شهد إبراهيم: إلى أي مدى نجح (الحفيد) في نقل الرواية من السينما، إلى المسرح؟
شهد إبراهيم ★
مستندًا إلى روايتين من روائع الكاتب ” عبد الحميد جودة السحار”، اِنطلق العرض المسرحي (الحفيد)، من خلال رؤية جديدة، دُمجت فيها أحداث فيلمي الحفيد، وأم العروسة، حيث كشفت إدارة المسرح القومي عن عودة عرض مسرحية (الحفيد) في موسمها الرابع، بعد فترة توقف، والعرض من إنتاج فرقة المسرح القومي، تحت إشراف الأستاذ الدكتور “أيمن الشيوي”.
المسرحية تناقش قضية الأسرة المصرية، ومشاكل الزواج والإنجاب في إطار كوميدي اجتماعي، حيث يقدم مفهوم الحرية الشخصية، ومقاومة الفرد لسيطرة العادات، والتقاليد السائدة في المجتمعات الشرقية، التي تتركها الأسرة تتحكم فيها دون الوعي للتأثير، الذي تتركه في الأولاد من أبعاد نفسية مرهقة.
بتتابع درامي غير تقليدي، وبإعداد وإخراج متميزَين، يستخدم المخرج والممثل ” يوسف المنصور”، كوميديا الموقف، وقد اختار فترة زمنية مختلفة عن العملين، حيث تدور الأحداث بين عامي (1980 – 2023 )؛ لإضفاء الحداثة على النص المسرحي، ومناقشة تغيرات جديدة، طرأت على المجتمع المصري، والعرض المسرحي بطولة : سما إبراهيم، وعابد عناني، وشادي سرور، ومحمد مبروك، وشيريهان الشاذلي، ويوسف المنصور، ومجموعة من نجوم المسرح القومي.
سما وجنا، أداء تلقائي:
تدور أحداث المسرحية داخل بيت (حسين المحلاوي)، الموظف بإحدى الشركات، وزوجته زينب، حيث أنجبا ستة أبناء وبنات، ويواجهان صعوبات صعبة في تربيتهم، في ظل ظروف اجتماعية، واقتصادية قاسية.
ويشهد الموسم الجديد ظهور الفنانة “سما إبراهيم”، في دور “زينب”، التي لم تسرد الرواية الأصلية، الكثير عن نشأتها
وكيفية تكوينها، ولكن المخرج يرسم لها خطًّا جديدًا بتقنية “الفلاش باك” – اِسترجاع الماضي – عرض فيها زواجها من حسين رغم ارتباطها عاطفيًّا بشخص أخر، أقل منها في المستوى الاجتماعي، الذي أدّى إلى تدخل الأهل لفرض الزوج الأنسب، الذي كَوَّن عندها أبعادًا نفسية مُدمرة، جعلتها تُكرر نفس الخطأ مع ابنتها “نبيلة”، التي تقوم بدورها “جنا صلاح”، حيث فرضت عليها الزواج، فقط، حتى لا تدعها تحقق حُلمها، وقد كانت تلعب الممثلة ” جنا صلاح” دور نبيلة في الماضي والحاضر، حيث استطاعت التلون في المرحلتين، من خلال دوافعها النفسية في الماضي، اِستطاعت أن تتحكم في أداءاتها في شخصيتها في الحاضر، وانفعالتها وتصرفاتها بشكلٍ احترافي، مما أدى إلى تقلص المسافة بين شخصيتها، والمُشاهد الذي ترتب عليه إدراج الحالة، والتأثر بها، وظهر ذلك في عدة مشاهد، أبرزها مشاهدها مع الأم “سما إبراهيم”، وهي بالأساس فنانة مسرحية، ولديها خبرة كبيرة جدًا، بالإضافة لتمتعها بحس كوميدي، فقد استطاعت لعب شخصيتها بشكل تلقائي، في مختلف مراحلها العمرية، وكانت الأقرب إلى شخصية الفنانتين “تحية كاريوكا”، و”كريمة مختار” رحمهما الله، اللتين قامتا بتقديم الشخصية في فلميين سينمائيين.
سرور أثَّر في الجمهور:
المسرحية لها رونق خاص، حيث وضع المخرج امتدادات، وخلفيات للشخصيات، فتحت أمامه الباب لبلورة فكرة الحرية الشخصية، في مواجهة القيود الاجتماعية، والعادات والتقاليد، كانت معظم هذه الخلفيات، تُحكى على لسان راوي العرض “عاطف” الذي يقوم بدوره “يوسف المنصور” الذي لديه طاقة، وروح رائعة في العرض، من خلال تحولاته اللحظية، وسرعته في الرد على كلام الشخصيات، وعفويته، فكان يعطينا نبذة عن الشخصيات في بعض الأحيان، وقد أظهر لنا بعض مشكلات الشخصيات، وكانت منهم مشكلة “العمة ماجدة”، والتي قامت بدورها “شيريهان الشاذلي”، وهي تمثل حال كثير من الفتيات، اللائي يتأخرن في الزواج، وعندما تصل إلى مرحلة عمرية معينة، تشعر بالوحدة، حيث قدمته لنا بشكل كوميدي مؤثر، بطريقة بارعة سواءً على مستوى الأداء، أو الكوميديا، وأيضًا شخصية “هالة”، التي قدَّمتها “ندى عفيفي”، التي تعاني من مشكلة في الإنجاب، فتجعلها طوال الوقت، تشعر بحالة من التقصير في حق زوجها، والخوف من أن يتركها، وقد كانت الشخصية الوحيدة، التي ليس لديها مشكلة، أو دافع نفسي، يجعلها تشعر بضغط، فهي من قامت باختيار حياتها كما تريد، لم يفرض عليها أحد شيئًا، كباقي أخواتها البنات.
وقد كان لشخصية “حسين” التي قَدَّمها الفنان “شادي سرور” تأثير خاص وماتع، حيث كان اختياره، الأقرب لشخصية الفنان الكبير الراحل “عبد المنعم مدبولي”، ولكن بشكلٍ مبتكر، وروح مختلفة، وقد كانت جميع انفعالاته نابعة من دوافع شخصيته، وظروفه الصعبة، ووضعه كرب للأسرة، وهو المسؤول عنها، وقد أثَّر بشكل كبير في الجمهور، ترقب دخوله على المسرح، فجعلنا نتأثر جميعًا بمرضه، ومن ثَمَّ وفاته.
وقد صنع المخرج امتدادًا لمصير العائلة وأفرادها، حيث تنتهي القصة الأصلية، بزواج ابنتين رغم ظروف الأب الصعبة، لكن النص المسرحي يكمل لما بعد ذلك، فيرى الجمهور المتابعُ للعرض، مرضَ الأب ثم وفاته، وظهور الحبيب الأول لزينب مرة أخرى، حيث يطلب الزواج منها، وهو ما يعارضه غالبية الأبناء بشدة، لكبر سنها، وتخوفهم من نظرة المجتمع لأمهم، وقد لعب دور حبيبها الأول “محمد مبروك”، نعناع الجنينة، وهو أكثر الشخصيات الكوميدية في المسرحية، وهو ليس مرتبطًا بدوافع، أو مبررات لأفعاله الدرامية، وعلى الرغم من ذلك؛ اِستطاع أن يؤدي الدور بطريقة مميزة ومختلفة، مرتبطة بدوافع ومبررات نفسية كثيرة، سواء في رفضه للزواج، أو رفضه للعمل، لضياع حلمه أن يكون عازفًا على العود، والذي لم يستطيع تحديد هويته، ولا أحلامه، وقد ظهر ذلك بشكل كبير في انفعاله في مونولوجه في نهاية المسرحية، الذي تحدَّث فيه عن معاناته، فقد قدَّم الشخصية بشكل مُتقن، سواء على الجانب التراجيدي، أو الكوميدي.
أما عن “محمد يسري”، والذي قدَّم شخصية “مراد”، الذي يعمل منذ الصغر في (ورشة ميكانيكي)؛ ليساعد أهله في مصاريف البيت، مما جعله يتحمل المسؤولية، فقد جاء أداؤه بشكلٍ عفوي وتلقائي، جعله متمكنًا من قول (الأفيه) بسهولة.
وعن أختهم الأصغر “هالة”، والتي تقوم بدورها “نشوى علي” فهى تمثل كثيراً من فتيات الجيل الحالي، حيث كانت تود أن يتحدث معها أحد، أو يسمعها، ويعرف أحلامها فى الحياة
ويصدقها، مما جعلها تلجأ للشهرة، عن طريق السوشيال ميديا، حتى يسمعها الجميع، ودوافعها النفسية بسبب ذلك الأمر، وتجاهل أهلها لها، جعلها في حالة من البرود، واللامبالاة طوال الوقت، وقدَّمت ذلك بشكل واقعي صادق، مشابه لجميع فتيات الجيل الحالي، وحالتهم.
براعة المخرج:
كانت ملابس كل الشخصيات، تُعبّر عن الفترة الزمنية التي كانت الشخصية تعيشها جميعها مناسبة للطبقة الاجتماعية للأسرة، وعن المكياج فلم تضع شخصية “نبيلة” في الحاضر مكياجًا، لتوضح كم الشقاء والتعب، اللذين تتعرض لهما، وكان مكياجًا بسيطًا، ومناسبًا لباقي الشخصيات، باستثناء العمة “ماجدة” فقد كانت تضع مكياجًا بشكل مبالغ فيه ، وأعتقد أن مبرره الدرامي، هو أن تكون جميلة، ولا يظهر عليها التقدم بالعمر، وقد كان للإضاءة دور كبير ، في تعزيز الجو الدرامي فى كثير من المشاهد، فقد كان معظمها إنارة خاصة؛ لتسليط بؤرة الضوء على ممثل معين، مثل مشهد زينب ونعناع الجنينة في الماضي.
أيضًا المشهد الذي جمع الثلاث فتيات، وهن في حالة مواجهة مع شركاء حياتهن، فقد أظهر هذا المشهد براعة المخرج في سرد الأحداث بشكلٍ مختلف ومتداخل، خلق للجمهور حالة من التناغم بين الحالات الثلاث ، حيث كانت فيه بؤرة إضاءة مخصصة لكل حالة، مختلفة الألوان، فقد كانت الحالة الأكثر استقرارًا بإضاءة زرقاء، لتعبر عن الدفء والثقة، والأكثر توترًا باللون الأحمر، الذي يعبر عن التوتر، وعدم الاستقرار، وبين الحالتين بؤرة باللون البنفسجي، الذي يعبر عن الوضوح والمواجهة الصريحة، التي كانت في المشهد.
أما الديكور، فقد تكوَّن من منزل به غرفة معيشة، وصالون وغرفة نوم، والذى كان يعبر بشكلٍ كبير وطبيعي، عن مكان أحداث العرض، وقد تم توظيف الموسيقى، بشكل ممتاز وجيد، وكانت الموسيقى في بعض المشاهد هادئة، تعبر عن حالة المشهد.
عرض طويل دون ملل:
وعلى الرغم من المدة الزمنية الطويلة نسبيًّا للعرض، التي وصلت إلى ثلاث ساعات، والمعرفة المسبقة للعمل، إلا أن الكوميديا لها دور كبير، في مرور الوقت دون ملل، وذلك بفضل المعالجة المميزة والمختلفة، والأداء المتناغم للممثلين، إن مشكلة الحفيد كانت عقدة فرعية، بجانب العقدة الأكبر، وهى تسليط الضوء على مفهوم الحرية، ومقاومة العادات والتقاليد.
تفاصيل العرض
تأليف : عبد الحميد جودة السحار.
تمثيل : سما إبراهيم، عابد عناني، شادي سرور، محمد مبروك، شيريهان الشاذلي، يوسف المنصور، جنا صلاح، أمير عبد الواحد، محمد يسري، زينب العبد، نشوى علي، ندا عفيفي، عبدالباري سعد، محمود سيلمان، ليلى عبد القادر، عبده عماد، ماجد مارك، فادي باسم، والطفلان جايدن جورج و زينب، ومجموعة كبيرة من الفنانين
إضاءة : أبو بكر الشريف.
ديكور : حمدي عطية.
أزياء : مروة عودة.
مكياج : إسلام عباس.
تصميم بوستر : محمد وحيد.
سوشيال ميديا : محمد فاضل.
استعرضات : شيرين حجازي.
موسيقي وألحان: كريم عرفة.
توزيع موسيقي : أيمن التركي.
مخرج منفذ : رامي التونسي.
مساعد أول إخراج : محمود الأصفر، محمد مصطفى ،محمود الصياد.
مساعدو المخرج: سارة البنا، إيمان صلاح، ندا عبد الرحمن، رياض ديابلو، علي هاني.
إعداد وإخراج : يوسف المنصور
★طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس-مصر.