تشكيل

منتهى عيسى: د. علاء بشير الفنان الذي يرسم بمبضع الجراح

منتهى عيسى★

كان لمشاهد الموت التي رافقت الطبيب الفنان علاء بشير منذ نعومة أظفاره، التأثير الأعظم في جُلِّ أعماله، فما عَلِق في ذاكرته من صور للموتى يحدقون في الفراغ، جعل طاقاته الإبداعية تتفجر أسئلة وجودية، عن مغزى الوجود ومعناه، فلوحاته ليست للتسلية أو للإمتاع، بل هي أقرب إلى جولة تأملية في محنة الإنسان، فأعماله لا تقدم إجابات مطلقاً، بل تترك عقلك يغوص داخل عمقها الفلسفي، الذي برع الفنان ونبغ في صياغته، بتعبيرية سريالية ذات بصمة خاصة، فما إن تفتح قفلاً، حتى يُقفل أمامك ما انفرج تواً، وهنا تكمن عبقرية الفنان، وتفرده في جَذبك إلى عالمه القلق، والمُستَفز في آن واحد، ولوحة الإنسان والمصير، التي أنجزها الفنان عام (1980) خير مثال على ما تقدم.

الطبيب الجراح والفنان التشكيلي د. علاء بشير

يظهر في اللوحة شكلاً بشرياً جامعاً بين الذكورة والأنوثة، فشعر الرأس وحركته توحي بالأنوثة، بينما يبدو الصدر العاري، ذكورياً مسطحاً، قد جردته الرياح من ردائه.

الوجه مرفوع إلى أعلى، إلى فضاء مُطلق، ينعدم فيه الزمان والمكان، فيبدو الإنسان مَعزولاً مَقصياً عاجزاً، ينهش الغراب مُقلة عينه، فالغراب الذي وظف الفنان رمزيته، كشاهد صامت ومعلم حكيم، هو جزء من الصراع الأبدي وغير المتكافئ، بين الإنسان مبتور الإرادة، وحكمة وجوده، وتنفيذه الجبري لعقوبة الإقصاء، وقبولها بوجه باسم، الإحساس بالعجز مُستفَز وطاغٍ، فالإنسان هو المفردة الوحيدة المصلوبة على سطح اللوحة، والمعزولة عزلاً مطلقاً في فضاء موحش، يواجه مصيره بدون يدين، بإشارة بليغة إلى التسليم والِاستسلام لمصيره.

د. علاء بشير
ولد في العراق عام 1939.
أكمل دراسته الأبتدائية والثانوية ثم ألتحق بكلية الطب جامعة بغداد وتخرج منها عام 1963. تخصص في الجراحة التقويمية والتجميلية وأشتهر في إعادة الأطراف المبتورة بداية الثمانينات التي شهدت بداية الحرب العراقية الأيرانية.

ـــــــــــــــــــــــ

★ فنانة تشكيلة، وقاصَّة ــ العــراق

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى