محمد فهمي: رحلوا الحبايب..رحيل ملك الأغنية الشعبية “أحمد عدوية”.
محمد فهمي★
رحل مساء أمس “ملك الأغنية الشعبية” الفنان “أحمد عدوية” عن عمر يناهز 79 عاماً وذلك بعد صراع طويل مع المرض، وقدم “عدوية” خلال رحلته الفنية أعمالاً خالدة في ذاكرة الفن المصري وبالأخص في فترة السبعينات تاركاً خلفه إرثاً فريداً في فن الأغنية الشعبية، ومن المعروف أن الأغنية الشعبية في مصر لها مذاق خاص إلا أنها تعاني من الهجوم والانتقاد بسبب استخدام الألفاظ العامية التي تستهدف ذوق ونبض وأحاسيس المواطن المصري البسيط، ويرجع أيضاً هذا الانتقاد لتلقائية المطربين الشعبيين وبساطتهم في أداء الأغاني ولكن بعد نجاح أغانيهم يتم تقديرهم بشكل كبير وهذا ما حدث مع “عدوية” في بداياته الفنية.
تفسد الذوق العام
بين “يا مسهرني” لكوكب الشرق “أم كلثوم”، و”رسالة من تحت الماء” “عبد الحليم حافظ”، وبداية ظهور أمير الغناء العربي “هاني شاكر”، “سلامتها أم حسن” أسرت عقول وقلوب المصريين، هذا بسبب الذوق العام الذي رحب بجميع الفنانين في تلك الحقبة؛ لوعي المصريين بما يُقدَّم إليهم من فن.
يُعد “أحمد عدوية” واحداً من أهم أعمدة الأغنية الشعبية في مصر، وتمكن من التعبير عن الشارع المصري وجيل الشباب في وقته بكل سلاسة ويسر وبألفاظ قريبة منهم، وضعته امام مدفع من الانتقادات واتُهم هذا اللون في هذا الوقت بإفساد الذوق العام ولكن فيما بعد أصبح “عدوية” مرجع للأغنية الشعبية في مصر.
قام “أحمد عدوية” بتكسير كافة القوالب والأنماط لمطربي العهود السابقة وتفاعلت معه الطبقات الشعبية ونتيجة لتلقائيته وموهبته الفطرية انتشرت أغانيه في الأفراح والحفلات ولا أخفيك سراً عن التنافس الذي نشأ مع أباطرة الفن المصري وقتها أمثال العندليب “عبد الحليم حافظ”، و”محمد عبد الوهاب”، ولكنه لم يتطرق أبداً لتلك الانتقادات بل وثق في محبيه من البسطاء وحاز على ثقة العديد من صناع الفن، فلاقى دعم من الموسيقار “بليغ حمدي” ولحن له أغنيتي “القمر مسافر” و”ياختي اسملتين”.
ثنائية مع الشاعر “حسن أبو عتمان”
كان أول ظهور للفنان “أحمد عدوية” في أغنية “سلامتها ام حسن” التي لم تكن بهدف الطرب الشعبي ولكن كانت إسقاطاً على حال مصر وقتها بعد النكسة.
وبعد انتصار حرب أكتوبر عاد “حسن أبو عتمان” وكتب أغنية “كله على كله” وبسبب تلك الهارموني بينهم كتب “أبو عتمان” أغنية “عيلة تايهة تايهة” وكان يداعب بها ابنته “أخلاق” والتي كانت تختبئ منه وهو يراها فكتب لها الأغنية وغناها “أحمد عدوية”، ولكن أشهر عمل فني جمع بين هذا الثنائي كانت أغنية “زحمة يا دنيا زحمة” وكتبها “حسن أبو عتمان” في ليلة قضاها داخل السجن بسبب شك ظابط الكمين به وبصديقه وكانت من ألحان “هاني شنودة” وحققت نجاحاً كبيراً.
المحبوب من الجميع
على الرغم من التقليل من مطربي ومؤدي الأغنية الشعبية على مدار تاريخ الفن المصري لكن كان لعدوية مكانة خاصة عند الجميع، فلك أن تتخيل أن “أحمد عدوية” قدم حفلات في أوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج وكان صديقاً مقرباً من قامات فنية كبيرة أمثال الزعيم “عادل إمام” و”محرم فؤاد” و”إسعاد يونس”، وأعجب به الأديب العالمي “نجيب محفوظ” والعندليب “عبد الحليم حافظ”، ودافع عنه الكاتب والصحفي “أنيس منصور” مردداً ان صوت “عدوية” صوت شجي ولديه موهبة جبارة هو نفسه لا يقدرها وعلى صناع الفن احترام تلك الموهبة والوقوف بجانبها.
وبسبب مكانته عند الجمهور شارك في العديد من الأعمال السينمائية بلغت 27 عملاً سينمائياً فقدم الشاب البسيط الذي يكافح في الحياة ولديه صوت جميل يطربنا به في تلك الأفلام، فشارك في فيلم “4-2-4″، و”المتسول”، و”حسن بيه الغلبان”، و”مطلوب حياً أو ميتاً”، و”شعبان تحت الصفر” وغيرها من الأفلام.
حادث غير حياته
تعرض في نهاية الثمانينات لحادث غامض لن اتطرق إليه ولكنه تسبب في إصابته بالشلل لفترة طويلة وابتعد عن الساحة الفنية قبل أن يعود ويستأنف نشاطه الفني مرة أخرى وذلك بإعادة توزيع أغانيه القديمة أو مشاركة نجوم الشباب في أعمال ذات طابع شعبي كأغينة “الناس الرايقة” مع النجم اللبناني “رامي عياش” وعاد ليتلقي بأحبائه وجمهوره في الوطن العربي وعلى الرغم من تلك الحادثة إلا أنه ظل على رأس كبار الأغنية الشعبية وكل النجوم الذين ظهروا بعده ذكروا أنهم تربوا على أغانيه وأعجبوا بموهبته وبساطته أمثال حكيم، سعد الصغير” ابنه المطرب “محمد عدوية”، عبد الباسط حمودة، محمود الليثي.
رحيل قبل الرحيل
رحل النجم “أحمد عدوية” بعد مشوار طويل لم يكن هيناً عليه بعد هجوم شديد على اللون الفني الذي يقدمه، وبدأت الأحكام تسقط عليه كالصاعقة بأن تلك الأغاني تخالف التقاليد والأعراف، ولكن استمراره وتركيزه على مسيرته الفنية والنجاحات التي حققها وضعته بين الكبار في مصر، وكانت آخر 6 أشهر في حياته هي الأصعب وذلك بعد رحيل زوجته وقرر “محمد عدوية” ابنه أن يستضيفه في منزله لرعايته وقد عانى من وعكة صحية قبل وفاته مباشرة ووافته المنية على إثرها .
★كاتب ـ مصر.