سينما

نهلة إيهاب: السينما الغنائية المصرية … سينما بطعم الحياة.

نهلة إيهاب★

ما أجمل الأغنية حين تخرج بالحدوتة على شاشة السينما، وتعطي للحياة مزيداً من السعادة والمرح، وتمد المتلقي” المشاهد”  بمزيد من التفاؤل والأمل .

فالأغنية السينمائية حالة وجدانية، وشعورية “جماعية” ترتبط بأجمل المواقف الإنسانية، داخل العمل السينمائي؛  لذا فقد كان نجوم الطرب، هم الأكثر شهرة في تاريخ السينما، وقد توجت السينما الغنائية مقدمة كل تاريخ السينما المصرية .

  فالفيلم الغنائي  أو ” الفيلم الموسيقي ” بشكل عام هو الفيلم الذي يحتوي على العديد من الأغاني، أياً كان الشكل الذي قدمت من خلاله الأغنية؛ سواء كانت فردية، أو في إطار دويتو “غناء ثنائي”، أو استعراضات متبايتة الضخامة .

ولاشك أن مولد الفيلم الغنائي، مرتبط أساساً بالفيلم الناطق؛ فعندما نطقت الأفلام “غنت” بأجمل الأغاني، وأعذب الألحان .
إذن فالسمة الأولى، والبارزة للفيلم الغنائي، أن يكون هناك “غناء” بصرف النظر عن درجاته؛ وبالتالي فإن كافة المصطلحات التي يمكن أن تتواجد حول هذا الإطار، تصبح صالحة للاندماج فيه؛ منها الكوميديا الموسيقية، والفيلم الاستعراضي ، والفليم الموسيقي ، وغيرها .

أما السمة الثانية، فهي موضوع الفيلم نفسه؛ فأغلب هذه الأفلام مصنوعة للبهجة أكثر مما هي مصنوعة لإثارة الشجن لدى الناس، ولذا؛ فإن الكثير من الأفلام الغنائية ممزوجة بالكوميديا، أي يجب أن تكون هناك مواقف مضحكة ، وكثيراً ما تكون الأغنيات نفسها مضحكة ، وفي السينما المصرية، فإن أغلب هذه الأفلام قد تواجد فيها أبطال الكوميديا المعروفين، وفي مقدمتهم إسماعيل يس، وحسن فايق، وعبدالفتاح القصري، وزينات صدقي، وعبد السلام النابلسي ، وغيرهم .
حيث عرفت السينما المصرية مطربين يتسمون بحيوية واضحة في الإضحاك، وكانوا ذوو حس فكاهي من الطراز الأول، ومنهم محمد فوزي ، وشادية ، وفريد الأطرش ، وعبد الحليم حافظ .

كما غُلِّفت الكثير من الأفلام الغنائية بأجواء كوميدية مثل ” شارع الحب ” و”إنت حبيبي” و” خطف مراتي ” و” بنات حواء ” و ” رصاصة في القلب ” ؛ ولكن هذا لا يمنع أن تُغَلَّف في أحيان أخرى بأجواء ميلودرامية، مثل فيلم ” الخطايا ” لحسن الإمام .

وقد لمعت نجومية المطربيين أكثر من المطربات في السينما الغنائية؛ من خلال مجموعة من الأسماء المهمة من طراز محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش،  ومحمد فوزي…

وقد كانت فترة “الأربعينيات”، هي العصر الذهبي للسينما الغنائية المصرية ؛ حيث نطقت السينما المصرية خصيصاً لكي تغني على حنجرة محمد عبد الوهاب ، و كان من  حسن حظ السينما الناطقة ، ثم الغنائية ، أنها جاءت في فترة حظي فيها عبد الوهاب، بنجومية خارقة، فتم استقبال فيلم ” الوردة البيضاء ” لمحمد كريم، عام 1933 بنجاح غير مسبوق .

كما إن أفلام عبد الوهاب السبعة؛  تنتمي لسينما محمد كريم؛ لذا فإنها أعمال ذات أسلوب واحد متقارب؛ وهي “الوردة البيضاء” 1933، و”دموع الحب “1935، و “يحيا الحب” 1938 ، و “يوم سعيد ” 1940 ، و”رصاصة في القلب” 1944 ، ثم “لست ملاكا ” 1946؛ وهناك فيلمان غنّى فيهما “عبد الوهاب” كمطرب مشهور، وذلك في فيلم “غزل البنات” لأنور وجدي، عام 1949 ‘ ثم “منتهى الفرح” لمحمد سالم، عام 1963 .

أما ” إبراهيم حمودة “، فهو أحد أطول المطربين عمراً في السينما الغنائية المصرية، منذ أن غنّى في فيلم  ” ليلي بنت الصحراء ” عام 1937 ، وحين غنّى فقط عام 1965 في فيلم ” العلمين ” لعبد العليم خطاب .

فقد كان “حمودة ” من أبرز وجوه الغناء السينمائي في الأربعينيات ، كما وقف أمام أم كلثوم، في فيلم “عايدة”  لبدرجان،عام 1942 ، و غنّى معها دويتو يحمل اسم ” أراك يا نور عيني ” ، وفي عام 1944 قام بدور روميو، في ” شهداء الغرام” أمام ليلى مراد، و غنّى أمامها أغنية ” رايح تفوتني والوقت بدري ” كما غنّى بشكل فردي ” ياللي ملكت الفؤاد ” و” يا نايمة بين الشموع ” .

والمطربة “نجاة علي” التي وقفت أمام محمد عبد الوهاب، في فيلم “دموع الحب” وغنت معه ” يا ما رق النسيم”، ولمعت بأغنيات من طراز” فاكراك ومش ح أنساك ، مهما الزمان أسّاك” وهي من الأغنيات الباقية لها طول هذه السنين ، وقد عملت نجاة علي، في خمسة أفلام منها ” شيء من لا شيء ، وحب من السماء ، والحظ السعيد ، والشاطر حسن ” وقد غنت فيها جميعاً أغنيات، مثل ” عاشق السهر، وعاد الغريب يا ليل “.

وكذلك “رجاء عبده”  فقد بدت سينمائياً في أحسن حالاتها أمام محمد عبد الوهاب، في “ممنوع الحب” المأخوذ عن  “روميو وجولييت” وأخرجه محمد كريم، عام 1942 وقد غنت في هذا الفيلم بمفردها “ح يحبني” ، كما غنت مع عبد الوهاب، ياللي فُت المال والجاه ” و ” قول لي بقى اتأخرت ليه ” .

أما المطرب الذي وقف أمام “رجاء عبده” في فيلمها الأول فهوعبد الغني السيد، أحد الذين غنوا للإذاعة المصرية عند افتتاحها الرسمي عام 1934 .

أما محمد عبد المطلب، فقد صنع غنائيات سينمائية ، وحصل علي بطولات عديدة في السينما؛ كما اشترك أيضاً في بطولات عديدة في ذلك العقد منها “علي بابا والأربعين حرامي” عام 1942 ، و”كدب في كدب” عام 1944 ، و”تاكسي حنطور” عام 1945 ، و”الجيل الجديد” عام 1945 ، و”كازينو اللطافة” عام 1945 .

وقد تحولت فترة الأربعينيات إلى حالة من الغناء،  فغنّى أشخاص ليسوا من أبناء الطرب، أمثال هاجر حمدي، في فيلم “أنا وانت” ، وراقية إبراهيم، التي غنت أمام محمد عبد الوهاب، في فيلم “حكيم عيون “، أما فاتن حمامة، فغنت وهي شابة صغيرة بصوت مطربة أخرى في فيلم “دنيا ‘ وفيلم “نور في السماء ” .

وكذلك  تنتمي “عقيلة راتب” إلى المطربات اللاتي عملن في التمثيل، ثم هجرت الغناء شيئاً فشيئاً، واحترفت التمثيل وحده؛ وقد غنت في أفلام عديدة منها ” ألف ليلة وليلة” إنتاج وإخراج ” توجو مزراحي” عام 1941، وفيلم “طلاق سعاد هانم” إخراج أنور وجدي عام 1948.

فهذه الغنائية المباشرة، هي ما ميزت تلك الشريحة ” الأفلام الغنائية ” باعتبارها الشريحة المدخل إلى دراسة بقية شرائح السينما المصرية؛  ليس فقط بسبب استحواذها في أحيان كثيرة من حقب الإنتاج السينمائي المصري، وإنما بسبب اتسامها دائماً بالنجاح الجماهيري؛ مما يمتعنا بغنائية النظرة إلى الحياة باعتبار “عالم العمل الفني” هنا، هوعالم مصنوع بالأداة السينمائية داخل الصورة وأصواتها، من خلال الإطار المبني على التلاعب الإبداعي بوسائل التأثير الدرامي ” الصوت والصورة “.


★ناقدة ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى