إذاعة وتليفزيونمشاركات شبابية

بدر الأستاد: مسلسل “مجاريح” نمطية ولا منطق!

بدر الأستاد

اِنتهى مسلسل (مجاريح)، الذي عُرض في رمضان للكاتب الإماراتي جمال سالم، والمخرج الكويتي عيسى ذياب، تمثيل كل من سندريلا الشاشة الخليجية، الفنانة القديرة سعاد عبد الله، وأبرز نجوم الدراما الخليجية، الفنانة القديرة أسمهان توفيق، هنادي الكندري، نور الدليمي، عبد الله الطراروة، هند البلوشي، صمود المؤمن، محمد الحداد، وغيرهم من النجوم.

تدور أحداث المسلسل حول (غنيمة – سعاد عبد الله)، التي سُجنت ظلماً ستة وثلاثين عاماً بسبب جريمة قتل نسبها لها زوجها (غازي – عبد الإمام عبد الله) ظلماً، بعد ما استولى على جميع أموالها، فتخرج غنيمة من السجن، لتواجه العالم الخارجي بكل ما فيه من مجرمين، وهذا هو المحور الأساسي، الذي يدور حوله العمل، حيث يؤكد لنا منذ الحلقة الأولى أن المجرمين في الواقع، هم من يعيشون خارج أسوار السجن وليس داخلها، بداية مع شخصية غازي زوج غنيمة، الذي سجنها ظلماً وبهتاناً، بالإضافة إلى المجرمين، الذين يتلاعبون بأموال الدولة، سواء في القطاع الصحي الذي تعمل فيه (فوزية – هنادي الكندري)، التي تواجه العديد من الاتهامات بسبب حرصها وإخلاصها في العمل، أو القطاع الاقتصادي الذي تعمل فيه (ياسمين – صمود المؤمن)، والتي تواجه العديد من المشاكل، والعراقيل بسبب دقتها في الحرص على أموال الدولة، وهكذا بالنسبة للكثير من القطاعات، التي يقدمها العمل عبر طرح موضوع الفساد الإداري في العديد من الجهات والمؤسسات، بالإضافة للفساد في الوزارات الأخرى.

ولكن نلاحظ بأن المخرج والكاتب قاما بتهميش الفكرة الأساسية لصالح الأفكار الفرعية، المتمثلة بالتوكيل الذي أتاح لغنيمة التصرف بأموال مشعل، وإدمان عبد الله على تعاطي المخدرات.

 فبدأت الاحداث تبتعد عن فكرة العمل الأساسية، بأسلوب كلاسيكي نمطي، ذكرنا بالعديد من الأعمال، التي شاهدناها في نهاية التسعينيات، أو بداية الألفينات.

نحن نواجه أزمة حقيقية في الأعمال الدرامية، وهي غياب المنطق، وعدم إدراك الكاتب والمخرج لواقعية ما يقدمانه، والملاحظ في هذا العمل أن المنطق غير موجود، الأمر الذي يجعل المتلقي يتساءل طوال الوقت: هل يعقل لامرأة مسنة أن تأخذ جثة لرجل (الممثل ابراهيم الشيخلي)، وتضعها في الحقيبة، ومن ثم تسحبها إلى السيارة…؟

 كيف حصلت غنيمة على الأوراق التي تثبت أن فوزية مريضة نفسياً، وقدمتها إلى النيابة دون أن يسألها أحد؟ وكيف لغنيمة المحجوزة في النيابة أن يكون معها حقيبتها، وهاتفها المحمول…؟؟

العديد من الأحداث اللامنطقيه سيطرت على العمل، دون وضع مبرر درامي لها، كما أن هناك لا منطقية في التحول ما بين الشخصيات كما شاهدنا في شخصية حنان (الفنانة نور)، التي كانت في بداية الحلقات شخصية قوية لا تهتم بزوجها، وفجأة أصبحت شخصية ضعيفة تهتم بأمره…؟؟ فإذا قلنا إن التحول كان بسبب لحظة كشفها حقيقة أن مشعل (أخذ حلالها) فهذا الأمر غير منطقي أيضاً، لأن حنان (نور) تعلم منذ البداية أن جميع ممتلكات مشعل هي في الأصل لها، فما هو سبب التحول…؟؟ كما أنها غضبت من ابنتها بدرية حين قالت بأنها ستنقل (عبد الله) إلى الملحق بعد إصابته بالشلل …!! لكننا في النهاية نجد عبد الله وحيداً في المزرعة دون والدته!؟

