شيماء مصطفى: نجاة ..الصوت الدافىء الذي منح للحب أجنحة!
شيماء مصطفى ★
بالتماس تنبؤي لتكوين شخصيتها سواء على أرض الواقع أو في أشهر أعمالها سواء كانت غنائية أو سينمائية تغنت نجاة الصغيرة بكلمات سعاد الصباح وألحان كمال الطويل قصيدة” لا تنتقد خجلي ” 1998 .
والمستمع لهذه القصيدة والمتأمل لها، والمشاهد المتفحص لأعمالها السينمائية: الشموع السوداء 1962 ، شاطىء المرح 1967، 7 أيام في الجنة 1969، ابنتي العزيزة 1971. سيجد أن شخصية نجاة الصغيرة وأدوارها لا تتمرد على الإطار الذي تغنت به في القصيدة ذاتها عام 1998.
فهي الخجولة التي ترى نفسها في وضعية أقل من الحبيب دائمًا سواء على المستوى الاجتماعي أو التكوين الجسدي، أو حتى فارق السن، فكان صالح سليم( أحمد ) الذي لعب دور الشاعر الذي أحبته في الشموع السوداء هو سيد الكلمات.
يا سيد الكلمات..هبني فرصة
حتى يذاكر درسه العصفور
من أين تأتي بالفصاحة كلها
وأنا يتوه على فمي التعبير.
وهو الرجل الخبير بعالم النساء والاحتواء ، وهي الفتاة الصغيرة في أولى تجاربها الغرامية أمام رشدي أباظة ( شريف سعد الدين) في ابنتي العزيزة ، فكان له هو أيضًا من كلمات القصيدة نصيب:
خذني بكل بساطتي..وطفولتي
أنا لم أزل أخطو..وأنت كبير
الأرض تحتي دائمًا محروقة
والأرض تحتك مخمل وحرير
ورغم أن هناك ثمة ندية في علاقتها بأحمد (حسن يوسف) في شاطىء المرح و7 أيام في الجنة إلا أن الأغاني حملت للحبيب نوعًا من الاستثنائية بأغنيتن (القريب منك بعيد) في شاطىء المرح، و(إلا أنت) في 7 أيام في الجنة، وللمفارقة أن كلا الأغنتين من كلمات حسين السيد وألحان محمد عبد الوهاب.
ففي شاطئ المرح تغاضت عن كل ما اقترفه الحبيب لتقول:
” كل ده وقلبي اللي حبك لسة بيسميك حبيب”
ثم تعود بعد عامين وبالتحديد في 1969 بالتعاون مع حسين السيد ومحمد عبد الوهاب وتغني في فيلم 7 أيام في الجنة بأغنية( إلا أنت)، فهي المرأة التي تغفر رغم الجفاء وترى الدنيا بعين الحبيب.
فثمة تناغم بين صوت نجاة وشخصيتها وعبد الوهاب وحسين السيد ومقام البياتي الذي تنتقل من خلاله في انسيابية تامة في حالات التأرجح بين الفرح والحزن والرقة والشجن داخل الأغنية الواحدة، وهو المقام الغالب على معظم أعمالها، وإن كانت في أغانيها الأخرى ذات الطابع القصائدي مثل( أيظن)، (لا تكذبي)، (متى ستعرف) تكيفت بسهولة مع مقام العجم، أما عن الطابع القصصي في أغانيها فلم يقتصر الأمر على القصائد التي تغنت بها فأغلب أغانيها كذلك فعلى سبيل المثال أغنية( أما براوة ) من كلمات مرسي جميل عزيز وألحان محمد الموجي في فيلم ابنتي العزيزة لم يكن الاعتماد على مقام البياتي للتنقل بين الحزن والفرح والشجن قدر ما ينقل لنا حالة الحيرة التي تمر بها الشخصية في سرد قصصي عبر الموسيقى في البداية لتمهد للتساؤلات التي تطرحها في الأغنية واللجوء اضطرارًا للآخرين لحسم الصراع فتقول:
أروح له ولا أروح وبلا شقاوة
ثم تقول:
يا ناس قولوا لي قولوا لي ما تحرموني
أحب لوم العوازل لما يلوموني.
وبعيدًا عن التلذذ بالألم واعتياده كما حدث في (إلا أنت) و(القريب منك بعيد)، لم تكن ( أما براوة) الأغنية الوحيدة التي جسدت ألم البطلة أو حيرتها، فقد سبق وتجرعت ويلات الحيرة في أغنية (إيه هو ده )من كلمات مرسي جميل عزيز وألحان محمد الموجي أيضًا، فتقول:
غلبت واحتار غلبي
إيه الحكاية ياقلب
تكونش بتحب !
وإن كانت قد وجدت ضالتها بقولها:
أيوه أنت بتحب
لكن سرعان ما عادت للحيرة والخوف والتراجع عن البوح :
اشمعنى ده ارتحت له…
أنا عايزة أحكي له خايفة
فكانت حيرتها نفسية وصراعها خاص لم يطلع عليه أحد، عكس (أما براوة)، فكانت نجاة مع الموجي ومرسي جميل عزيز المحبة الحائرة، أما نجاة مع حسين السيد ومحمد عبد الوهاب فهي المحبة المتألمة التي تغفر لحبيبها، وقد ظهر هذا بشكل أوضح في أغنية (يا مسافر وحدك) من كلمات حسين السيد وألحان محمد عبد الوهاب :
ودعني من غير ما تسلم
وكفاية قلبي أنا مسلم.
وفي أغنية( كل شيء راح) كلمات إسماعيل الحبروك وألحان بليغ حمدي من فيلم الشموع السوداء حين قالت:
غصب عني قلبي خدني وراح يصالحك
غصب عني قلبي فاتني وراح مسامحك
بكرا تندم لا يا رب فى يوم ما تندم.
وفي أغنية (ع اليادي) من فيلم شاطئ المرح تلاقت مع عبد الحليم حافظ في أغنية (خايف مرة أحب) من فيلم يوم من عمري، فتقول نجاة:
لا العاشق مرتاح
ولا الخالي مرتاح
ويقول العندليب:
أندم لو حبيت وقاسيت
وأندم لو عمري ما حبيت.
وإن كان التلاقي في الحيرة والإقرار بعدم ضمان الراحة واستخدام مقام البياتي فإن الاختلاف كون( ع اليادي) تحمل روحًا لبنانية بلحن عبد الوهاب وكلمات حسين السيد، أما أغنية العندليب فقد سبقتها حيث تم إنتاج الفيلم عام1961 بألحان بليغ حمدي وكلمات مأمون الشناوي، فضلًا عن كون حليم غناها أثناء ركوبه السيارة مع عبد السلام النابلسي ليبوح لصديقه بمخاوفه، أما نجاة فكانت تركب الأتوبيس المتوجه للإسماعيلية في رحلة مع صديقاتها، في تأكيد على أن الطبيعة الذكورية تفضل البوح أمام شخص واحد، عكس الأنثى التي تحاط بالصديقات.
وقد تقاطعت أعمالها السينمائية في عدة ثيمات منها اليتم كفيلم (ابنتي العزيزة) المأخوذ عن رواية صاحب الظل الطويل أمام رشدي أباظة ، وفيلم الشموع السوداء المأخوذ عن القصة التركية (تحت ظلال الليلك) وفيلم ( 7 أيام في الجنة) أمام حسن يوسف، وفيلم (جفت الدموع) أمام محمود ياسين، وفي جميع الأعمال التي تم ذكرها كانت بحاجة لوجود عائل يقوم مقام الأب فنجد الخال أمين الهنيدي في( سبعة أيام في الأسبوع) ورشدي أباظة الأب البديل أو بابا علي علي في ( ابنتي العزيزة)، ومحمود المليجي في ( جفت الدموع).
حتى في أسمائها فكانت (هدى، فاطمة ، إيمان، كروان، نورة) أسماء شرقية حمل صوتها الخجل والدفء الأنثوي، واختيارها للأدوار التي تتلاءم وميولها، فنجاة وإن كانت ليست ممثلة ، فإنها لم تعرف يومًا ماذا تعني حياة متوازنة، فهي حين تحزن لا تبكي بل تنهمر، وحين تفرح لا تبتسم بل تشع، وحين تغني عن الحب، فهي لا تحب بل تمنح حبيبها أجنحة.
★سكرتير التحرير.