سينمامشاركات شبابية

إيمان توفيق: تُرى ما الذي يحدث في السيارة الحمراء؟!


إيمان توفيق
جوائزٌ عديدةٌ، حصدها الفيلم الياباني (Drive My Car) بتوقيع المخرج الياباني، “ريوسوكي هاماغوتشي”. الذي أُطلِقَ للمرة الأولى 2021م، في مهرجان(كان) السينمائي، ونال العديد من الجوائز في الكثير من المهرجانات.
موت مريب؟!
يبدأ الفيلم بمشهد صورة ظلية، لا نرى منه سوى جسد امرأة تروي أحداثًا غريبة، تتوالى الأحداث، لنرى أن هذين الزوجين “كافوكو” و”أوتو” علاقتهما مستقرة وهادئة، بشكلٍ قد يبث الريبة للمشاهد، ويزداد هذا الشعور، برؤية كافوكو زوجته في موقع خيانة، لكنه لا يأخذ أي ردة فعل تجاه ذلك، ويكمل حياته بشكلٍ طبيعي.
بعد مرور أكثر من أربعين دقيقةً من الأحداث التي تنتهي بموت “أوتو” بشكلٍ مفاجىء، جَرَّاء نزيف بالمخ، تظهر لنا العناوين الرئيسية للفيلم، وكأن المخرج “ريوسوكي هاماغوتشي” يود أن يقول لنا كل ما حدث طول الأربعين دقيقة الماضية، ما هو إلا تمهيد للقادم، ليضع لنا الأساس لبعض الشخصيات، ودوافعها، ليقول لنا من هو كافوكو، ومن هي أوتو الكاتبة، التي لها طقوس خاصة في القصص التي تكتبها، وكافوكو المخرج والممثل المسرحي، الذي نستطيع أن نقول إنه وهب حياته لزوجته، متجنبًا أي مواجهة، قد تجعله يخسرها، حتى وإن كان هذا التحمل يقسو عليه، وقد ينفجر في أي لحظة.


بعد مرور عامين على موت زوجة كافوكو، تأتي له دعوة من مسرح هيروشيما، ليقوم بإخراج مسرحية”الخال فانيا” لتشيكوف، يذهب في هذا الرحلة، ليفاجأ بسياسة المسرح أن كل فنان، يجب أن يكون له سائق خاص تجنبًا للحوادث، تصبح “ميساكي” ذات الثلاثة والعشرين عامًا، هي السائق الخاص لكافوكو, عند لقائهما، نستطيع أن نعتبرها بداية الأحداث، التي مُهِدت لنا طوال الأحداث الأولى.
داخل السيارة الحمراء ؟
نستطيع التعرف على شخصيات الفيلم، ومشاعرها ورغباتها، من خلال الحوار المباشر تارةً، ومن خلال الجمل المسرحية تارة أخرى، كما نرى بشكلٍ كبير فكرة العزلة التي يوضع بها كافوكو وميساكي أغلب الفيلم، الشيء الذي يجعلنا نشعر أن هناك رابطٌ ما بينهما، وهذا ما نكتشفه في النهاية، فنراهما دائمًا داخل السيارة الحمراء، في طرق طويلة منعزلة، أو أنفاق مظلمة، لا نرى نهايتها بسهولة، أو نراهما في مكانٍ واسعٍ ناصع البياض وحدهما، الكثير من اللقطات التي تشعرنا بعزلتهما وغرابتهما على هذا العالم، كما نرى هذا أيضاً من تضاد ألوان السيارات على الطريق، منذ بداية الفيلم حتى نهايته، فهي السيارة الحمراء الوحيدة على الطريق الذي تسيطر عليه الألوان الرمادية، لتبرز لنا سيارة البطل التي هي بمثابة كاشف الشخصيات الرئيسية تقود بطلينا إلى وجهتهما التي نكتشفهما فيها تارة، ويَرويان قصتهما بها تارة أخرى, بينما نشعر أحيانًا كثيرة، أنها تنظر لبطلينا من داخلها، وكأنها شخصية مؤثرة في الأحداث.


خيانة متكررة!
التشابه بين كافوكو وميساكي، هو شعورهما بالذنب حيال أحبتهما، الِاثنان يشعروان وكأنهما قاتلان، لمجرد تأخرهما بعض الوقت على الإنقاذ، شعورهما بالذنب، جعلهما يُغفلان سبب تعمدهما التأخر! فوالدة ميساكي التي لم تكن يومًا أمًّا حنونًا، بل قست عليها، وجعلت منها فتاة بلا روح، أو أوتو التي تعمدت خيانة زوجها بكل الطرق، وفي كل موقف تستطيع فيه خيانته، لا تتردد!
علاقة كافوكو وميساكي، قد يُنظر لها بأكثر من منظور، قد يراها البعض، خاصة بعد نهاية الفيلم، أنها علاقة تميل للانجذاب العاطفي، أو ماشابه، لكننا كمتلقين قد نراها علاقة روحية، كافوكو رأى في ميساكي ابنته، التي توفيت في سن الرابعة كما لو كانت حاضرة معه هذه الأحداث، لأصبحت في الثالثة والعشرين من عمرها -عمر ميساكي-، كما رأت ميساكي في كافوكو أيضًا، الأب الذي فقدته، ووجدت فيه التصالح والقدرة على الغفران من علاقته بزوجته.
نهاية مختلفة!
المميز في هذا الفيلم، سلاسة التعبير عن مكنونات الشخصيات، الغائب منها والحاضر، فنجد “تاكاتسوكي” العشيق الأخير لأوتو، يتحدث في عدة مشاهد مع كافوكو، إما ليجعله يحكي عن زوجته الراحلة، أو يتحدث هو عن عشيقته، وهذا يأتي في حوار مباشر، وأيضًا في شكل روي القصة الأخيرة التي ألفتها “أوتو” قبل موتها التي تكشف ليست شخصيتها فقط، بل نرى بعض المشاعر على كافوكي، خلال سماعه لتكملة القصة التي ظن طوال العامين، أنها انتهت نهاية معينة، لكنه من حديث تاكاتسوكي، يكتشف أن النهاية مختلفة، الشيء الذي يجعله، يفقد آخر رابط عاطفي بينه وبين زوجته، وهو قدرتها على تأليف القصص في طقوسها الخاصة مع رجلٍ آخر!


المسرح له حضورٌ أيضًا؟!
اِعتاد كافوكي دائمًا، أن يراجع نصوص المسرحية في السيارة، من خلال الشريط الذي تسجل عليه أوتو النص بصوتها، والذي يلعب بدوره في بعض الجمل، كاشفاً لمشاعر معينة بداخل كافوكو، وكأنه يريد أن تظل محبوبته بجانبه، حتى ولو بصوتها فقط، لكن نلاحظ توقفه عن سماع هذا التسجيل، بعد اكتشافه نهاية القصة من تاكاتسوكي، وكأنه يتمرد عليها بشكل ما.
نشعر بتخوف كافوكي من أداء هذا الدور من جملته :” تشيكوف مخيف، عندما تردد سطوره، فإنه يستخرج منك ذاتك الحقيقية” فنرى خوف كافوكي من أن يخرج ذاته المكنونة، لكنه بدون شعور يخرجها فعلاً في مشاهده الأخيرة مع ميساكي في مسقط رأسها، عندما ذهب إليها؛ ليستطيع اتخاذ قرار بخصوص دور الخال فانيا، في المسرحية، بعد القبض على تاكاتسوكي، بتهمة القتل، وكأنه شخصية عابرة دخلت حياته! لتقطع آخر رابط بينه، وبين زوجته، ويذهب في استسلام، حيث يخرج مشاعره المكبوتة، طوال عامين في دقائق معدودة، يعبر فيها عن غضبه من زوجته، وندمه على عدم مواجهتها، كذلك حال ميساكي، التي تتذكر الشخصية الأخرى لوالدتها، التي اختلقتها؛ لتهون عليها بها.
تصوير مميز
الفيلم بقدر هدوئه وبساطته، لكنه يحمل في ثناياه العديد من التفاصيل المؤثرة، ليست فقط في سير أحداث حياة أبطاله، لكنها تستطيع أيضًا، التأثير على المتلقي، إذا أمعن التفكر بها.
وكما تميز الفيلم بالحوار، وقدرته الواضحة، على التعبير عن مكنونات الشخصيات، تميز أيضًا بزوايا تصوير، وكادرات، ساعدت بقوة، على إيضاح الحالة الشعورية لأبطالنا.


★طالبة بقسم الدراما والنقد-جامعة عين شمس-مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى