آية الكحلاوي:”دراكو رع”.. تهزم رعب دراكولا، وتنتصر بالحب على لعنة المصريين القدماء.
آية الكحلاوي ★
يعرض في دور السينما حالياً، الفيلم المصري “دراكو رع”، والذي يمكن تصنيفه في فئة أفلام الرعب الكوميدي، وهو من تأليف بطلي الفيلم شادي ألفونس، وخالد منصور، ويشاركهم في التأليف، مينا خزام، ومحمود الفار بناءً على فكرة من محمد خير زعيتر، والإخراج لكريم أبو زيد.
تدور قصة الفيلم حول قبيلة من زمن المصريين القدماء، أصيبت بلعنة من قبل الملك رمسيس الثاني؛ الذي لعن القبيلة بلعنة رع، تحوّل أفراد القبيلة على إثرها لمصاصي دماء، تحرقهم الشمس ما إن تظهر عليهم، وتستمر هذه القبيلة في العيش حتى القرن العشرين، عندما تهجم عليهم مجموعة بشرية تقوم بالفتك بهم، ويستطيع الشقيقان أحمس ورمسيس النجاة، ويحاولان فك هذه اللعنة، والعودة كبشر طبيعيين، وأثناء ذلك يقعان في الحب!
نقدياً؛ لا نستطيع الضغط على فنيات الفيلم كثيراً؛ كونه فيلماً تجارياً، الهدف منه هو تحقيق الكوميديا كونها جرعة يحتاج لها الجمهور باستمرار؛ للحفاظ على صحته النفسية، وقد حقق الفيلم هذا الهدف بالفعل، فالفيلم يندرج تحت فئة العائلي، وقد حقق القدر الكافي من الضحك، دون الاعتماد على الابتذال القولي، أو الفعلي، أو تحقيق الضحك من خلال التنمر على الجسد، أو الشخصية.
اِنشغل صُنَّاع الفيلم عن حبكته في أثناء بحثهم عن تحقيق الضحك، فيبدأ الفيلم ببانوراما سريعة عن حياة القبيلة، والشقيقين أحمس ورمسيس، بمرور الأزمنة المتعددة عليهما، بداية من عصر كليوباترا مروراً بمذبحة القلعة، حتى عام ١٩٢١ عندما يُهاجِم البشر من أهل القرية، قصر القبيلة عندما يسمعون بتواجد مصاصي دماء بينهم يهددون وجودهم، ووجود أبنائهم، فتتشتت القبيلة بالموت، أو الهرب، ولم يتبقَّ منها سوى الشقيقين أحمس ورمسيس، اللذين يتخذان من مخبأ تحت الأرض، مسكناً لهما، ويقوم على خدمتهما عبدهما (الزومبي) مادا، والذي يعمل؛ ليوفر لهما الدماء كي يستمروا في العيش.
فبداية الفيلم تبدو مبهمة؛ بحيث لا نستطيع أن نتعرف على الشخصيات من هم، وما هذا المرور الزمني عليهم، وماعلاقتهم بالأحداث التاريخية المهمة المذكورة؟ وماعلاقتة كونهم مصريين قدماء بالدراكولا؟ بحيث لم توضح الأمور؛ إلا مع العثور على فيديو الكاهن سيتي، والد أحمس ورمسيس؛ الذي تركه لهم قبل وفاته (١٩٢١) يبدأ بسرد الأسرار، والكشف عن اللعنة وأسبابها، بل وكيفية حلها، الموجود في بردية موجودة في موضع قلب رمسيس الثاني، وهذا الإبهام ليس له علاقة في الرغبة بتحقيق الإثارة، فالإثارة معناها أن يسأل المشاهد، ما الذي سيحدث؟ وليس أن يسأل ما الذي يحدث!، هذا بجانب أن قصة الفيلم وحدها مثيرة، وتحقق الإثارة اللازمة؛ التي تبقي المشاهد دائماً متحمساً على أهبة الاستعداد.
بالمجيء للصراع، فإنه يشتعل على أكثر من طرف، فالصراع بين الأجداد في الماضي، يتبناه الأحفاد في الحاضر، فنجد الصراع بين رمسيس الثاني، وقبيلة زوجة كاهنه سيتي، والذي انتهى بلعنة القبيلة، يمتد في الحاضر بين أحمس ورمسيس (أحمد ورمزي)، وبين البشر من أحفاد المصريين القدماء، ومن جهة أخرى، الصراع بين الدراكورع (مصاصي الدماء المصريين) وبين الدراكولا (أصلهم روماني) على القيادة والسلطة، ويشتعل الصراع في طرف آخر بين الدراكولا الرومانيين، وسيد فان هيلسينج، حفيد فان هيلسينج، الذي يسعى من جديد، مثل والده فإن هيلسينج، لاصطياد مصاصي الدماء.
بدت موسيقى الفيلم مألوفة، ووضعها للفيلم أشرف الزفتاوي، وعلى الرغم من مناسبتها للفيلم؛ إلا أنها لم توظف جيداً؛ بل وضعت كاريكاتيريا بحيث اشتغلت مع الفيلم بشكل مستقيم لم تفصل فيه، على الرغم من أن للموسيقى وظيفتها، تشتغل عند الحاجة إليها، كإعلاء الحدث الدرامي، أو إبراز مشاعر شخصية ما، ولكنها اشتغلت في الفيلم كموسيقى الأفراح لم تفصل أبداً.
الفيلم قدَّم مواهب تمثيلية رائعة تستحق التقدير، بداية من الطاقم النسائي كالوجه الجميل، يارا عزمي، والجميلة ملك بدوي، فملك أعطت الجزء الرومانسي في الفيلم حقه، وقد قدَّمت دور منيرة حبيبة، رمسيس الذي تم قتلها في الماضي أثناء هجوم أهل القرية من البشرعلى قبيلة أحمس، ورمسيس، ولكنه وجدها مرة أخرى بعد المرور الزمني في شخصية نور، في إشارة لفكرة تناسخ الأرواح، أما يارا عزمي، فقدمت دور ملك، دكتورة المصريات، والتي ساعدت أحمس ورمسيس، في فك رموز البردية التي تحتوي على فك اللعنة، وقد أضافت روحاً خفيفة، ونفحة كوميديا مميزة للفيلم.
بجانب الفنان إسماعيل فرغلي، الذي كان اختياره لدور الكاهن الفرعوني سيتي، مناسباً جداً، ظهر البطلان، شادي ألفونس، في دور رمسيس، وخالد منصور في دور أحمس، أو بالاسم العصري لهم رمزي، وأحمد، وقد قدَّما روح الكوميديا والخفيفة، وكذلك التناقض بينهما باقتدار، فأحمس على عهده في عدائه مع البشر، راغباً في الانتقام، بينما رمسيس محبٌ للبشر؛ حتى أن حبيبته بشرية، يريد أن ينسى الانتقام، وأن يبني جسور السلام مع البشر، هذا التناقض، اِستطاع أن يظهره البوستر الترويجي للفيلم؛ حيث نجد ملامح أحمس قاسية، وملامح رمسيس رقيقة ومحبة، وفي حين يمسك أحمس، علبة دم بوشم فصيلة AB+ ، يرسم رمسيس قلباً، مما يجعلنا أمام بوستر مميزٍ ومعبرِ ودالٍ ، وعلى الرغم من هذا التناقض بين أحمس، ورمسيس تربطهما روابط الحب والأخوة.
نشأت الكوميديا بشكل متوازن من جميع أبطال الفيلم، لكن النصيب الأكبر منها اِستطاع أن يحققها الممثل الشاب فارس الحداد، في دور العبد مادا؛ الذي يبشر بميلاد كوميديان حقيقي، وكان يستحق أن تكبر مساحة الدور من أجل موهبته، فقد قدَّم دور مادا، العبد الزومبي الذي يحلم بالترقي طبقياً، بأن يتحول إلى مصاص دماء، وهو الأمر الذي يطلبه دائماً من سيديه أحمس، ورمسيس، بأن يعضوه؛ ليتحول، ولكنهما دائماً ما يتجاهلان طلبه.
وساعد في التعبير عن تلك الشخصيات، الملابس المميزة، وكذلك الديكور؛ الذي جاء بسيطاً، وواقعياً غير مبالغ فيه، فكان الديكور، والملابس عناصر مكملة، ومميزة للفيلم.
وفي لفتة مثيرة أخرى في الفيلم، اِستطاع الفيلم من خلال نهايته أن يخرج من المنطقة التقليدية، ويكسر أفق التوقع للجمهور؛ حيث كان من المتوقع أن يقوم أحمس، ورمسيس بفك اللعنة، ولكن هذا ما لم يحدث.
الفيلم خليط من فيلم a night at the museum وفيلم twilight بشكل كوميدي، اِستطاع أن يقدِّم فكرة جديدة بالربط بين أسطورة دراكولا الشهيرة، وأساطير لعنة المصريين القدماء؛ بحيث تجعلها تجربة جديدة، تستحق النظر لها.
★ناقدة ـ مصر.