سينمامشاركات شبابية

سارة عمرو: في بيت الروبي ..الحياة ليست سوشيال ميديا فقط؟!

سارة عمرو★

يعود كريم عبد العزيز، برفقة كريم محمود عبد العزيز، ونور، وتارا عماد، ومجموعة من الفنانين المميزين، بفيلم كوميدي اجتماعي، يكتسح شباك التذاكر هذا العام، وهو فيلم (بيت الروبي)، إخراج بيتر ميمي، سيناريو وحوار محمد الدباح، وريم القماش.

بيت الروبي أحد أهم الأفلام، التي خرجت للناس هذا العام، فبرغم نزوله في دور السينما قبل العيد بأسبوع، إلا أنه حقق، ومازال يحقق إيرادات عالية جداً، بخلاف باقي الأفلام، التي نزلت في أول أيام عيد الأضحى المبارك، بأكثر من ٢٦ مليون جنيهاً حتى الآن، ولا عجب في نجاح الفيلم المبهر هذا، لأن به شيء من التميز بسبب قصته، والطريقة التي عُرضت بها، فالفيلم يحكي عن رجل (كريم عبد العزيز)، وزوجته وأطفالهما، مستقرين في إحدى المدن الساحلية بعيداً عن ضوضاء المدينة، ونكتشف أن سبب استقرارهم مشكلة قديمة تعيق حياتهم، ويظهر شقيقه فجأة، وهو كريم محمود عبد العزيز لِاحتياجه لشقيقه، لإتمام بعض الأوراق، ليفتتح صالون التجميل خاصته في القاهرة، تتوالى الأحداث، ونرى تغير قناعات وإشارات على الواقع، الذي نعيشه من خلال رحلة البطل ذاته، وهو كريم عبد العزيز (إبراهيم) حيث إن (ابراهيم) كان يرفض فكرة الرجوع للمدينة، بسبب حادثة قديمة قد حدثت لزوجته نور، فهي تعمل طبيبة أمراض نساء وتوليد، وعلى يدها ماتت سيدة بابنها أثناء الولادة، وقد نشر أحدهم فيديو أثناء معرفة الأب، ماجعلها موضع اتهام من الجميع، فأصبحت العائلة تتعرض للمضايقات، مما اضطرهم للسفر، وترك القاهرة بكل ما فيها، خوفاً من الأضرار على أطفالهما…فكان بروتوكوله صريح ألا يتواصل أطفاله، أو يعلموا شيئاً عن حياة المدينة، وبالتالي لا هواتف ولا تلفاز، وظهر ذلك عندما كانت هناك أكثر من فرصة، لحصول أولاده خصوصاً (شريف) على هاتف، لكن إبراهيم غضب كثيراً، ورفض ذلك الفعل، لأنه يرى أن التكنولوجيا، هي السلاح الذي دمر حياته، وحياة زوجته فيما مضى، وبرغم رفضه، إلا أن انتشار هذه الأجهزة، جعله لا يستطيع منع ابنه من عدم حمل الهاتف، أو التصدي للتكنولوجيا، ومواقع التواصل.

نرى كريم عبد العزيز (إبراهيم)، وهو يتغير من كاره  للمدينة بزحامها، وهوائها الملوث، والتكنولوجيا التي لحقت بها، خصوصاً السوشيال ميديا، لمحب لها، وأحد أشهر المؤثرين عليها وذلك صدفة، فقد اشتهر دون تعمد، من خلال غضبه وسخطه على الموقف بأكمله، وهو حياة المدينة، ليتحول بسبب الشهرة، وتعليقات الناس، وملاحقتهم من مؤثر في الناس، لمتأثر بهم، فقد جعل (إبراهيم)، الناس جهاز التحكم في حياته من البداية، لذلك اختلفت حياته عند ذهابه، وعند عودته، تشير قضية (إبراهيم) مع السوشيال ميديا، والناس إلى أحد أهم القضايا المعاصرة، وهي فكرة تغير المبادئ والقناعات، عندما يشعر الإنسان أنه مطلوب ومحبوب، أو مكروه ومرئي مشهور، فالشهرة إن أزاحت القناعات، اِبتلعت الشخص بمبادئه، مخلفة مبادئ جديدة، في الحقيقة ليست الشهرة فقط ما يغيرنا،  بل جنون السوشيال ميديا، أصبح يسيطر علينا، فالجميع أصبحوا يرغبون في الكثير من الاعجابات، والمشاركة، والِانتشار، للشهرة حتى لو بالسلب، بالتأكيد للموضوع جانب مادي، لكنه أشبه بأصابع تداعب الدماغ، لتخلق مخاً جديداً خالياً من أي مثالية، فقط تصمم العقل، ليكون آلياً.

نجح بيتر ميمي في إظهار سلبيات التحضر، من خلال عمل مقارنة باللقطات، والزوايا، والإضاءة بين المدينة الساحلية النائية المُحاطة بالطبيعة، وما بين المدينة المزدحمة، وذلك من خلال عدة مفارقات ومشاهد، فحياة (إبراهيم) نائية وشبه بدائية، وكأنه يتماهى مع الطبيعة، على عكس شقيقه (إيهاب)، حيث إنه متمدن بشكل كبير، وزوجته (أنفلونسر) على السوشيال ميديا، مشهورة وطموحة للعمل في مجال التجميل، وصالونات الحلاقة.

العديد من المشاهد أظهرت مدى تأثير (إبراهيم) على أولاده بعدم الِانخراط مع المدينة والتكنولوجيا، وظهر ذلك من خلال مشهد (شريف)، و(شقيقته) في المول التجاري، عندما وقفوا أمام شاشة ضخمة، تعرض أفلام أنيميشن، حيث يقف (شريف) معطياً ظهره للكاميرا، وخلفه شقيقته بزاوية بروفيل، واللقطة بأكملها مأخوذة من زاوية سُفلية، تعبيراً عن مدى عدم تملكهم لهذا العالم، وسذاجتهم وهم بداخله، بسبب دهشتهم.

في نهاية الفيلم يظهر لنا المشهد الرئيسي، وهو مشهد ولادة (تارا عماد) حيث يصف الحياة في لحظات متتالية، مجسدة في مشاعر الألم والصراخ والشجار كفعل، والهروب بالموسيقى والأغاني، فالمشهد يعرض لحظات الإنسان البديهية في الحياة، فالجميع يمر بالألم والغضب والحزن، والجميع يحتاج السعادة، فالحياة ليست سوشيال ميديا فقط، بل هناك مشاعر تتولد من فعل أشياء واقعية محسوسة وملموسة، لا نشعر بها من خلال العوالم الِافتراضية، التي انغمس الجميع بها متلاهين عن الحياة، مُفتقدين لمعانيها.

الفيلم عائلي كوميدي بشكل ظريف، غير مبتذل ولا فج، وهذا يُعتبر شيئاً مميزاً، لأنه يستحضر لنا أفلام الألفية، ذات الطابع الكوميدي المميز والمختلف، دون نحت من الواقع، ودون تقليد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ كاتبــة ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى