سينما

ضحى السلاب: حين تكون” رسالة البريد ” بطلاً في أفلامنا السينمائية.

ضحى السلاب★

يحتفل العالم يوم ٩ أكتوبر بيوم البريد؛ حيث تعد الرسائل المكان الآمن الذي يتحمل صراعات الإنسان مع نفسه، وتساؤلاته التى تجبره في  كل مرة على اكتشاف نفسه،  والتعرف على هويته الذاتية بكل صدق وشفافية، والبحث عن حريته، فالهوية مركباً من مركبات هذه الحرية بشقها الفردي، والتي لا يمكن أن تعبر عن نفسها إلا في إطار بيئة مناسبة.
وقد قدمت لنا السينما المصرية عدداً من الأفلام كانت بطلتها الأهم هي” رسالة البريد” التي شكلت الصراع الرئيسي لبطل الفيلم مع من حولة بحثاً عن إجابة على سؤال واحد ” من  أنا ؟” ربما يصادف هويته الذاتية في طريق البحث عن الإجابة، ومِنْ ثَمَّ يجد حريته، مثل ” سلمى ” حنان ترك، في فيلم أحلى الأوقات ٢٠٠٤ تأليف وسام سليمان، وإخراج هالة خليل، سؤالها في عدة رسائل قديمة تحوي كل ذكريات الطفولة والمراهقة؛ لتتمكن “سلمى” في النهاية من التَّعَرُّف على ذاتها التائهة عند بيتها القديم، ومدرستها، والإستوديو الخاص بأبيها، والتي  لم  تتمكَّن من رؤيتهم بوضوح إلا بعد ارتداء نظارتها الطبية القديمة؛ التي تُعَبِّر عن هويتها الحقيقة بدون تزييف.


وحسن ” أحمد حلمي ” في فيلم ” آسف على الإزعاج ” ٢٠٠٨ تأليف أيمن بهجت قمر، وإخراج خالد مرعي، مهندس الطيران المريض نفسياً؛ الذي تَوَهَّمَ أنه يكتب العديد من الرسائل إلى رئاسة الجمهورية؛ يحدث  فيها الرئيس عن اختراعه الجديد لمكينة موفرة لوقود الطائرة، وفي كل مرة يخبره صوتٌ  بداخله  بالرد؛ الذي يريد سماعه، فيفرح ويستمر في كتابة المزيد من الخطابات؛ حتى يصطدم بصندوق البريد، فتسقط كل الخطابات على رأسه،  ويكتشف أنها لم تُرسل، فيحاول بعدها تَقَبُّل الشخص المريض بداخله حتى يعالجه، وينحج  في تنفيذ مشروعه؛ في رسالة رمزية إلى أنه كان يكتب لذاته، ويحدثها لتجيبه عن السؤال ذاته ” من أنا “؟ 

ويحيى “آسر ياسين ” الذي حاول الإجابة على نفس السؤال مرتين؛ المرة الأولى في فيلم ” رسائل البحر” تأليف وإخراج داود عبد السيد، عندما كان طبيباً شاباً متخرجاً من كلية الطب، ولكنه يعاني من اضطرابات في نطق الكلام، ويتعرض بسبب ذلك للسخرية من أصدقائه وزملائه، فيترك الطب، ويقرر العمل صياداً،  وفي كل مرة يأتي له الموج بزجاجة تحمل رسالة يحاول تفسيرها؛ ولكنه يفشل؛ حتى يلتقي في رحلته بنورا ” بسمة” التى تخبره أنه يمكنه فك شفرة هذه الرسائل؛ عندما يتصالح مع رسائل الحياة؛ التي تخبره أنه يجب أن يَتَقَبَّل نفسه مهما كان اختلافها عن الآخرين.


والمرة الثانية في فيلم ” صاحب المقام” تأليف إبراهيم عيسى، وإخراج محمد العدل؛عندما كان رجل أعمال ينوي بناء منتج سياحيٍّ في منطقة بها مقام يُدعى “مقام سيدي هلال”، وكي يستطيع بناء هذا المنتجع لا بُدَّ له أنْ يهدم المقام، ومن هنا يبدأ مع شريكَيْه التوأمَيْن (بيومي فؤاد) تداول القضيَّة، وكيف يحتالون في سبيل هدم هذا المقام؛ الذي يأتي إليه الناس من بعيد؛ ليتبرَّكوا به، ويطلبوا منه الغفران والسماح وقضاء الحوائج، وعندما يستقرّ الرأي على هدم المقام؛ تبدأ حوادث غريبة في حياة يحيى وعمله؛ فتنهارأسُهُمُه في البورصة، ثم يُحرق له بيت كبير بمحتوياته، ويصيب الضرر أرضاً له، وفي ظلّ شكّ بدأ ينبعث في نفس يحيى، أنَّ السبب هو تجرُّؤُه على هدم المقام تسقط زوجته (أمينة خليل) مغشيًاً عليها، وتنقل إلى المشفى؛ لتوصف حالتها بأنَّها نزيف في المخ لا مبرِّر له، ثمَّ تستمرّ في غيبوبتها رغم كلّ ما فعله الطبيب، ولا يعلم أحد ما بها، وفي المشفى يجد يحيى، شخصيَّة جديدة هي “رُوح” (يسرا) التي تخبره أنَّ عليه الذهاب، وطلب السماح من الذين أغضبهم، فيعرف يحيى، أنَّ المقصود هو إغضابه للأولياء الموتى في قبورهم، ويستنتج من كلامها أنَّ عليه طلب السماح من بقيَّة الموتى الأولياء الذين غضبوا على هدم مقام صاحبهم “هلال”، فيبدأ  رحلة لمساجد الأولياء وصولاً لمقام “الإمام الشافعيّ” والذي يجد عنده أحد معارفه القدامى.

ويطَّلع فيه على الرسائل التي يتركها الناس في مقام الإمام طالبين منه المعونة والغوث، فيقرِّر أن يساعدهم كيْ ينقذ زوجته المريضة، وبالتالي فإن هذه ” الرسائل”  ربما أوجدها الله لشخص واحد اسمه ” يحيى” ليس الشخص؛ وإنما ذاته الصادقة المحبة للخير؛  فى دلالة على أن خير ما يبنيه الإنسان في الدنيا نفسٌ تساعد غيرها.


★كاتبة ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى