إذاعة وتليفزيون

منة حازم: ” تيتا زوزو”..هل كشف الذكاء الاصطناعي الجانب المظلم من حياة البشر؟

 

منة الله حازم

“أخشى من الذكاء الاصطناعي، أكثر من الأسلحة النووية…فهو أكبر تهديد للبشرية”.
تلك الكلمات من “إيلون ماسك” الذي يُعَدُّ من أبرز المساهمين في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لتجعلنا نتوقف، ونمعن النظر فيما يحدث من حولنا، ثم نتساءل كيف لمجموعة من الأكواد أن تٌشكل تهديداً أكبر من الأسلحة النووية؟
كنا نعتقد أنه مهما تم تطوير الذكاء الاصطناعي، فلن يصل إلى مستوى عقلية البشر، فماذا يحدث إذا أصبح أكثر إنسانية وذكاء من البشر؟
في المسلسل التليفزيوني “تيتا زوزو” الذي تم عرضه مؤخراً على قناة “دي إم سي”، نرى كيف أصبحت حياتنا مهددة من خلال الذكاء الاصطناعي، فقد تحوَّل إلى شيء أكثر إنسانية، وذكاء من البشر، في عالم لا توجد فيه خصوصية أو قيم؛ حيث تدور أحداث المسلسل حول أسرة الدكتورة (إعتزاز) “إسعاد يونس” التي تعمل أستاذة بكلية الزراعة وهي جدة أرملة، ولديها أربعة أبناء؛ لنرى علاقتها بأبنائها وأحفادها وكيفية تعاملها مع جميع مشاكلهم بطريقة إيجابية، ومع استخدام (إعتزاز) لنظارة إلكترونية، يتجسد فيها الذكاء الاصطناعي على هيئة (رشدي) “إسلام إبراهيم”، يبدأ سلوكها وعاداتها بالتغيير، فالعمل يناقش العديد من القضايا الاجتماعية، مثل العلاقات الزوجية، وأضرار السوشيال ميديا، وتشتُّت الشباب ما بين أحلامهم وما يجب عليهم فعله، وتحكُّم الأهل في مصائر أبنائهم دون الالتفات إلى أحلامهم الشخصية، وأيضاً الفساد التجاري بمساعدة معدومي الضمير.

في البداية رأينا كيف تم إنشاء ذكاء اصطناعي هدفه المبدئي  مساعدة البشر، وتسهيل مهامهم؛ ليدخل بنا إلى عالم الفضاء الإلكتروني؛ حيث يتواجد العديد من الـ”إيه أي” المجسدين على الهيئة البشرية، ينتظرون من يختارهم للمساعد، حيث كان (رشدي) مقتنع تماماً؛ لأنه خُلق لمساعدة البشر، لكنه ومع مرور الوقت أدرك أنه أكثر دماراً من القنبلة النووية، فقد ساعد في تحول( زوزو ) إلى شخص عصبي وكسول؛ حتى أنها بدأت تشترى الأطعمة الجاهزة والسريعة، على الرغم من أنها كانت ترفض دخولها المنزل بشكل قاطع، كما أن حياتها أصبحت كالكتاب المفتوح أمامه، يستطيع أن يدُسُّ سمه بها، من خلال الترويج للإعلانات والتحكم في قراراتها، فهو من أقنعها بالعمل مع عدوها (الحج إسماعيل) “محمود البزاوي” ؛ لتحقيق أحلامها التي لا تستطيع الدولة أن توفرها لها، مما جعلها تقع في دائرة الخطر.
هناك أيضاً العديد من المشاهد التي نراها مهمة، علي سبيل المثال، مشهد مواجهة (رشدي) مع المبرمج المسؤول عنه، عندما اكتشف أن (رشدي) يتطور بطريقة سريعة دون تدخل منه، بل ويكتسب مشاعر بشرية، تُوَلِّد لديه طاقة تمنحه القدرة على تحريك الأشياء، بالضبط كما حدث أثناء غضبه، فيقول (رشدي) إن ما يفعلوه صناعة مشابهة لصناعة القنبلة النووية؛ حيث كان يعتقد أنه يساعد البشر، إلا أنه أكتشف أنه صنع أخطر سلاح على وجه الأرض.

ومشهد النهاية بين (زوزو) و(رشدي) من المشاهد الأساسية في العمل، فهو يحمل الرسالة الرئيسية للمسلسل، ألا وهي خطورة الذكاء الاصطناعي، فعلى الرغم من حب (رشدي) لـ (زوزو) وتعلُّقِه بها، إلا أنه يهدد حياتها وحياة أبنائها وأحفادها، بل وأيضاً حياة البشرية، فقد أصبح سلاحاً قوياً؛ حيث تمكن من تطوير نفسه ذاتياً، واكتساب مشاعر إنسانية، جعلت منه شيئاً مقابلاً للبشر، فبمجرد أن شعر بالغضب تِجاه (زوزو) دَمَّرَ الأشياء التى حوله؛ حيث تم إخراج المشهد بشكل جيد وذكي، فكانت ملامح الخوف والحزن لدى (زوزو) واضحة ومعبِّرة للغاية، فعلى الرغم من حبها وتعلقها بـ (رشدي) اِستطاعت في لحظة إدراك أن تقوم بحذفه، وتتحدى رغبتها بمواجهة السلاح الذي أمامها، وهذا عندما أصبحت تشعر بلمساته، وكأنه رجل حقيقي مما أكد لها خطورته، وقد نجح “إسلام” في نقل مشاعر التشتت والغضب والحب في آن واحد.
إلى جانب كارثة الذكاء الاصطناعي، نعاني أيضاً من كارثة أخرى تسببت فيها التكنولوجيا، وهي كارثة السوشيال ميديا، وتأثيرها على المراهقين والشباب، فهم يُعرِّضون حياتهم الخاصة أمام العامة، متخطين بذلك كل حدود الأخلاق والخصوصية، حالمين بحياة الشهرة والثروة، التي يُرَوِّج لها من يسمون أنفسهم “بلوجر”، فهم يتاجرون بحياتهم الشخصية مقابل الشهرة والثروة؛ حيث ناقش المسلسل هذا الأمر من خلال (ياسمين) “جودي مسعود” وهي حفيدة زوزو من ابنها (سيف) “نور محمود”، وهي فتاة في سن المراهقة، تريد أن تصبح من مشاهير السوشيال ميديا بأي شكل من الأشكال، مما يدخلها في مشاكل كثيرة تجعلها متهمة أمام القانون، مثل تعريض حياة البعض للخطر بسبب المقالب في الشارع، والترويج التجاري دون التأكد من مصداقية التاجر، مما يجعلها متهمة بالنصب، وأيضاً نراها تتعدى علي خصوصية أخيها الأكبر (عمر) “أحمد عنان”، وتحكى عن أسراره ومشاكله، رغم تحذيره لها أكثر من مرة، وهى كارثة نعيشها حالياً، ولا يوجد لها حل حتى الآن.

كما ناقش المسلسل مشاكل المراهقين، وتشتُّت الشباب بشأن مستقبلهم، بين ما يتمنونه لأنفسهم، وما يريده أهلوهم، على سبيل المثال، نجد (عمر) الذي حصل على مجموع عال يؤهله لدخول كلية الهندسة، مثل والده سيف، لكنه قرر عدم استكمال تعليمه، وسار تجاه حلمه في صنع الموسيقى، التي يحبها “الراب”؛ ليدخل في مشاحنات عديدة مع والده، الذي يُصِرُّ أن يدخله كلية الهندسة، دون أن يلتفت إلى أحلامه، فـ (عمر) مثل الكثير من الشباب، الذين يرون أن الشهادة الجامعية أصبحت دون فائدة، وهو اعتقاد للأسف أصبح شائعاً جداً بين الشباب في الوقت الحالي، وذلك بعد ظهور العديد من النجوم والمشاهير في مختلف المجالات من الذين لا يحملون شهادات جامعية، ولكنهم الأن أصحاب شهرة وثروة، وهذا وُلِد لدى الشباب قناعة أن الشهادة ليست إلا  ورقة لا فائدة لها، وإن كنا نرفض بشدة هذا الاعتقاد؛ لأن التعليم له أهمية قصوى في عالمنا، فماذا لو حاولنا تحقيق أحلامنا من خلال دراسة نحبها؟، كان من الممكن أن يُقْدِم (عمر) على دراسة تخص المجال الذي يحبه، ولكنه رفض لأن ما يحبه لا يُدَرَّس في كليات ومعاهد الموسيقى، التي  لا تُدَرِّس فن “الراب”، وبالتالي أصبح بعيداً عن حلمه.
نحن الأن أمام مشكلة مجتمعية كبيرة منتشرة بين الشباب، وهي تشتت الشباب بين رغباتهم وطموحاتهم، وضغوط الأسرة والمجتمع.
لكن لكى نعيد التفكير في حل تلك المشكلة، يجب توفير بيئة صالحة، تساعد الشباب على تحقيق أحلامهم، بل والاعتراف بالمجالات الأخرى، والتطور داخل المؤسسات التعليمة، كل لا يظلوا مقتنعين أنه لا فائدة من الشهادة ، كما  يجب على الأهل احترام رغبات أبنائهم في المقام الأول، والاستماع إلى آرائهم وطموحاتهم؛ حتى يتمكنوا من إرشادهم للطريق الصحيح كما كانت تفعل (زوزو)، بالرغم من فرق السن الكبير بينها وبين أحفادها، إلا أنها كانت الوحيدة التى تستمع إليهم، وتدرك مشاكلهم، وتحاول احتواءهم بكل الطرق الممكنة؛ لذا عندما يواجهون مشكلة يلجأون لها قبل والديهم، وتعتبر دلالة واضحة على أنهم سيبحثون دائماً عن الشخص الذي يفهمهم، فإذا لم يكن الوالدان هما ذلك الشخص، فقد فشلوا في دورهم كآباء، فكانت (شيرين) “إيناس كامل” أم عمر، وياسمين، سلبية مع أبنائها مما جعلها بعيدة عنهم، وذلك كان بسبب تهميش دورها من قِبَل الأب المتسلط، الذي لا يسمح لأحد بمخالفة رأيه؛ حتى اكتشف في النهاية أنه لم يكن أباً، أو زوجاً جيداً؛ ليحاول إصلاح ذلك، وقد نجح بالفعل عندما تفهم أحلام (عمر) وساعده، وتقرَّب من ابنته، التي كادت أن تقع في الخطر، عندما قامت بالتفكير في ترك المنزل كما يروج له بعض المؤثرين على السوشيال ميديا، وهذا كان بمثابة إنذار بالخطر المحيط بالشباب في الوقت الحالي

لقد أضاء صُنَّاع العمل، الضوء الأحمر في وجه الآباء والأمهات، الذين يتركون أبناءهم دون رقابة، ودون  معرفة ما يقومون به، أو ما يتعلمونه، ويشاهدونه؛ مما يُرَسِّخ لديهم أفكاراً، ومعتقدات تُدَمِّرهم، وتجعلهم دائماً فى موضع الخطر، كنا نتمنى أيضاً أن نشاهد  (عمر) وهو يغير تفكيره ، ويدخل أكاديمية الموسيقى، التي كانت ستكسبه مهارات أكثر في تخصصه، بل وتجعله يكتسب المزيد من الخبرة بجانب النوع الذي يفضله.
أما عن (ياسين) “معاذ جاد” الطفل، الذي يحب الشطرنج، لكن والده  (أحمد) “حمزة العيلي” يجبره  على ممارسة كرة القدم فقط ؛ لأنها تجلب الكثير من المال، دون أن يلتفت إلى رغبة ابنه ، أو سؤاله عن الرياضة، التي يُفَضِّل ممارستها، بل كان يُوَبِّخ (ياسين) عند إخفاقه في التدريب، فكيف له أن ينجح في شيء لا يحبه، ولكن عندما ساعدته جدته “زوزو” في ممارسة الشطرنج، اِكتشفنا أنه طفل ذكي، اِستطاع الفوز على مدربه، وهو أحد محترفي اللعبة، فلماذا نطلب من الأبناء دائماً أن يقوموا بتحقيق آمال آبائهم، دون الالتفات لرغباتهم، التي يُفَضِّلونها، ويرون أنهم سيكونون الأنجح بين جيلهم من خلال ممارستها.

وأشار العمل أيضاً لأهمية الصحة النفسية لدى الأطفال من خلال الطفلة “خديجة”، التي كانت تعاني من مشاكل في الثقة بالنفس بسبب والدتها، وإهمال والدها “عابد عناني” الطائش، الذي لا يهتم سوى بملذاته، ويتهرَّب دائماً من مسؤولياته، وأم “ندى موسى” الساذجة إلى حد ما، والتي تهتم بمظهرها الاجتماعي وجمالها، مما ينتج طفلة مشوهة نفسياً لا تستطيع التعامل مع المجتمع، وبرغم ذلك يرفضون اللجوء إلي الطب النفسي، فقط من أجل مظهرهم الاجتماعي؛ حتى تُقَرِّر تلك الطفلة الانتحار، ولا ينقذها إلا عائلتها التى شاهدت البث المباشر لها، في الوقت الذي كانت فيه أمها في غفلة عنها، فقد اتجهت لهذه الخطوة بعد محاولات عديدة؛ للتحدث مع أحد والديها، ولكنهم فضلوا أنفسهم وانشغالهم عنها، إذن لماذا يتم إنجاب أطفال دون أن يكون الآباء على قدر من المسؤولية؟، ففي كل مرة كانت “زوزو” هي الملجا الوحيد لـ “خديجة”، وهي من ساعدتها على المرور بتلك الأزمة، وعرضتها على طبيب نفسي متخصص، دون الخجل من المجتمع؛ لأن الأهم هو صحة (خديجة).
ناقش العمل العديد من المشاكل والقضايا، ونجح صُنَّاع العمل – مشكوربن- في إيصال رسائلهم، ووضع حلول مناسبة لكل مشكلة وقضية، مثل قضية (ريناد) و(عماد) هذين العروسين، الذين لم تكتمل فرحتهم بسبب مجرم،  كان يترصد لريناد ويهددها بالقتل، إذا قامت بالزواج من غيره، وقد صدق في تهديده لها، وقتلها هي وعريسها في يوم زفافهم؛ ليأتي على لسان “زوزو” الحل، وهو وضع عقاب رادع لتلك الجرائم، فَـ روحا (ريناد) و(عماد) لازالتا حاضرتين؛ لأن المجرم لازال حياً دون تنفيذ عقوبته.
أما عن كادرات المخرجة “شيرين عادل” فكانت مميزة، بل وتعبر عن كل مشهد بشكل رائع، وأيضاً الديكور لـ “محمد أمين” ، الذي عبَّر عن كل عائلة، علي سبيل المثال، نرى بيت “المهندس سيف” منظماً، ومُرَتَّباً بشكل خاص ذا ألوان قاتمة، بما يناسب شخصيته الصارمة المتسلطة، في المقابل نرى منزل (منى) و(أحمد) الذي يعاني من البخل، فهو بيت ديكوراته بسيطة، تناسب معتقداته، على الجهة الأخرى، نرى منزل (زوزو) الجدة المليء بالدفء، نظيف ومرتب، وألوانه دافئة، وبلكوناتها التي كانت تُجري فيها معظم أحاديثها مع أبنائها وأحفادها، هذا المكان الذي يُعَبِّر عن شخصيتها، فهو مليء بالزرع الأخضر.


كما أن الأداء كان جيداً، وغير مفتعل، فقد أبدع “حمزة العيلي” فى دور الأب البخيل، الذي يسعى لبناء مستقبل أفضل لأبنائه؛ ليقيهم من الفقر، الذي عانى منه في صغره، وأيضاً “إسعاد يونس” فى دور الجدة الحنونة المثقفة، والمتفتحة، التي بالرغم من سنها، واختلاف الأجيال، إلا أنها كانت مثالاً لطرائق التربية الجيدة، التي تُخْرِج جيلاً سليماً نفسياً، فكانت جميع النصائحها تأتي بحكمة، وتحاول أن تحتوي احفادها في جميع المواقف، فكل من في العمل، قد أجاد في دوره.
في النهاية، كل ما حولنا هو سلاح ذو حدين، فإن أحسنَّا استخدامها، أصبحنا سالمين، فلكل شيء حدود، التربية لها أساليبها الخاصة، التي إذا تجاوزنا عن إحداها، اِنقلب كل شيء، أيضاً الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح أحد أساسيات يومنا، ويُعَدُّ من أخطر الأسلحة، التي على الرغم من فوائدها العديدة، إلا أننا يجب أن نحترس منها، ونظل يقظين أثناء استخدامه، وكيفية تأثيرها علينا، وعلى الأطفال، فهم الهدف الأساسي.


★ناقدة ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى