سينماموسيقي

شيماء مصطفى: الحب على الطريقة العندليبية.

شيماء مصطفى ★
“ومين ينسى؟! ومين يقدر في يوم ينسى؟!
ليالي الشوق، ولا نارها، وحلاوتها، ولا أول سلام بالإيد، ولا المواعيد، ولهفتها..
ولا ننسى، ولا نقدر في يوم ننسى، حبايبنا أعز الناس “

“إذا لم تستمع إلى عبد الحليم فأنت لم تذق الحب أبدًا”
قالتها أمي لأخي الصغير حين وجدته مهووسًا بصوت نجاة الصغيرة وأغانيها، مرت السنوات لكن جملتها هذه لم تمر، أحب حليم وفوزي وفريد الأطرش وفايزة أحمد، أعلق بورتريهات لهم على حوائط غرفتي، أمي تسمع الجميع، وتحفظ أغانيهم، تعرف «السنباطي» و«مرسي جميل عزيز»، و«بليغ» و«الأبنودي» و«كامل» و«مأمون الشناوي»، و«حسين السيد»، لماذا حليم؟

للوهلة الأولى ظننتُ أن رؤيتها هذه تشكلت كون ملامح حليم تتشابه إلى حدٍ كبير وملامح أبي، للدرجة التي جعلت أمي وأقاربي يلقبونه ب(العندليب)، ولكن كان لأمي الكلمة الفاصلة بعيدًا عما يدور برأسي من تأويلات جراء جملتها لأخي: “تعبيرات الوجه ولغة الجسد”.

لا محدودية المكان والطبيعة
في بعض أغانيه وبالتحديد في لحظات الفراق والوحدة يلجأ حليم إلى الطبيعة لتشاركه همومه، فنجده في أغنية
مشيت على الأشواك» من فيلم (أبي فوق الشجرة) يتجول بين الأشجار، ونجده حين يخفق قلبه حبًّا يلجأ إلى الطبيعة أيضًا ولكن ليس بمفرده، حيث يكون رفقة الحبيبة أو رفيقه الحميم فنجده في أغنية (حاجة غريبة) في فيلم معبودة الجماهير يتواجد مع شادية وسط الأشجار والورود، ونجده مع «عبد السلام النابلسي» في حديقة بيت «حسن فايق »
في فيلم (فتى أحلامي) بأغنية بيع قلبك كلمات «حسين السيد» وألحان «كمال الطويل».
ونجده يجمع الحبيبة «نادية لطفي» والرفيق«حسن يوسف» في أغنية (الحلوة) من فيلم الخطايا.
ونجده لسيدة الشاشة فاتن حمامة يغني« كان يوم حبك أجمل صدفة» في فيلم «موعد غرام» من كلمات «مأمون الشناوي» وألحان «كمال الطويل» وسط الورود والأشجار،
حتى حين أراد أن يتغنى بابتسامتها وصفها قائلًا ” ضحكتها أنغام وورود” فجمع بين صوت الابتسامة فهو عذبٌ كنغمة، وجميلة كوردة.

حضورٌ طاغٍ
إذا كان الراحل أحمد زكي أيقونة في التمثيل وخبيرٌ لا مثيل له في تعبيرات الوجه ولغة الجسد لدرجة أن النظرة منه تغني عن عشرات الحوارات، فإن حليم في حفلاته أو حتى في أغانيه بالأفلام كان بارعًا في استخدام تعبيرات الوجه، فنجده يشكل نموذجًا تفاعليًّا ثلاثي الأبعاد بينه وبين جمهوره في الحفلات وبين تعبيرات وجه، فيبقى طوال الحفل ناجحًا في خلق قنوات إتصال مباشرة بينهما، ولا أعني بكلامي هذا براعته في الجانب التمثيلي، ربما يكون ممثلًا جيدًا أو مقبولًا، ولكنه بالتأكيد عبقري في الغناء.


موضع الحبيبة من النسيان
لا ينسى حليم حبيبته، سواء في أفلامه كما في الوسادة الخالية مع زهرة العلا، أو في أغانيه فهو الذي يقول :
ولا ننسى حبايبنا أعز الناس.. ويكمل: “ولحظة حب عشناها ..نعيش العمر تسعدنا”، حتى اللحظات القليلة التي اختلسها مع الحبيبة يعطيها قدرًا أكبر من المعتاد ليعيش معها وبها.
ويؤكد على ذلك مستنكرًا :
“ومين ينسى ومين يقدر في يوم ينسى
ليالي الشوق ولا نارها، وحلاوتها، ولا أول سلام بالإيد، ولا المواعيد، ولهفتها، فهو سجين التفاصيل وأسيرها، ويؤكد ذلك في أغنية أخرى شهيرة (أهواك):”
أهواك وأتمنى لو أنساك، وأنسى روحي وياك، …. ثم يُكمل: “وأنساك، وأتاريني بنسى جفاك..”.

المبادرة الأولى.
في أغلب أغانيه يقف حليم متأرجحًا في العلاقة فلا يأخذ زمام المبادرة، بل يظل منتظرًا أن تصدر الخطوة الأولى من الحبيبة، إما تصريحًا أو تلميحًا ونجد هذا بشكلٍ جليًّ في أغنية(فاتت جنبنا) من كلمات «حسين السيد» فيقول: “أعرف منين إن الضحكة دي ليَّا أنا مش هو”، ونجده في فيلم (يوم من عمري) مترددًا في أغنية (خايف مرة أحب) فيقول:” أندم لو حبيت وقاسيت، وأندم لو عمري ما حبيت.” مستندًا إلى انطباعاته من تجارب الآخرين ” ناس في الحب شافوا قاسية، وناس اتهنوا..”، ولكنه تمرد على هذا الدور في فيلمي (فتى أحلامي) و(موعد غرام) ربما لطبيعة البطلتين ففاتن حمامة ليست «صباح» في فيلم (شارع الحب) لتقتحم عالمه، ويتمرد أكثر في أغنية (بتلوموني ليه) من فيلم (حكاية حب) واصفًا مريم فخر الدين (نادية): ” لو شفتم عينه، حلوين قد إيه، هتقولوا انشغالي، وسهد الليالي، مش كتير عليه.”

ومن الزلات ما يُغتفر

.يشفع حليم للحبيبة، ويعيد للعلاقة رونقها، ليس لضعفٍ أو لحماقة، ولكن لأن رصيدها لديه لم ينفد بعد، فنجده يقول: “لولا ضحكتها الحلوة وعدتني بحاجات حلوة”، ويقول في أغنية (توبة):” وإن جه طيفك يوم في منامي وجه، برضوه هطاوعه، وأقول أهي نوبة، وبعدها توبة.”، وسواءً كنت تستمع لحليم أو لا، فلا يمكنك أن تنكر أنه الحبيب الذي لا تشقى المحبوبة في رفقته، ولا تذوق ألمًا، ففراقه فراقٌ هادىء، وانسحابه لا يشوبه تعكير.


ناقدة-مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى