سينما

شيماء مصطفى: (أنت حبيبي)…. اترك زمام قلبك لحبيبك!

 شيماء مصطفى★

يَقُولُ  النَّاقدُ السينمائي محمود عبد الشكور في مقدمة كتابه كيف تُشاهدُ فيلمًا سينمائيًا “لو كانت الأعمالُ الفنيةُ تُحرق؛لأننا عرفنا الحدوتة لما شاهدنا أكثر من مرةً أفلامًا نَعْرِفُ أحداثها وتفاصيلها بل وتحفظ جُمل حوارها” وفقًا لمقولته هذه فالأعمال السينمائية تتجاوز فكرة الحدوتة،فالأفلام تكشف لنا معانٍ وأفكارًا وانفعالاتٍ وأحاسيس من خلال تقنيات الصوت والصورة والمونتاج. ورغم أن تيمة الفيلم تدور حول زواج أبناء العم كشرط أساسي للحصول على الميراث  أو كحلٍ لوقف الثأر  أو الخلافات بين العائلتين وأي إن كان سبب الزواج  إلا أننا نجد أنفسنا أمام عروسين يرفض كل منهما الآخر ويتم بينهما اتفاقٌ آخر بعيدًا عن أعين العائلة، وسرعان ما يقع الطرفان في الحب.
والمتأمل لفيلم أنت حبيبي لفريد الأطرش وشادية  سيجد  أنه ورغم استهلاك هذه التيمة فترة الخمسينيات والستينات إلا أن صُناع العمل نجحوا في استغلال  موهبة فريد وشادية الغنائية لخدمة العمل فلم تعد الحدوتة التيمة الأساسية في الفيلم كمحور جذبٍ للجمهور  ولم يتم إقحام الأغاني  في العمل فقط لأن فريد وشادية يجيدان الغناء كما حدث في العديد من الأفلام بل لعبت الأغاني دورًا بارزًا في دعم الحدوتة فانكشف من خلالها ما يدور في ذهن أبطالها من مشاعرٍ وانفعالاتٍ فنجد أن الأغاني لم يعد يقتصر دورها في العمل على تحقيق المزيد من الإيرادات لصُناع العمل. ياسلام على حبي وحبك.
في البداية قام فريد الأطرش بغناء، مرة يهنيني مرة يبكيني من  كلمات فتحي قورة وألحانه وفي هذه الأغنية أكد فريد الأطرش على وضع العلاقة بينه وبين الراقصة نانا (هند رستم)، فيقول مرة يهنيني مرة يبكيني وأنا كلمة تجيبني وكلمة توديني فنجده في هذا المقطع القصير يصف  وضعه بدقة شديدة  ويكمل يهجرني وأحلف ما أكلمه تاني  ويجي ما أعرف راح فين حلفاني أيام يخاصمني وإن قلت أنساه. وبتأمل بسيط للأفعال في هذه الكلمات سرعان ما نكتشف أن نانا هي الطرف المسيطر في هذه العلاقة،وخيوط لعبة الحب أو بالأحرى ادعاء الحب كلها في يدها وحدها،وهو مستسلم تمامًا لها ولأغراضها، ولكن بعد ظهور ياسمينة شادية يبدأ الوضع بالتغير تدريجيًا فنجد أغنية يا سلام على حبي وحبك من كلمات فتحي قورة أيضًا، لتوثق اتفاقًا سريًا تم بينهما فتتيقين الأسرتان أسرة فريد وأسرة ياسمينة أن الزواج سيتم أخيرًا بعد فترة من التهرب خاضها كلاهما، ويتضح هذا  أيضًامن خلال المشاركة والمناصفة. فتبدأ شادية المقطع ويردد فريد ويغني فريد ومن بعده ياسمينة،مما يحقق مبدأ تكافؤ الفرص بينهما ويؤكد على أن الاتفاق لصالح الطرفين فلا أحد أفضل من أحد. حبيت الفلاحة! بعد الزواج يغني فريد واحدة من أروع ما قدم: يا مقبل يوم وليلة من كلمات محمود فهمي إبراهيم فيمتعنا فريد وهو يقول: يا مقبل يوم وليلة اطوي السكة الطويلة وديني بلد المحبوب.
تشكل الأغنية مجازًا باعتبار ما سيكون فهناك وحين يصل لقضاء شهر العسل مع زوجته يقع كل منهما في حب الآخر مما يعني أن الأغنية جاءت بدايتها كتنبوء بمستقبل العلاقة بين الزوجين،وحين طلب من القطار المتجه إلى الوجه القبلي أن يسرع ليصل لمحبوبته فهو متعطش لحب حقيقي مجرد من الغرض،عكس ما كانت عليه شخصيته في أغنية مرة يهنيني ومرة يبكيني غير محددة الهدف. هنا يعرف ماذا يريد  فيكمل: وديني للزينة الفلاحة مشتاق وقاتلني الشوق والعشق يا أبويا مش بالراحة لا لعاشق ولا معشوق  وهو يؤكد على تبادلية الحب وأن الأرواح جنود مجندة ويكمل من يوم ما رأيت الفلاحة تخطر في الغيط الفلاحة وسافرت وجيت للفلاحة  قلت أنا حبيت الفلاحة وبالرجوع إلى سنة عرض الفيلم  سنجد أنه تم العرض في العام التالي مباشرة لإصدار قانون الإصلاح الزراعي الذي بموجبه عادت الأراضي الزراعية للفلاحين المصريين بعد القضاء على الإقطاع،فشاركهم فريد فرحتهم على طريقته،بأن وقع في حب إحدى بناتهن،فياسمينة من زي والدها يتضح لنا أنه فلاح ميسور الحال ، وتأكيدًا على هذا الاحتفال بعد عناء قال: اللي بجهادها الفلاحة هي وولادها الفلاحة  تفدي بلادها الفلاحة،توهب فؤادها لوطنها شمال وجنوب. والدار دي عمارها الفلاحة.. ويتسق هذا المقطع  مع المثل القائل:” لولا الفلاح ما كان أبو قميص وبنطلون ارتاح” في إشادة واضحة بالدور الذي تلعبه هذه الطبقة في بناء الحضارة فالجميع يعرف أن الحضارة المصرية بالأساس قامت على الزراعة.
ولأنه فريد الفريد يبشرنا في المنتصف بالنهاية السعيدة بينهما حين يقول سلامات واللقاء مكتوب كل ما سبق يؤكد على مقولة عبد الشكور أن صناعة الأفلام تتجاوز فكرة الحدوتة ولو كان غير هذا ما كنا ترقبنا المشهد الأخير من وقع بالحب أولًا؟ ربما يكون فريد في أغنية يا مقبل يوم وليلة أول من تنبأ بهذا الحب دون أن يشعر،ولكن ياسمينة هي أول من أدركت ذلك وحاولت الوقوف على حقيقة مشاعرها بسؤالها الغنائي يكونش ده اللي اسمه الهوى؟ فشعورها تجاه فريد مختلف تمامًا عن شعورها تجاه سمسم (عبد السلام النابلسي)، وهذا ما ورد على لسانها في هذه الأغنية ولا عمري يوم دُقت الجوى، فرغم غياب سمسم وعدم وجوده لم تشعر بالجوى مما يعني أنه لم يترك بداخلها أثرًا وأن ما يربطها به لم يكن حبًا وإنما احتياجًا له. زواج على الورق أشرنا في أغنية يا سلام على حبي وحبك أنها جاءت لتوثق اتفاقًا بينهما لذلك كانت المشاركة لكلا الصوتين متساوية، أما حين ننتقل لأغنية زينة فالوضع يختلف تمامًا نظرًا لتطور الأحداث ففكرة أن تشاركه ياسمينة الغناء على استحياء ببداية المقطع الأول فقط رغم إجادتها الغناء ليس بسبب أن كلمات الأغنية تتغزل بأنثى وحسب، ولكن أيضًا أنها تحمل بين ثناياها اعترافًا من الزوج بحبه من خلال أغنية أو دعنا نقول اكتشافه لهذا الحب مؤخرًا ففكر أن يضرب عصفورين بحجر واحد من ناحية يُجامل شقيق العروس الذي دعاهما لحضور عرس شقيقته ومن ناحية أهم جس النبض والتلميح غير الصريح الذي فهمته هي من الكلمات فتعبيرات وجهها وارتباكها ولغة جسدها أكدوا ذلك.

_____________

★ كاتبة ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى