نهى إبراهيم : إحسان عبد القدوس اسم له معنى.
نهى إبراهيم ★
كان لإحسان حديث مطول مع الحرية، التي كانت هى قصته الأزلية، التي حاول أن يدفع بها بكل سطوره، دومًا يدعو إليها مطالبًا ذاته بالركض نحوها كما حدث بروايته “أنا حرة” وقصة التحول الكبير من فتاة مراهقة، تسعى لمعرفة كل شيء، وتبحث بأصول كل أمر، وتحب أن تتعلم ما تريده هى ليس ما يمليه عليها الآخرون.
تُعَدُّ الشخصية الثورية بطلًا من أبطال إحسان برواياته، تسعى دائماً تلك الشخصية، إلى تكسير القيود، وتسعى بكل قوتها نحو حريتها، كبطلة روايته التي أزاحت بيدها كل ما هو شائك كي تحيا في البراح الذي تصنعه لنفسها حتى ضجت بحالها كي تكون وحيدة سنوات من عمرها ثم تتطور حياتها بعدما تسقط بالحب عندها لم تشعر بقيوده بل قامت بوضع قيوده بيدها.
لقد قام إحسان بشرح كل شيء من خلال روايته التي سبقت زمنها بكثير، فالحرية تحمل بطياتها الكثير والكثير، علامات وتحذيرات بالغة الخطورة.
فإن بحثت عن حريتك، فتش عنها بطريقها السليم وإلا فلن تجن سوى الضياع.
الضياع هو ذاته ما تملك بطلة روايته “النظارة السوداء” ونوع جديد من الدراما وبشكل مغاير للمرأة بعصر الخمسينات، شخصية اللعوب، شديدة الاستهتار، معدومة الهوية ممن نشأن ببيوت غير متزنة وقصة تحولها لإنسانة ذات هوية خاصة واهتمامات مختلفة، كم أحببت تلك المبادئ التي صورها لنا إحسان، الأهداف التي يجب أن تكون محور الحياة.
فالنظارة السوداء هي ذلك التحول من اللا شيء إلى الشخصية السوية الناضجة.
النضوج الذي تحدث عنه إحسان برائعته :”أين عمري”
، كيف لفتاة بمقتبل العمر يتم الاقتصاص من براءتها من جانب أقرب الناس إليها والتي حالت أحكام الحياة عليها بكل تعنت دون النظر إلى ميول البطلة أو مخاوفها.
هل من الممكن أن يكون الأهل هم السلاح الذي يقصم الظهر بيوم ما كي تتحول من شخص بريء إلى آخر يكبره بسنوات لكنه يعاني من الحرمان.
“إنه عجوز عليها” كلمات تناقلتها زميلاتها ومدرسيها بالمدرسة، بكت على إثرها مربيتها فى حين صمدت الأم بكل قسوة؛ لتنتقل “علية” الطالبة بالمدرسة إلى منزل “عزيز بك أو عمو عزيز”، تفقدت “علية” كل شيء بالبداية بنظرة الطفلة التي تود اللعب وتشعر بالانبهار بكل شيء يبعدها عن سجن والدتها الكبير حتى عاصرت الحياة مع الرجل الذي طالما أعطاها الحياة لتجده يحكم إغلاقه من جديد عليها بالقفص هذه المرة، فتنفر بعد سنوات من المعاناة وتفر هاربة محاولة إيجاد ذاتها القديمة واستعادة المراهقة التي دبّ الشيب برأسها قبل الأوان.
غريب ذلك الإحسان فلديه أحاسيس رقيقة، جياشة لكنها دومًا تحكمها المبادئ والأصول تمامًا كعصره، كان دائمًا يتغنى بالحرية التي حاول من خلال قلمه الوصول لشواطئها، لكن ينتابنا سؤال هل كانت الحرية التي يلهث إحسان خلفها هى بالفعل بداخله فكان حرًا طليقًا بفكره وعقله أم كانت هدفًا بعيد المنال ككل كاتب له قضية يحاول طرحها والدفاع عنها طوال حياته؛ لذلك فدومًا إحسان عبد القدوس.. اسم له معنى.
★كاتبة مصر.