د. خليفة الهاجري: الشارقة تبرز المسرح المدرسي.. فمتى نحذو حذوها؟!
د. خليفة الهاجري★
يعتبر مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي، نموذجاً استثنائياً في مد جسر متين بين التربية والتعليم، والمسرح كفن تعبيري وفعل إنساني واجتماعي إبداعي.
فالمسرح بمكوناته الإبداعية يحتوي كل مدركات التربية والتعليم، فهو يذهب باتجاهات عدة، أبعد من المحتوى التربوي، أو التعليمي – إن أمعنتم التفكير به – منها: تشذيب قوام الأخلاق، وبناء هيكل متين للذات، وتطوير وتأهيل الحس الفني والإبداعي الخلاق، وتعزيز روح العمل الجماعي المنتج، واستنهاض للفكرة الفريدة الأصيلة لدى الأفراد، وجهد وتمارين عضلية وحركية تحافظ على لياقة الفرد الجسدية والذهنية، وأمور أخرى لا يتسع وقتكم لذكرها.
كل هذه المدركات أعلاه، اِلتفت إلى أهميتها الجسمان التربوي والثقافي في إمارة الشارقة، بتركيز عال وفاحص، إلا أنها لم تنتهِ عند حدود حالة الإدراك تلك، بل ذهبت إلى الفعل المسرحي المهرجاني والاحتفالي: فكرةً وتخطيطاً وتنفيذاً، تمثل ذلك في تصميم وتنفيذ وتفعيل “مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي” ضمن برنامج مكثف وعميق، يحاكي عناصر أخرى في المنظومة التعليمية، أبرزها أن تعليم وتدريس مادة “المسرح” أصبح جزءاً من المنهج الدراسي في مدارس دولة الإمارات المتحدة، بدعم مباشر من الهيئة العربية للمسرح، مما جعل مهرجان المسرح المدرسي، أبلغ وقعاً في تنصيبه ضمن أهم فعاليات الشارقة الثقافية.
المهرجان تشرف عليه وتنفذه إدارة المسرح بدائرة الثقافة، يغطي و يغذي عدداً من المدن التابعة لإمارة الشارقة بمدارسها التعليمية، تم تقسيمها بشكل يحاكي كثافة المدارس التعليمية في تلك المناطق، وحجم إنتاجها المسرحي، يشكل لهذه المناسبة فريق من المختصين في تنسيق وإدارة ودعم كل مفردات المهرجان بخبرة مميزة، ويعين لها هيئات تحكيم من ذوي الخبرة، تقوم على تقييم وتحكيم تلك الأعمال المسرحية، تجتمع تلك اللجان في نهائيات هذا المهرجان في لجنة تحكيم واحدة، في منافسات المهرجان الختامية للأعمال المتأهلة؛ جوائز سخية تذهب للأعمال المميزة، وعناصر العرض الأخرى المتعارف عليها في أجواء تنافسية حيوية.
ما يستوقفني دائماً في تلك المهرجانات أمران: الحالة الذهنية الإبداعية لدى طلاب وطالبات المدارس في تنفيذ تلك الأعمال المسرحية، التي لا أستطيع وصفها بكلمة، أو كلمات سوى أن أصفق لها إعجاباً.
الأمر الآخر: هو غياب هذا النشاط المسرحي عن كثير من الدول العربية، لا سيما دولة الكويت، التي تعتبر في مقدمة دول المنطقة في سياق الفعل المسرحي بالمجمل، والذي ازدهر بتأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الذي يعنى بالشأن المسرحي، وإدارة النشاط المدرسي التابعة لوزارة التربية، إلا أن غياب المسرح عن المشهد التربوي والتعليمي، يجعل من إنشاء تلك الكيانات هباءً منثوراً، في شقه المجتمعي والتربوي، والذي يتطلب تعاوناً سهلاً وممكناً بين تلك الجهات التي ذكرت، من ذلك نستطيع أن نقدم نموذجاً مسرحياً مهماً، ومفيداً لأبنائنا، وللجميع، يوفر المعرفة والمتعة والجمال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
★أستاذ الديكور بالمعهد العالي للفنون المسرحية ــ الكويت