أما أبرز حدث غير منطقي في المسلسل، فيتعلق بما فعلته غنيمة، التي كانت تشتكي دائماً من سجنها ظلماً، حيث يستغرب المتلقي، كيف تورط نفسها في جريمة قتل أخرى بإخفائها الجثة، حماية لحنان التي لم تكن تعاملها بشكل جيد في بداية الحلقات، فغنيمة شخصية قوية في المسلسل، وليست المرأة الضعيفة التي تبحث عن إرضاء الآخرين…!! ولو كانت تريد أن تتقرب من حنان، فمن غير المنطقي أن يكون الثمن حياتها، من خلال إخفاء الجثة، والتورط في جريمة قتل؟

كما هي شخصية ياسمين الفتاة، التي تستمر متفائلة، وبكامل طاقتها الإيجابية، رغم أن جميع أفراد أسرتها في حالة انهيار، والمشاكل لا تنتهي في المنزل، صحيح أن الفنانة صمود المؤمن، قدمت الدور بأداء رائع، ولكن الشخصية غير منطقية، والأغرب أنها لم تتأثر إطلاقاً، إلا بعد أن خسرت منصور.

النمطية لم تكن في الجانب الدرامي فحسب، بل كانت واضحة من خلال الأداء التمثيلي لبعض الممثلين أيضاً، مثل الفنانة نور الدليمي، التي كان أداؤها لا يحمل أي ملامح خاصة بها، والفنانة هنادي الكندري، التي استمرت في البكاء بنفس الآلية طوال الحلقات.

الغضب والصراخ كانا التعبير الأساسي للشخصيات، فنجد شخصية محمد الحداد، التي كانت جميع حواراته بعصبية وصراخ، والغريب في بعض المشاهد، التي تحتاج إلى الغضب، نجده يتعامل مع الموضوع بغضب داخلي، ومن ثم يأخذ القرار، وذلك حينما اكتشف بأن زوجته فوزية مخطوبة قبله، فقرر الانفصال عنها، وهكذا بالنسبة لهند البلوشي أيضاً، التي كانت تصرخ منذ بداية ظهورها في الحلقات إلى نهاية ظهورها، لا أعلم متى يدرك الممثل، بأن التمثيل بشكل نمطي مصحوباً بالصوت العالي (الصراخ) يكون مزعجاً ولا يساعد في إيصال مشاعر الشخصية للمتلقي.

 ساعد في ذلك الأداء المزعج، قيام أغلب ممثلات العمل بعمليات تجميل، حيث قتلت تعابير الوجه لدى معظمهن.

أما بالنسبة للفنانة سعاد عبد الله، فيبدو أن الممثل أحياناً يتمسك بأدائه لشخصية قدَّمها من قبل، وهذا ما حصل بالفعل مع سعاد عبد الله، فهي لازالت متأثرة بشخصيتها في مسلسل (فضة قلبها أبيض) خاصة حين تعبر عن حزنها، أو بكائها، أو غضبها سرعان ما تتحول الشخصية إلى فضة الطفلة، لا أنكر بأن سعاد عبد الله، حاولت في أعمالها السابقة التخلص من هذه الشخصية، لكنها هنا، وفي لحظات الحزن تعود إليها مرة أخرى.

في هذا العمل، ومن وجهة نظري، تم اكتشاف جوكر الدراما الكويتية وهو عبد الله الطراروة، خاصة في النصف الأخير من العمل، حيث استطاع أن يجعلنا نتعاطف مع الشخصية حين أصيبت بالشلل، فقد استطاع أن يوصل مشاعره من خلال التحول في الشخصية، عبر تعلقه بغنيمة، وفي المشهد الأخير من خلال حزنه على غنيمة، دون أن يتفوه بكلمة.

من ناحية أخرى، لم يتحقق الكاتب من سجن النساء في الكويت، فكما نعلم فإن سجن النساء عبارة عن أربعة عنابر، اِثنان منها للإبعاد، وعنبر للموقوفات، وعنبر للمحكومات، فمن أين جاء الكاتب بعنبر رقم ستة، الذي تكرر كثيراً على لسان غنيمة…؟!

أما ما يتعلق بالمكياج، فلم يكن موفقاً في هذا العمل، فهناك بعض المشاهد لغنيمة (سعاد عبد الله) نستطيع بسهولة أن نلاحظ فيها خطوط المكياج على الجبين، حيث لم يتم دمجها بشكل جيد، فتبدو خطوط التجاعيد المصطنعة واضحة جداً وغير طبيعية، كما أن الشامات على وجه غنيمة، تَظهر، وتختفي بتعدد الحلقات، هذا عدا الشعر المستعار (الباروكة)، التي صارت مصدر سخرية في مواقع التواصل الاجتماعي.

 مسلسل (مجاريح) باختصار، عبارة عن صراخ، وجري خلف المال، وتصاعد للأحداث بلا منطق، وغياب عنصر التشويق، وتكرار حول سجن غنيمة ستة وثلاثين سنة، لتنتهي الاحداث بشكل نمطي، وهي بأن الدنيا دوارة…!!

ــــــــــــــــــــــــــــــ

★ ناقد فني ــ الكويــت

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى