سينما

سيف الأمير : فيلم   ” Net work”    ما بين فيلم رائع وأجواء عرض سيئة.

سيف الأمير

لا تزال الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، والإدارة العامة للثقافة السينمائية برئاسة الفنان تامر عبد المنعم، ومدير قصر السينما سهام رضا بحر، وجدول النشاط الثقافي والفني الشهري بقصر السينما برئاسة هتان عبد العظيم، يحرصون على تقديم برنامج عروض سينمائية شهرية مجانية راقية للمواطن المصري.

ومن الأفلام المتميزة، التي تم عرضها فيلم” Network ” ، وهو فيلم رائع، ولكن أجواء العرض كانت شديدة السوء.

يعَدُّ فيلم “Network” للمخرج “سيدني لوميت” من أبرز الأعمال السينمائية، التي ناقشت بذكاء مُتفجّر آليات الإعلام، وسلطته، وانزلاقه نحو الاستغلال التجاري الفجّ، منذ عرضه عام 1976 ، لم يفقد الفيلم حدّته، بل يزداد راهنية في عصر الإعلام الرقمي و”الترندات” اللحظية، كتب السيناريو ببراعة “بادي شايفسكي”، ونال عنه أوسكار أفضل سيناريو أصلي.

الفيلم يسبق عصره عقوداً في التنبؤ بما آلت إليه المؤسسات الإعلامية: “التجارة بالشعور العام”، وتحويل المعاناة الإنسانية إلى محتوى ترفيهي.
فـ “هاوارد بيل” الصحفي المنهار، الذي يُعلن انتحاره على الهواء، يتحوَّل إلى ظاهرة جماهيرية تُستثمر تجارياً، في مفارقة مرعبة ومضحكة في آن واحد، مما يطرح بقوة جرأة الفكرة وبُعدها الاستشرافي.

نص “شايفسكي” غني بالحوارات الذكية، ذات النَّفَسِ المسرحي، والمشحونة بخطابات تحليلية لاذعة عن السلطة، والجمهور، والرأسمالية، أصبح مونولوج “هاوارد بيل” الشهير:
“!I’m as mad as hell and I’m not going to take this anymore”
شعاراً ثقافياً خالداً، ليتضح وجود سيناريو لامع بلغة مسرحية ساحقة.

أبدع الممثل (بيتر فينش) “هاوارد بيل” في أداء الشخصية المضطربة، ونال أوسكار بعد وفاته.
وقد جسّدت ببراعة “فاي دانواي” شخصية مديرة البرامج الباردة، التي تُمَثِّلُ النموذج الأقصى لتحوّل الإنسان إلى أداة في ماكينة الإعلام.
كما وأضفى “ويليام هولدن” ثقلاً إنسانياً في دور المنتج التقليدي الحائر بين المبادئ والتجارة.

واستفاد “سيدني لوميت” من خبراته المسرحية والتلفزيونية، فجاء التكوين البصري للفيلم محاكياً لتقنيات البث، مضيفاً طابعاً
توثيقياً يخدم الفكرة من خلال إخراج دقيق يُحاكي البث التلفزيوني.

لكن رغم عمق الحوار، فإن كثافته، وطول المشاهد الحوارية، قد يرهقان جمهور اليوم المعتاد على الإيقاع السريع والمونتاج الخاطف؛ حيث اللغة المسرحية المكثفة قد تُربك المتلقي العصري.

وبعض الشخصيات تبدو كأنها أدوات رمزية أكثر من كونها بشراً حقيقيين، ما يُضعف تعاطف المُشاهد معها على المستوى النفسي، وإن كانت فعَّالة درامياً وفكرياً؛ حيث مثالية الشخصيات أو تطرفها الرمزي شكل عائقاً وعبئاً عن التفاعل.
لم تكن العلاقة بين شخصية “ويليام هولدن” و”فاي دانواي” مقنعة درامياً بما يكفي، وبدت أقرب إلى أداة خطابية حول الفراغ العاطفي لعصر الإعلام، منها إلى علاقة بشرية نابضة، فقد كانت حبكة فرعية عاطفية غير مُقنعة.

إن الفيلم فيلم نادر، يُذكّرنا بأن السينما يمكن أن تكون أداة تنبؤ وتفكيك اجتماعي، لا مجرد وسيلة تسلية، إنه درسٌ حادٌّ في الإعلام والرأسمالية، لا يفقد صداه رغم مرور ما يقرب من نصف قرن، وبين عظمة الرؤية وبعض تعقيد الأسلوب، يبقى من أعظم أفلام القرن العشرين، وأكثرها جرأة.

ولكن للأسف أجواء المشاهدة لم تعد صالحة كسابق عهدها، فبالرغم من إجتهاد المنظمين في اختيار أفلام منتقاة بعناية وذوق سينمائي ثقافي عالي، ومحاولاتهم إزالة أية معوقات أو مضايقات، لكنهم فشلوا أمام ظاهرة جديدة، تترسخ مع حضور فئة جديدة من المشاهدين.

حيث يدخل بعض المشاهدين- وهم قلة قليلة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة- ومعهم مأكولات داخل قاعة العرض!، داخل أكياس بلاستيك، لا يكفون عن تحريكها كل دقيقة أو دقيقتين، علاوة علي أكياس المأكولات المُغَلَّفة مثل البطاطس المقرمشة، ومختلف المقرمشات وحتى اللب!

ومهما صبر باقي المشاهدين، أو دخل القاعة أحد المنظمين المحترمين لإيقاف ذلك، فما أن يخرج حتى يعودون لإصدار أصوات “قرقضة” الفئران والسناجب تلك في آذان المشاهدين، إلى أن تنفلت أعصاب أحدهم بعد فقدان كامل القدرة على التحمُّل ويزعق فيهم، أو يخرجون من تلقاء أنفسهم بعدما أفسدوا أجواء المشاهدة، وبالتالي يكون قد خرج ثُلث المشاهدين المحترمين بسببهم، فلن يذهب أحد ليتشاجر بدلاً من الاستمتاع بمشاهدة فيلم راقٍ في مكان محترم.

فياليت أن يحدث مثلما يحدث في باقي الأماكن الأخرى من حيث بقاء أحد ممثلي المكان أو الأمن داخل القاعة طوال فترة العرض لمنع أية تجاوزات أو مخالفات أو مشاجرات، حتى لا يتم إهدار كل تلك المجهودات بسبب قلة لا تحترم المكان ولا قواعد وآداب المشاهدة.


★صحفي ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى