رواية

علاء الجابر: حتى لا يصبح عقلك ملكاً لذئاب الإنترنت!

نهى صبحي تحذرك من الستوكر

علاء الجابر★

تناقش المؤلفة الشابة نهى صبحي في روايتها القصيرة المصورة (ستوكر– هوس الملاحقة) أمراً في غاية الخطورة، بل لا نبالغ إن قلنا إنها قضية العصر اليوم، وسط تغول وتوحش وتسلط وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تدير أمور حياة الأغلبية، وتؤثر في قراراتهم واختياراتهم وتوجهاتهم، بل أصبحت تلك الأجهزة الإلكترونية، الأقرب إليهم من أحبتهم، فيبدؤون وينهون يومهم بها.

الكاتبة نهى صبحي

رفض الاستعباد

تدبج صبحي كتابها بإهداء: إلى صديقي القارئ، إلى أصابع الاتهام.. إلى من علمني حرفاً، ولم أصر له عبداً أبداً…الخ ” (الرواية ص 3).

ومنذ لحظة قراءة الإهداء تدرك أنك أمام كاتب واع، كاتب يرفض أي نوع من العبودية، التي ترسخت في نفوس كثير منا، سواء كان سببها الحاجة، أو حتى العلم، فالعلم يجعلك حراً لا عبداً أبداً، كما أن أية علاقة حب لا يمكن أن تكون صحيّة، طالما كان فيها طرف يسعى إلى تدمير الطرف الآخر وابتزازه، مهما كانت المبررات، وهذا ما تدور حوله الرواية القصيرة (ستوكر– هوس الملاحقة)، التي تتخذ نوعاً فنياً جديداً، يجمع بين الحكي والصورة.

من هو الستوكر؟

تُعَرِّف نهى صبحي (الستوكر) كما جاء في ملحق الرواية، بأنه: “الشخص المهوس بآخر.. وهو الشخص المطارد الذي يتتبع الضحية، ويراقبها من زاوية إلى أخرى، وله تحليلات خاصة لحركات الضحية، وفي الغالب يكون التتبع بسبب أنه لا يوجد اتصال بين الضحية والمطارد، أو نتيجة مرض الشك، لأن المطارد طباعه سيكوباتية” (الملحق ص4) فهل كان بطل روايتنا (ستوكر) هكذا؟ وهل تنطبق عليه الصفات، التي ذكرتها المؤلفة في ملحق روايتها؟

ماذا أرادت نهى صبحي من الكتاب؟

ركزت الروائية نهى صبحي على مساوئ أجهزة الِاتصالات الحديثة، والمشاكل العديدة التي تنشأ من تلك الأجهزة، أو بسببها، لعل أهمها السيطرة التامة على عقول الشباب، خاصة الفتيات، من قبل شخصيات مجهولة، تتستر خلف شاشة وكيبورد، تتسلل رويداً رويداً إلى عقل الشاب / الشابة، حتى تسيطر عليه/ أو عليها، ومن ثم تبدأ بفرض سيطرتها، لتحركه كما تشاء، وتصل بذلك إلى خصوصياته، وحين يسيطر هذا الطرف (معلوماً حيناً، ومجهولاً غالباً) فإنه يتحرك، لتحقيق غرضه الأساسي الذي يبدأ بتسجيل المكالمات، ومن ثم طلب صور، أو تسجيلات مرئية للطرف الآخر (فتاة غالباً)  ثم يضرب ضربته الخسيسة بتهديدها بفضحها، ونشر صورها، أو تسجيلاتها، أو ابتزازها مالياً، موهماً إياها بأنه سيوقف تلك الفضائح لو أعطته ما يريد، سواء أكان مالاً، أو غرضاً ما، أو علاقة  جنسية.

هل نجحت في ذلك؟

حاولت نهى صبحي خوض طريقة جديدة، لجذب هؤلاء الشباب (المراهقون غالباً) لتحذيرهم من خطورة الأمر وعواقبه، باستخدام القصص المصورة (الكوميكس) للوصول إلى تلك الفئة، التي تميل إلى هذا النوع من الفن، الذي يجمع بين الرسوم، والكتابة بعبارات وجمل بسيطة، تتسق وطبيعة المراهق، فهل نجحت في ذلك؟

من حيث المحتوى، اِختارت الكاتبة موضوعاً مهماً وخطيراً، قد يلفت اهتمام الملايين ممن يعيشون حولنا، خاصة الشباب، وهو التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنها ركزت على قضية، قد يعاني منها الكثير من تلك الفئة، خاصة الفتيات، وهي التهديد والابتزاز باستخدام مواد تلك الوسائل، وذلك عن طريق شخص (لديه هوس الملاحقة) كما تشير الكاتبة،  حيث تدور الحكاية حول الشاب (عساف)  الذي ينتمي إلى أسرة مفككة، علاقته بوالده المسافر سيئة، وكذلك مع والدته وأخته، وذلك بسبب اندماجه الكامل بوسائل التواصل، التي سلبت عقله، وسيطرت عليه.

يبتز (عساف) الطالبة الجامعية (وصال)، ويهددها بصور عارية، ومكالمات تمت بينه وبينها عندما كانا حبيبين، ويحاول صديقهما المشترك (خالد) ثني (عساف)، ولكن دون جدوى، وحين تفشل (وصال) في منعه عن فضحها، وإيصال صورها وتسجيلاتها إلى أهلها، لا تجد أمامها إلا التوسل للمبتز، وانتظاره كفريسة مستسلمة له، ليقضي على حياتها؟!.

  مهووس أم ماذا!؟

(عساف) في الحقيقة ليس مهووساً أو (مُطارِد) كما أسمته الكاتبة، بل أكثر خطورة، حيث تجلت رغبته بالانتقام من أسرته (والده تحديداً) في شخص (وصال)، لذا اعتقد أنه أقرب ما يكون إلى المريض النفسي، المضطرب سلوكياً، وغير المستقر عائلياً، الحانق على المجتمع بصورة عامة، وأسرته بصورة خاصة، وهذا ما برز في تفاصيل الرواية، من خلال تعامله مع أسرته، وحالة الشك التي تملكته تجاه والدته، وقناعته من ارتباطها بعشيق سادي يصغرها سناً، وهكذا بالنسبة لوالده الذي يشك بانغماسه في علاقة غير مشروعة مع زميلته في العمل، واتهامه لأخته بعدم الحفاظ على شرفها! كما يتعامل بعدوانية مع أصدقائه وحبيبته.

 كل ذلك في ظل تأكيد الرواية على أن شخصية (عساف) يمكن أن توجد في أي بيت بسبب سوء التربية، وعدم احتوائه من قبل أسرته، فالأم تصفه بالزرع الشيطاني، والجد يشير إلى أن سبب سوء أخلاقه تعود لاسمه! وتفترض الأم – بكل سذاجة – أنها لو أسمته رحيم لكان رحيماً؟! الأمر ينطبق على والده أيضاً، الذي بدلاً عن احتضانه يطرده من المنزل، ويحاول أن يرمي اللوم على والدته؟!.

(عساف) ضحية لمجتمعه وأسرته قبل أن يكون مجرماً، ذا شخصية عدوانية مقيتة، لذلك فإن شخصيته لا تشجع على تكوين علاقات إنسانية، فكيف صادقه (خالد) وكيف أحبته (وصال)؟! هذا ما لم تُشر إليه الرواية أو تبينه لنا، الغريب في الأمر أن (وصال) ورغم قسوته معها ونعتها بأبشع الألفاظ، وتهديده بفضحها، وإقدامه على قتلها، إلا أنها ظلت تردد ودون أي مبر مقنع ” كيف أتخلص من حبي له” ؟!، و “أنا لسه بحبك”، مما يدلل في الغالب على أنها شخصية مريضة بما يسمى بمتلازمة ستوكهولم التي ترتبط بالجاني على عكس ماهو مفروض منها، كما أن الحكاية لم تحاول إيجاد حل لمشكلة (وصال) غير قتلها من قبل (عساف)؟!، وكأنها – دون أن تقصد- توصل للفتيات رسالة مفادها أنه لا حل أمامهن تجاه التهديد إلا انتظار الموت، والاستسلام التام للمبتز!

تنهي المؤلفة الحكاية برسالة موجهة إلى المبتز: “إذا أحببت.. لا تراقب من أحببت.. لا تسأل نفسك كم من القلوب الحمراء على منشوراته (….) لا تترك خيالك لفضاءات غريبة، حتى تضيع أفكارك في بؤرة ضبابية بعيدة “فهل مثل هذه الرسالة الهادئة الرومانسية الناعمة ستوقف أي (ستوكر) أو أي مبتز من الاستمرار في أعماله الدنيئة؟!

مع أن هناك حلا أفضل دعت إليه الكاتبة نفسها في ص (192)، حين أشارت بعدة جمل، إلى التصدي للمبتز “أوعي تخافي، أوعى تخاف، أوعى حد يهددك”، “اِحبسه قبل أن يحبسك”، “في قانون بيحاسب جرايم الِاضطهاد.. في حساب راجع للمطارد”، “اِكسر سياج خوفك، وانطلق”، وكما أشارت له في ملحق الرواية، عبر اللجوء إلى شخص تثق به الفتاة، ليجد لها مخرجاً، أو اللجوء إلى السلطات المختصة، التي تستطيع اتخاذ إجراءات سرية حازمة، للقبض على المبتز ومعاقبته.

من حيث اللغة

جمعت المؤلفة نهى صبحي بين اللغة العربية الفصحى واللهجة العامية، للوصول إلى جمهورها، ولكن التركيز كان أكبر على العامية، عبر لغة هذا الجيل ومفرداته على وجه الخصوص، وهي بذلك تحدد هدفها الخاص بالشباب أولاً، وبالشباب المصري تحديداً، وأعتقد أن هذا المزج قد يحتاج إلى نظرة أخرى، فلا يمكن أن تنسجم لغة شعرية (فصحى أو عامية) كالتي اختارتها الكاتبة في بعض صفحات الرواية (لا حب في الحرب ولا شوق للحرب، لا هدنة لا موسيقى… الخ) مع اللغة التي اختارتها طوال الرواية لمخاطبة تلك الفئة، كما أن أغنية (يا عيني ع الولد)، التي ارتبطت بذاكرتنا الجمعية بفيلم (شيء من الخوف) لا أراها متسقة لوصف هذا الـ (عساف) الدنيء!

الإخراج الفني

اِختارت الكاتبة اللون الأسود (الحبر الصيني الأسود) في رسوم الصفحات الداخلية لإيصال فكرتها، مع محاولة أن تركز على وجوه الشخصيات، وتعبيراتها للوصول إلى أقصى تأثير على القارئ، وتضمنت بعض الصفحات تحذيرات معينة مرسومة بطريقة تتناسب وتفكير هذا الجيل، كما استخدمت ملصقات (الإيموجي) أحياناً، تأكيداً على اتخاذها نهج لغة هذه الفئة، كما قسمت كتابها إلى جزأين؛ يتضمن الجزء الأول الرواية المصورة (رواية قصيرة) بلون غلافه البرتقالي الصارخ، الذي يعكس لوناً حاراً محذراً، بإخراج يتضمن مجموعة من (الموتيفات) منها صورة لرجل تحول رأسه إلى عين كبيرة، للدلالة على التجسس والمراقبة، وفي الأعلى تظهر لوحة لفتاة / الهدف، بالتركيز على مفاتنها التي يسعى المبتز إليها، في حين تظهر في الخلفية مجموعة من رسائل الماسنجر بصيغ تهديدية، ويحتل الجانب الأيسر من الغلاف، صورة لشخص مقنع للدلالة على أن أغلب الضربات الابتزازية تصدر عن  مجهول، يسيطر على جهاز لاب توب ليبدأ هجماته، أما الجزء الثاني من الكتاب، فيتضمن ملحقاً تُعَرِّفُ فيه الكاتبة صفات المُطارِد، وطرق التخلص منه.

من وجهة نظري، ورغم المجهود الكبير الذي بذلته الرسامة، والتي حاولت أن توصل رسالة الكاتبة، إلا أن الرسوم غلب عليها الاستعجال والتغيّر في الأسلوب، بحيث يبدو، وكأن هناك أكثر من رسام، كما غاب عن الرسوم، بعض الاهتمام باللمسات الجمالية، التي يبحث عنها المراهق، ممن تفتحت عينه على كثير من الأساليب والرؤى الفنية الحديثة، الأمر الذي يدعو إلى إعادة النظر والاهتمام أكثر بالرسوم – في الأجزاء التالية إن فكرت الكاتبة بإصدارها –  طالما اتخذت الكتابة هذا المنحى، الذي يعتمد بشكل أساسي على الصورة المرسومة في التعبير عن وجهة نظرها.

تحذير لكل الفتيات

رواية (ستوكر) للكاتبة الشابة نهى صبحي الصادرة حديثاَ بـ (197) صفحة من القطع المتوسط – وهي طويلة نوعاً ما، تحتاج الى الاختصار كونها موجهة لجيل السرعة – رواية تقرع الجرس محذرة الشباب من المراهقين (الفتيات على وجه الخصوص) للانتباه إلى العلاقات، التي يمكن أن تتشعب، وتمتد على وسائل التواصل الاجتماعي، فتثق الفتاة من خلالها بالطرف الآخر، مما يؤدي إلى تبادل صورها وفيديوهاتها وتسجيلاتها الصوتية، مع هذا المتربص الذي كان صديقاً أو حبيباً فيما مضى، فيبدأ باستغلال الضحية والتلاعب بأعصابها وابتزازها، بما يؤدي إلى تدمير حاضرها ومستقبلها فيما لو استسلمت، أو إنهاء حياتها كما حدث مع الفتاة البريئة (بسنت خالد) 17 سنة، التي أنهت حياتها قبل عام بسبب ابتزاز إلكتروني من ذئب، قام بفبركة صور لها، وهددها بنشرها.

ويبقى القول إن (ستوكر) تنبه أيضاً إلى دور أولياء الأمور في تفاقم مشاكل المراهقين، وذلك حين يصمون آذانهم عن أبنائهم أو حين يتركونهم ضحية للأجهزة والغرف المغلقة ليل نهار، لتنهش عقولهم “تلك المساحة الفارغة التي تصبح ملكاً لذئاب الإنترنت” كما تشير الكاتبة، التي تربط تلك السيطرة الإنترنيتية بالعقل الفارغ أو كما تقول: “عقلك الخاوي، وجبة شهية للغربان!” وتظل تكرر وتحذر: “هل أنت ستوكر؟ إذا لم تكن أنت.. فأعلم أنه ليس بعيداً عنك!”.

ستـــوكر
هوس الملاحقة
تأليف ورؤية إخراجية: نهى صبحي
رســــــــــــــــــــــــوم: غادة صـادق
تصميـــــــــم الكروت: عادل عزيــز
تــــــــــصميم الغلاف: حسين جبيــل
إشــــــــــــــراف عام: د. نـداء عادل
النـــــــاشر: روافد للنشر والتــوزيع
القاهرة 2023

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ رئيــس التحريــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى