خلود عماد: كيف عاصر رشيد مفهوم الخيانة والِانتقام؟
خلود عماد★
بعد كل هذه السنوات التي مرَّت على كتابتها لازالت رواية “الكونت دي مونت كريستو” للأديب الفرنسي “ألكسندر دوما” مصدراً لا يفنى في السينما، والدراما المصرية، فقد تم تحويل الرواية لأكثر من فيلم، وعمل درامي مثل: أمير الانتقام، أمير الدهاء، دائرة الانتقام، الظالم والمظلوم، ومسلسل المنتقم.
تدور أحداث الرواية حول الغدر، والخيانة، والِانتقام، من خلال مأساة “إدموند دونتيس” الذي يعمل بحاراً، وينال ترقية في عمله، مما يجعل أصدقاءه يتآمرون عليه قبل موعد زفافه، ويدخلونه السجن، وبعد أن يقضي فيه سنوات عديدة يتمكن من الهروب، ويسعى للحصول على ثروة قاده إليها زميل له في السجن، وبعد أن حصل على الثروة، قام بشراء جزيرة “مونت كريستو”، وحصل على لقب “الكونت”، وسعى بعد ذلك لتحقيق العدالة على طريقته.
يأتي مسلسل “رشيد” برؤية معاصرة للرواية، وهذا حسب ما ظهر في تتر المسلسل “رؤية معاصرة لرواية الكونت دي مونت كريستو”، وهذه الرؤية من تأليف وسام صبري، ومن إخراج مي ممدوح.
يظهر محمد ممدوح في دور رشيد، وهو شاب مكافح يعيش في منطقة شعبية مع والده، وابنه الرضيع بعد أن توفيت زوجته، فلجأ بعد ذلك للزواج من أسماء “ريهام عبدالغفور” بناءً على رغبة والده، وكان هناك شرط، وهو أن تحب ابنه، وتحنو عليه كأنه ابناً لها، وهذا بالفعل ما تفعله أسماء، وتطورت الأحداث تطوراً يجعل الجمهور متعاطفاً مع “رشيد”، وهذا عندما تآمر عليه صديقه أمير “تامر نبيل”، وألقاه في السجن، وحُكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة القتل، ويزداد التعاطف عندما يتوفى والد رشيد، وتهجره زوجته، ويسافر صديقه صلاح “خالد كمال” إلى أحد البلاد العربية، ليصبح وحيداً وبائساً، ويخرج بعد ذلك من السجن، لينتقم، ولكن بهوية جديدة باسم “حسن”، ولكن عند خروجه يكتشف أن ابنه سيف “حسن مالك” قد هرب من الملجأ، وأصبح تاجر مخدرات، وليتقرب منه تظاهر بأنه أحد الزبائن .
من خلال الرؤية المعاصرة للرواية نجد أن الخط الدرامي للابن التائه، هو ما قام المؤلف “وسام صبري” بإضافته للحبكة، ولكنه احتفظ بمعظم الخطوط التي تمت مناقشتها في الرواية الأصلية، من حيث فكرة الظلم، والتآمر، والخيانة، حتى فكرة الِانتقام، وتحقيق العدالة.
أحداث المسلسل تم سردها بين الحاضر والماضي، حيث إن الشخصيات ظهرت في أول ظهور لها في الحاضر، وفجأة يتم عرض خط زمني أقدم بخمسة عشر عاماً لنفس الشخصيات، ويحدث هذا طوال حلقات المسلسل، وبالرغم من تعدد المستويات الزمنية، وتداخلها إلا أن عملية السرد تم تنفيذها بإتقان، وكفاءة، فالربط والتقطيع بين أكثر من زمن، لم يصب المشاهد بالارتباك.
وعلى الرغم من أن المسلسل لم يحظَ بالدعاية الكافية، فالجمهور أشاد به على وسائل التواصل الِاجتماعي، ونال إعجابه، وهذا الإعجاب لم يكن بأحداث المسلسل، وطريقة سردها فقط، ولكن بالأداء التمثيلي، والتصوير، والديكور، والموسيقى التصويرية، والإخراج.
فصناع العمل بذلوا جهداً ملحوظاً في مواقع التصوير، سواء أكانت في المنزل، أو الشركة، أو البار مع مراعاة الفروق الزمنية في الديكورات، والأشياء المادية، وأن اختيار مواقع تصوير حقيقية، وليست في مدينة الإنتاج الإعلامي، كالحي الذي تدور فيه الأحداث، وهو حي حلوان، فقد أظهره التصوير بواقعية من حيث مشاهد الشوارع، والجوامع، والميادين، وحتى وسائل المواصلات بشكلها القديم، وأيضا مشاهد البار، تم تصويرها في بار حقيقي بوسط البلد، وأيضاً اختيار الملابس كان موفقاً، حيث عبر عن طبيعة الشخصيات، سواء في مرحله الفقر، أو بعد أن أصبح رشيد رجل أعمال، وتحوَّل إلى رجل غني، ولا ننسَ الدور المهم الذي لعبه “راجح داوود” في الموسيقى التصويرية، التي جعلت المشاهد يتفاعل مع الأحداث، ومع الممثلين .
وعلى مستوى الأداء التمثيلي، فقد أتقن “محمد ممدوح” شخصية الأب المدمر نفسياً الذي تعرض للظلم، وبعدها نجد الفرق، عندما تحولت الشخصية لرجل الأعمال الغني، الذي يريد الِانتقام، فهو أظهر تفاصيل الشخصيتين بصورة شديدة الإقناع.
و”ريهام عبد الغفور” قدمت دور أسماء، الفتاة الفقيرة، التي تحولت إلى امرأة ثرية، لديها صالون تجميل في إحدى المناطق الراقية.
والفنان القدير “صلاح عبد الله” الذي جسد شخصية رئيس مجموعة استثمارية، لقى مصرعه في جريمة غامضة، وعلى الرغم من أن الدور مساحته محدودة إلا أنه قدَّمه بأداء مميز.
وعلى الرغم من انقطاع الفنان القدير “أشرف عبد الغفور” عن التمثيل، إلا أنه عاد وبقوة، لتقديم دور الشر بصورة ذكية، وغير سطحية، وواقعية، حيث ظهر في دور الرجل الفاسد المرتشي، الذي لديه أيضاً فلسفة دينية، وإيمان طاغٍ على لغته في الكلام، فالكلام هنا يعكس طبيعة الأفعال.
والفنان الشاب “حسن مالك” الذي قدم دور الديلر بدقة، وإتقان، وبشكل واقعي، من خلال استخدام المصطلحات، أو من خلال لغة الجسد، فهو قدم دوره بشكل طبيعي جداً، بعيداً كل البعد عن الإسفاف.
وعلى الرغم من أن رشيد هو أول إخراج فردي لـ “مي ممدوح” إلا أنها قدَّمت عملاً درامياً عناصره مترابطة، شخصياته تم تسكينها في مكانها الصحيح، وقُدِّمت الرواية بشكل يستوعبه الجمهور المتلقي، لكن بالطبع ظهر بالعمل الدرامي بعض الثغرات، كقلة الدعاية للعمل والترويج له، وبعض المشاكل التمثيلية، التي واجهت الممثلين من حيث وضوح الصوت أثناء الكلام، وأيضاً بالرغم من أن الرواية تُقدَّم بشكل معاصر، إلا أن المسلسل أظهر “كلاشيهات” قُدِّمت في أعمال سابقة، مثل دخول البطل السجن، وهو برئ، وخروجه منه، وقد تشوهت براءته، أو مثلاً ضياع الِابن، واتجاهه إلى طريق الفساد في حالة غياب الأب والأم، وأيضاً تخلِّي الأهل والأصدقاء عن “البطل” عند تعرضه للظلم، وهذا زاد من حالته المأساوية، لجعل الجمهور يتعاطف معه، كل هذه “الكلاشيهات” كان من الممكن معاصرتها، لتظهر بصورة جديدة، لم يتم تقديمها في أعمال سابقة.
ـــــــــــــــــــــــ
★ كاتبــة ــ مصــر