرَ، وينفتحُ على تجاربِه المغايرة؛ حيث تقدّمَ للمشاركةِ في المهرجانِ ما يزيدُ على خمسين عرضاً؛ ليتمَّ انتقاءُ عددٍ محدودٍ منها للمشاركةِ في الدورة الأولى، والتي جاءت على النحوِ التالي:
عرضُ (أعراس آمنة) من المملكة الأردنية الهاشمية، تأليف وإخراج يحيى البشتاوي.
عرضُ (لتحضير بيضة مسلوقة)، من الكويت، تأليف يونسكو، وإخراج مصعب السالم.
عرضُ (العاصفة) من عُمان، تأليف عماد الشنفري، وإخراج عدي الشنفري.
عرضُ (الغريب والنقيب) من المملكة العربية السعودية، تأليف أسامة زايد، وإخراج فهد الدوسري.
فبعدَ دقيقةِ صمتٍ مُعبِّرةٍ، توشّحَ بها المهرجانُ في ليلتِه الأولى، حُزناً على شهداءِ غزةَ ولبنان، للتذكير بقضايانا الكبرى التي لا تموت، اصطحبتْنا العروضُ في رحلةٍ مُغايرةٍ، فدثَّرتْنا بزغاريدِ “أعراس آمنة” التي تظلُّ صامدةً تحتَ رُكامِ الحروبِ، ثم قذفَتْ بنا في مواجهةِ “عاصفة” هائجةٍ، تسكنُ الأرواحَ قبل البِحار؛ لتتنقلَ بنا بسخريةٍ في دهاليز العقلِ البشري بحثاً عن “بيضة مسلوقة”، علّها تسدُّ جوعَ الغريب، وتداعبُ أَرَقَ النقيبِ، بعيداً عن هاجسِ التهامِ قطة!
فشكراً لجميعِ العروضِ المشاركة، على منحِ جمهورِنا النوعيِّ، تجربتَه الفرجويةَ الأولى مع المسرحِ الثنائي على أرضِ الكويتِ المغزولةِ بعِشقِ المسرح.
واسمحُوا لي حضورَنا الكريمَ، أنْ أقرأَ عليكم توصياتِ لجنةِ التحكيم، والتي جاءتْ على النحو التالي:
تُوصي اللجنةُ بضرورة الالتزامِ بالوقتِ المحدَّدِ للعروضِ المتنافِسة.
كما تُوصي اللجنةُ بالاهتمامِ بالتوظيفِ الدراميِّ والدلاليِّ للسينوغرافيا بجميعِ مُعطياتِها، لبثِّ الروحِ في الفضاءِ المسرحيِّ، وانتشالِه من الزِّحام.
وتُوصي اللجنةُ أيضاً بالاشتغال على نصوص تنتمي في جوهرها للمسرح الثنائي، بما يحمل من دلالات وأبعاد.
وتأملُ اللجنةُ من إدارةِ المهرجانِ، أنْ تستمرَّ بتعزيزِ دوراتِها القادمةِ بأكبرِ عددٍ مُمكنٍ من العروضِ المحلّيةِ والدولية.
وبما أنَّ جوائزَ المهرجانِ مُخصَّصةٌ للعرضِ المتكاملِ فقط، اِرتأتْ لجنةُ التحكيمِ تقديمَ تنويهٍ بشأنِ عناصرَ متميزةٍ، تستحِقُّ الإشادةَ والثناء.
وعليه، تنوِّهُ اللجنةُ بالأداءِ الاستثنائيِّ للممثلِ زيد خليل، من العرضِ الأردني (أعراس آمنة) الذي شغلَ فضاءَ العرضِ المسرحيِّ صخباً وحيوية، بلياقةٍ عاليةٍ، ومهاراتٍ احترافيّة.
وأضافت الدعاس :”كما تنوِّهُ اللجنةُ بنصِّ المؤلفِ أسامة زايد، من العرضِ السعوديّ (الغريب والنقيب)، حيث تميّزَ نصُّه بعمقِ المضمونِ، وانسيابيةِ الحدثِ، وجرأةِ الطّرح، تلك الجرأةُ التي لا تليقُ إلا بأوطانِنا”.
وختمت الدعاس كلمتها “أما جوائزُ المهرجانِ، فأتركُها لزميليّ العزيزَيْن، ليُعْلِنا عنها في نهايةِ هذا الحفلِ الكريم”.
نتائج المهرجان
أما عن الجوائز فقد جاءت كالتالي :
-جائزة أفضل عرض متكامل ، لعرض (لتحضير بيضة مسلوقة) لفرقة المسرح الكويتي، من دولة الكويت .
-جائزة أفضل عرض متكامل ثانٍ لعرض (العاصفة) لفرقة الرؤية المسرحية ، من سلطنة عُمَان .
واحتفالاً بالختام، دعت إدارة المهرجان الحضور لحفل عشاء مليء بالألفة والمودة؛ حيث تبادل الحضور الصور التذكارية، والحوارات المميزة، التي حملت الكثير من الآراء الفنية القيمة.
ناقدة ـ الكويت.