مسرحمشاركات شبابية

شهد إبراهيم: “اعترافات زوجية” ..كيف اشترك زوجين في جريمة إنسانية واحدة؟!

شهد إبراهيم ★
يستضيف مسرح الطليعة خمسة عروضٍ مسرحية لطلاب قسم الإخراج – بمرحلة الدراسات العليا – بالمعهد العالي للفنون المسرحية، تحت إشراف عميد المعهد الدكتور «أيمن الشيوي»، وتنطلق فعاليات موسم (المعهد في الطليعة) بعرض (اعترافات زوجية) المأخوذ عن نص للكاتب الفرنسي ( إيريك إيمانويل شميت ) – من فصلٍ واحدٍ – إخراج وتمثيل «محمد الأباصيري»، بطولة «نغم صالح»، وهو عن زوجة تدعى «ليزا» تحاول مساعدة زوجها «جيل» الذي يعاني من فقدان الذاكرة، وسيشعر أنه قد أصبح غريبًا بالنسبة لنفسه وبالنسبة للمكان عندما تقوده زوجته إلى عش الزوجية، وهو يحاول أن يعيد تشكيل وجوده من خلال ما ترويه «ليزا» له..من هو «جيل»؟ ومن هي “ليزا” ؟ وكيف كانت حياتهما الزوجية ؟ وماذا لو كانت ليزا تكذب ؟


المسرحية تروي كما يظهر من اسمها، قصة زوجين يتجادلان بشأن علاقتهما الزوجية، لنعرف دواخل كل من الزوجين اتجاه الأخر؛ ليجسدا صورة واقعية صادقة لحال كثير من الأزواج، الذين يعيشون تحت سقفٍ واحدٍ، و يكبت كل منهما مشاعره اتجاه الأخر.
تبدأ أحداث المسرحية بقدوم كلٌ من جيل و ليزا إلى بيتهما ليلاً… تدخل هي ويتخلف «جيل» عن الدخول، حيث يقف عند عتبة الباب وفي يده حقيبته، هو ينظر في كل ركن من أركان البيت وكل قطعة أثاث، يبدو وكأنه لا يعرف هذا المكان كما يبدو مترددًا في الدخول، وتحاول ليزا مساعدته بالرد على أسئلته التي لا تتوف، وهي مرةً عن أثاث البيت، ومرةً عن علاقتهما كزوجين، وهل كانت هذه العلاقة ناجحة أم مليئة بالمشاكل، ومن ثم أصبح يتعين عليه أن يصدق كل ما تقوله من أنه كان رسامًا، فهو الفنان الذي قام برسم تلك اللوحات المعلقة على الحائط، كما أنه لم يكن زوجًا غيورًا بل وفيًا مخلصًا، ولا يبرح البيت لعكوفه علي الكتابة والقراءة والرسم، أسئلة الزوج وأجوبة الزوجة تكشف لنا أحداث من الماضي، ولكن هل هو كما تصفه وتحكي له ؟


اعترافات عنيفة
شيءٌ فشيء نرى أن الأمور ليست على ما تبدو عليه، فالزوج يكشف لنا أنه لم يفقد الذاكرة تمامًا، وأنه كان يريد معرفة الحقيقة وما حدث في تلك الليلة، وكيف فقد ذاكرته، تُحيل اللعبة إلى مستوى من الاعترافات العنيفة والمتلاحقة، فالزوج ليس رسامًا، واللوحات المعلقة على جدران البيت هي من رسم الزوجة، المرأة العصبية المدمنة على الكحول، ومن خلال الحديث نكتشف أنها ليست بهذه المثالية، وأنها تحاول إعادة تشكيله كما ترسمه هى في ذهنها، مستغلة في ذلك ما يعانيه من التباس ذهني، واضعةً له صفات خاصة تحبها هى وغير موجودة في شخصيته؛ لتحقق حلمها في ترويض زوجها بعد مرور زمن على حياتهما الزوجية المشتركة، قائلة أنها: «مروضة له».

وقد قدمت هذه الشخصية «نغم صالح» بشكلٍ مميز ٍ ومختلف، واستطاعت التحكم في مشاعرها المختلطة، حيث ظهرت لنا في اللحظات الأولى بشكلٍ مثالي
وكأنها لا تعاني من مشاكل نفسية، وقد ظهر ذلك في مشاهدها مع زوجها في بداية العرض عندما كانت تحاول أن تشكله كما تريد، ومع تصاعد الحوار والكشف عن معانتها تبدأ الممثلة في إظهار بعض هذه الصفات النفسية عليها وعلى حركات جسدها التى كانت هادئة في بداية العرض قبل أن تكشف لنا عن مكنون شخصيتها ،وانفعالاتها في مشاهد المواجهة مع الزوج والنقاش، جميعها كانت واقعيةصادقة، حركتها أيضًا كانت هادئة ومستقيمة في بداية العرض وأخذت تزداد قوة وانفعالًا مع تصاعد الأحداث، وقد كانت ملابسها راقية وهذا يتوافق مع كونها رسَّامة، وقد تغيرت ملابسها في أثناء العرض أيضًا فقد ظهرت في بداية العرض بمعطفٍ، بعد ذلك قميص أحمر وبنطلون، وربطة عنق، وبعد ذلك ارتدت فستانًا أزرق اللون، وقد كان تغيير الملابس بمثابة إظهار اختلاف مشاعر الشخصية ومكنونتها الداخلية بعد أن أظهرت حبها لجيل، فإنها كانت بمثابة بِدْء حياة جديدة، اما عن الماكياج فإنه كان بسيطًا وقليلًا، وتصفيفة شعر رقيقة وبسيطة.


أما عن شخصية “جيل” التى يقدمها «محمد الأباصيري» (مخرج العرض) فإنها شخصية محملة بدوافع نفسية كثيرة، حيث تعرضه لفقدان الذاكرة، وعدم معرفة ذاته، فأنه أصبح إنسان بلا ماضٍ في حالة من التوهان، وظهر في بعض المشاهد هادىء ويحاول أن يفهم ما يحدث له، وفي البعض الأخر منفعل ولا يستطيع تصديق الحقيقة، كما ظهر في بعض المشاهد لين التصرف مع زوجته ويحاول تقبيلها، ومشاهد أخرى كان حاد التصرف والأسلوب، وقد كان التحول لحظي بين جميع تلك الانفعالات والأداءات، وهذا ما عكسه أداء الممثل «محمد الأباصيري» الذي أستطاع بشكل مميز تجسيد الشخصية سواءً على المستوى الحركي أو الانفعالي.



أما عن الديكور، فقد تكون من عدة أقسام، كان مكون من مكتب ومكتبة وكانت ذلك لكتب “جيل” الذى كان يكتُبها، وديكور المنزل الطبيعي وكنبة قديمة نوعاً ما، وقد كان شكل المنزل المرتب الهادىء يعكس شخصية الزوجين فكلاهما شخصيتهما راقية – الزوجة ترسم والزوج يكتب قصصًا- فقد كان الديكور مريحٌ للعين ومناسب مع العرض، كما تكون البيت من مجموعة لوحات رسمتها “ليزا” جميعها لوحات تابعة لفن المدرسة التكعيبية وهي مدرسة من مدارس الفن التشكيلي، وقد أحسنت مهندسة الديكور في اختيارها هذا النوع من اللوحات؛لتعكس به شخصية “ليزا” التى تُعاني من اضطرابات نفسية ومشاعر مختلطة.
وقد تم توظيف الموسيقى بشكلٍ مميزٍ ومُوْفق، فقد كانت هادئة ومناسبة لأحداث العرض، وقد كانت أغنية العرض هي (طِر يَا سحَابًا) التي توضح كم كان كلٌ منهما يحب الأخر، وهي أشعار الفنان الراحل«سيد الأباصيري»، وقد كانت للإضاءة دورٌ كبيرٌ في خلق جو درامي هادىء فقد كانت هادئة وخافته، مناسبة مع ديكور المنزل وحالة العرض



الحوار قبل فوات الأوان
إن العرض يدعو في مجمله إلى ضرورة الحوار بين الزوجين، والعوامل التي جعلت الحب يتحول إلى حالة جمود يصل إليها الأزواج في علاقتهما بمرور السنوات، ذلك الفتور الذي يتسبب في حدوث جريمة سواءً عن قصدٍ أو غير قصد، وهي جريمة اللامبالاة وقطع التواصل بينهم، وهي أسباب كفيلة بأن يتحول كلاهما من حبيبٍ إلى عدو.


تفاصيل العرض
تأليف : إيريك إيمانويل شميت.
دراماتورج: ياسر أبو العينين.
إعداد موسيقي: مصطفى مجدي.
ديكور: ميران حسن
إضاءة: المهندس هادي جمال.
بوستر: إسلام جمال.
أشعار: سيد الأباصيري (طر يا سحابًا).
ألحان: يوسف ممدوح.
تصميم الرقصة: محمود نوح.
مخرج منفذ: محمد خلف
مساعدي الإخراج:الطيب سلامةأ،حمد حامد.

إخراج: محمد الأباصيري.


طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى