عزيز ريان: معضلة كتابة السيناريو في الدراما التلفزيونية في المغرب.


عزيز ريان ★
يعرف المشهد الفني بالمغرب منذ سنوات ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة انتاجه الدرامي في مجالات السينما والمسرح والدراما التلفزيونية، وإن كان المسرح قد شهد طفرة ملموسة رافقتها ظهور أسماء مسرحية مبدعة في مجالات الكتابة والإخراج والسينوغرافيا والتمثيل، فمجال التلفزيون لا يزال يتخبط في عراقيل وعشوائية، تمنع من وصول الأعمال إلى قلوب الجمهور المغربي والعربي.
ويُجمع المهتمون بأن الأعمال التلفزيونية المغربية، أو ما يسمى بالدراما المغربية تعيش صعوبات إنتاجية وتسويقية وهشاشة بيروقراطية، تؤدي إلى إنتاج أعمال تفتقر إلى أبسط شروط صناعة الدراما المتعارف عليها عربياً وعالمياً، فلازلنا لحد الساعة ننتظر عملاً مغربياً درامياً ينتشر محلياً وعربياً كما فعلت العديد من الأعمال المصرية والسورية مثلاً في سنوات مضت.
وسنتطرَّق هنا إلى عمل درامي مغربي عرف جدلاً فنياً ونقدياً وجماهيرياً وهو مسلسل: (الدم المشروك) الذي يُعرض حالياً على منصة الفرجة المغربية.
فهل حقَّق هذا العمل أبسط شروط الدراما في أكبر تجلياتها؟ وهل يمكن اعتباره أول عمل اشتغل على(الورق كما يقال) ويجد حلاً لمعضلة نقص أو انعدام كُتَّاب بارعين في الدراما التلفزيونية؟
وهل يعتبر عملاً أساساً لمزيد أعمال مغربية تكتسح الساحة المحلية والعربية؛ لتبقى راسخة في ذاكرة الجمهورالذي يهرب إلى أعمال عربية وأجنبية بمنصات مدفوعة الثمن؟
ولماذا أثار جدلاً ملحوظاً فور عرضه برمضان 2025 بإحدى القنوات المحلية؟
فما معنى هذه اللفظة التي يتداولها البعض بدون معرفتها الدقيقة: الكلمة كما نعرف مشتقة من اللفظة اليونانية (دراما) وتعني:العمل،أو الفعل، الدراما بشكلها العام هي فن وهي عبارة عن سلسلة من الأحداث أو التفاصيل في الرواية، تجسد الحياة بشكل ملحمي على الشاشة، إذ تعتمد على تَصَوُّرِ المشاكل والتحديات والعلاقات الإنسانية بطريقة تثير العواطف وتلامس القلوب.

وأشكالها خمسة بحسب أغلب الباحثين، وتشمل:
دراما مسرحية: تعرض على المسرح
دراما سينمائية: تشاهد عبر الأفلام
دراما تلفزيونية:عبر المسلسلات والبرامج التلفزيونية.
دراما إذاعية:خلال البرامج الإذاعية.
دراما تعليمية:تُقدِّم مفاهيم بطريقة تفاعلية في مجال التعليم.
وبمقالتنا هنا سنتحدث عن الدراما التلفزيونية، والتي تعرض قصصاً وحكايات، تتضمن غالباً صراعاً ومشاعر خلال حوار وأداء تلفزيوني، وباختصار يمكن تعريف الدراما على أنها:
فن تمثيل يتضمن أداء ممثلين يقدمون شخصيات وأحداث معينة.
عبارة عن سرد قصصي تقدِّمه الدراما على شكل قصة معقدة، وتتضمن صراعاً وتطوراً عاطفياً.
وهي وسيلة للتعبير عن الأفكار والمشاعر والقضايا الاجتماعية.
نوع من الأدب قد يكون على شكل نص مكتوب، تم نقله خلال الأداء إلى الشاشة.
مزيج من العناصر: كالحوار والموسيقى والإضاءة والمؤثرات البصرية.
وأنواع الدراما هي: الكوميديا،الميلودراما،الدراما المأسوية،الدراما الموسيقية،الخيال،المهزلة.
أما عناصرها فهي:الحوار،الحبكة والمكان والزمان،التوتر والارتفاع والهبوط،الموضوع والرسالة.
ولقد شكَّل المسلسل التلفزيوني الذي انتقيناه للدراسة، الاستثناء، وجعل المغاربة يعيدون التفكير في أعمال تلفزيونها، وتبشر بجيل صاعد قد يحقق المعادلة الصعبة للإبداع والانتشار التجاري محلياً وعربياً.
وسنقوم بتحليل دراما مسلسل (الدم المشروك) حيث لاقت الكثير من الانتقادات ، وصاحب عرضها لغطاً كما لو أنها وسيلة لمحاربة مثل هكذا أعمال..وبأسباب واهية خوفاً من نجاح مثل هذه القصص، أو هذه الأعمال الدرامية.
وهذا لا يعني اكتمالها إبداعياً وفنياً، ولعل مما أثار الجدل هو ظهور اسم كاتبة من جمهورية مصر العربية بمقدمة المسلسل كصاحبة فكرته، مع العلم أنها درست السينما، وتعيش بالمغرب بعد زواجها بمغربي، وهذا لم يشفع لها أنها قد تعرف البلد ومشاكله، إلا أنه من المستحيل الحديث عن صناعة فنية قائمة بذاتها بالمغرب، بالرغم من توفره على طاقات فنية وتقنية محترفة، تمكنت من تحقيق نجاحات إبداعية محلياً وعربياً في ظل انعدام سياسات عمومية حكومية لا تؤمن بالفن وقيمته التنموية، بل هو وسية للتسلية المجانية، ولا حتى صناعة دراما تلفزيونية تراكم أعمالا صنعت باحترافية تضاهي أو تفوق الأعمال العالمية والعربية.
هذا بدون ذكر معضلة غياب أو نقص مهول في مجال النقد التلفيزيوني وعشوائيته كذلك، فالنقد التلفزيوني كما السينمائي بالمغرب يتوزع ما بين أقلام وازنة تكتب بدقة أو باحيتاط، وأقلام أخرى تلوك وتكتب ما لا يشبه النقد، حتى وإن شهدت وجوهاً تستطيع أن تخلق الموازنة وتصنع نقداً مغربياً مقتدراً كما هو الحال للناقد والإعلامي “بلال مرميد” الذي شكَّل ثورة في النقد الفني، ويحتاج لمساحات تلفزيونية أوسع لتعليم الأجيال القادمة معنى النقد الهادف والبَنّاء.
وبتحليل مختصر (للدم المشروك) حيث يحيلنا العنوان إلى قرابة عائلية اشترك فيه الدم، نسجل باختصار أن:
موضوع معالجة القيم بها اعتمد بالتفسير أكثر منه بالتلميح، في خطاب مجتمع ينخره الطمع.
بناء الشخصيات بالعمل ضم نماذج مركبة لها حضور قوي في خطوط الصراع الرئيسي، كما أن هناك شخوصاً ثانوية لم تحظَ بمساحات كافية.
ونظر لطول مدة حلقات المسلسل،نُحس أحياناً أن المؤلفين لجأوا إلى الحشو والتطويل بغرض ملء المدة المقررة لكل حلقة، وهذا أفقد العمل قيمته.
سقط العمل في فخ النمطية:إعادة صورة جاهزة للمرأة المتحكمة في الرجل الضعيف، والشاب الغني المتمرد على سلطة الأب مما يحد من التجربة الإنسانية…
أما إيقاع الأحداث بالمسلسل: فبه قدر من التشويق مستفيداً من تقطيع الحلقات، وطبيعة الحبكة.
أفرطت السلسة في الميلودراما: بعض المشاهد فقدت الواقعية؛ حيث طغت الانفعالات المفتعلة على البناء المنطقي لسلوكيات الشخوص.
غياب البعد الرمزي بها حيث لم يشتغل صناع العمل على الرمزية أو الطبقات الدلالية، التي تمنح الدراما بعدها الكوني، إذ ظل العمل حبيساً للخطاب المباشر في حين الدراما العالمية الناجحة تمزج ما بين المحلي والإنساني عبر مستويات متعددة من القراءة.
وعليه، يتفق النقاد على أنه لكي يكون مسلسلاً ناحجاً عليه أن يتضمن:
الفكرة الأساسية:تكون مبتكرة،جذابة وقابلة للتطوير على مدى حلقات قادمة.
ولا أحد ينسى أهمية الفكرة أو الموضوع وضرورة جذبها لاهتمام المشاهد، وبمسلسل (الدم المشروك) الفكرة شكلت ابداعاً وابتكاراً شهد به كل المهتمين.
العالم الدرامي:عالم بقوانين خاصة (اِجتماعية،تاريخية،خيالية..) بمكان محدد وتوازن بين الواقعة والغرابة.
الشخصيات المحورية والمتطورة: شخصيات معقدة لها أهداف ودوافع وصراعات داخلية، تتغير وتنضج مع تطوُّر الحلقات.
أبطال وبطلات غير نمطيين: ومزيج من الشخصيات من الثانوية التي تثري العمل، وهكذا نجد أن الشخصية الدرامية تختلف عن الشخصية العادية في الحياة؛ لأن الشخصيات العادية نمط معروف سهل العثور عليه في أي مكان..ويتكرر بيننا..أما الشخصية الدرامية فهي غير عادية..من الصعب أن تتكرر..شخصية أكثر تطرُّفاً في شيء ما كما يقول بن جونسون(في كتابه المدخل إلى الفنون المسرحية لفرانك م. هوانيج ترجمة: كامل يوسف ود. رمزي مصطفى وبدر الديب ومحمود السبّاع ، دار المعرفة القاهرة 1970 ص 180) فليس كل شخصية في الحياة العادية يقتل أخاه كما نلاحظ في شفيقة ومتولي..ولا كل شخص يقتل في الحياة أباه ويتزوج أمه كما في شخصية”أوديب” ولا كل يوم يلقانا نموذج الشخصية ذات الأعصاب الهادئة في القتل من أجل المال كما صادفنا في مسرحية”ريا وسكينة”
الحبكة العامة:خط سردي رئيسي يمتد على مدار الموسم، كما على المسلسل الناجح أن يضم خطاً تصاعدياً لخلق التوتر المستمر، ويقود إلى ذروة محورية، وكل حلقة تخدم هذا الخط (مباشرة أو غير مباشرة) وبالعمل فكرته العامة هي موت الأم القوية، وعودة لقاء بناتها الثلاث بكل اختلافهن لحمل عبء إرثها.
الحبكة الفرعية:لكل حلقة بداية ووسط ونهاية، تُقدَّم جزئياً في الحبكة الكبرى بها صراع خاص بها، في نهايتها(تشويقية لجعل المشاهد ينتظر الحلقة الثانية، وهنا بدأت الحلقة الأولى بموت الأم) وهناك حبكات فرعية لقصص متفرعة صنعت بحرفية وذكاء.
الصراع والتوتر الدرامي: هناك صراع داخلي(نفسي،خارجي،داخلي..).
تنويع مصادر التوتر:عاطفي،اجتماعي،أخلاقي، قبائلي..صراعات متنوعة عرفت المسلسل داخلية عند الشحصيات وبين الشر والخير والطمع.
الحوار القوي:يخدم الشخصية والحدث:غير مباشر وتوضيحي أكثر من اللازم، نبرة مميزة لكل شخصية.الصمت،التلميح بذكاء. الحوار مرحلة مهمة في تكوين البناء الدرامي للعمل الفني، ويعمل على دفع الحدث للأمام، ويحتوي على عناصر الصراع.
لذا عليه أن يعبر بصدق وفي كلمات موجزة عن الشخصية،أو الشخصيات التي تؤدي الفعل ومؤكداً على المعنى والهدف المطلوب، كما عيه اختيار اللغة بعناية، الحوار بدون شك أداة رشيقة..حيوية لدراما الراديو..بينما التليفزيون أداته الأولى الصورة.
لهذا لابد أن يكون الحوار نسيجاً متكاملاً ، في كل فقرة منه جزء من الفكرة يقدمها للمستمع أو المشاهد في تسلسل منطقي متلائمٍ مع الأحداث والمواقف التي ينسجها.
وحوار (الدم المشروك) ظهر اختلافه وكتابته الدقيقة التي تذكرنا بحوارات المسرح عامة، ولعل كُتَّاب المسلسل سقطوا بدون قصد في “مسرحة الدراما التلفزيونية”.
الموضوعات والرسائل: ما الذي يدور المسلسل حوله (الفساد والسرقة) ورسائل ضمن السرد والأحداث، كما يحيل لتماسك العائلة ودور الوالدين وغيرها من المثل والرسائل القيمة، التي أراد صُنَّاع العمل ايصالها.
إيقاع متوازن:بداية قوية وتماسك الخاتمة، تطور تصاعدي في الوسط، ذروة درامية في النهاية تفتح الباب لموسم جديد، الجرأة والعنف محدد بالنبرة، وايقاع الحلقات بالعمل لعب على تطوير الأحداث وتنويعها بين جرائم سرقة، أو قتل وعلاقات حب غير متوقعة.
كما على المسلسل- لو أراد أن يكون ناجحاً- أن يحتوي إضافات مهمة: وهي عبارة عن هوية بصرية:أي أسلوب التصوير،الإضاءة،الموسيقى…والأكيد أن الإخراج وجودة الصورة والتمثيل شكَّلا فارقاً واضحاً، والمخرج الذي أصر على طرح فكرة العمل ولجأ إلى الكاتبة المصرية لتصوغها له بحرفية، وعليه أن يشمل التنوع: بالحوار والفعل الدرامي، كما يفضل وجود ما يسمى “الواقعية العاطفية”:وحتى في قصص الخيال:والحب الفاشل وغيرها..
غير أن الممارسين بالبلد يتجاهلون النقص الحاد بمجال الكتابة وغياب الجانب الأكاديمي المناسب في التلفزيون، وإن تواجد بمجال السينما والمسرح، فأغلب الكُتَّاب لا في التلفزيون ولا في السينما هم المخرجون أنفسهم الذين يظنون أنهم قادرون على الجمع بين الحُسْنين:الكتابة والإخراج.
وهناك كُتَّاب درسوا الفن بالخارج ويكتبون ببلدهم، وهناك أعمال صنعت بدون (ورق) بشهادة صُنَّاعها.
كما أن بعض الممارسين في المسرح أو السينما كالممثلين الذي يلجون مجال الكتابة، لكن لم يتم الاعتماد على كُتَّاب المسرح أو الرواية إلا نادراً، ونظراً لهذه المعضلة، يجب ضرورة التفكير في حلول ومقترحات لآفاق تطوير كتابة السيناريو بالمغرب وهي :
إرساء ورشات تكوين متخصصة لإعداد محترفي هذا المجال، وضرورة التركيز على كتابة الدراما التلفزيونية في المعاهد الفنية المتخصصة واضافتها بالجامعات.
تشجيع الكتابة الجماعية لتفادي هشاشة النصوص الطويلة.
كما يجب الانفتاح على العلوم الإنسانية وذلك لإغناء المعالجة بالقيم المعرفية (مسرح،رواية..)
تعزيز البعد الرمزي والكوني في الأعمال للوصول إلى المتلقي
خلق مسابقات وجوائز موسمية للمواهب الشابة لصقل تجاربها
الِاستفادة من تجارب أخرى عربياً(مصر وسوريا مثلاً)،وعالمياً(تجربة جارتنا إسبانيا).
وليس عيباً أن يستفيد المجال من دول شقيقة مثلاً وخصوصاً مصر التي(اتهم)المسلسل بتقليد أعمالها حتى وإن كان، فالجميع بمصر يشهد بتقليد لسينمات أخرى عالمية في بدايات السينما المصرية حتى الوصول إلى خلق هوية خاصة تحلق في المدى العربي.
وبالنظر إلى تجربة مصر في صناعة الأعمال التلفيزيونية أو الفن بصفة خاصة نجد: تراكماً تاريخياً: كُتَّاب عظام صنعوا عمقاً وأساساً في مجال نصوص كتابة السيناريوهات، وتنوع الأجناس:الدراما الِاجتماعية،السياسية،التاريخية،الكوميدية…
أعمال لها قيمة رمزية:نصوص تخاطب المتلقي والنقاد.
والاحترافية الصناعية: كتابة جماعية،ورش عمل،مسابقات كتابة…وحود شركات انتاج متنوعة وقنوات تلفزيونية عديدة.
ولا شك في ريادة الداراما المصرية في الوطن العربي،مع بروز نجوم كبار مما أعطى ثراء للشاشة الصغيرة، ومرت أكثر من ستين سنة من الأعمال الفنية الدرامية التي حفرت تاريخاً طويلاً عظيماً للدراما المصرية، فعلى مدار 6 عقود تمكنت من الاحتفاظ بمكانتها بالمقدمة، بعيداً عن المنافسة بعدد ضخم من إنتاج الأعمال الدرامية، وبتنوع كبير من الأعمال ما بين اجتماعي وكوميدي وديني.
وفي الثمانينيات زاد إنتاج الدراما المصرية، وعرفت أوجها مع أعمال خالدة ك: (ضمير أبلة حكمت)،(رأفت الهجان)،(ليالي الحلمية)…والتي اعتمدت على الأدباء،وعرفت دخول الاحتكار في كل شيء.
بلورت الدراما المصرية مفهوم السيناريو المكتوب خصيصاً للمسلسل، وصارت أكثر جرأة في الاقتباس من الأدب الروائي وتحويله إلى مسلسلات، عاشت حتى الآن مع المشاهد العربي، فمثلا أسامة أنور عكاشة يُصنف في خانة كتاب السيناريو الأدباء الذين غيَّروا كلياً هذا المجال وترك بصماته عليه بشكل ملحوظ.
و برغم تراجع وانهيار الدراما المصرية في مواجهة الدراما السورية: (علي الزيبق)،(الظاهر بيبرس)..فلازالت تتربع في الشاشات الصغيرة العربية، فهل تساءل صُنَّاع الدراما بالمغرب كيف نافست سوريا مصر درامياً وتغلبت عليها؟
وكيف نشطت هذه الكلاسيكيات المصرية على مستوى الكتابة للصورة، طريقاً وعرة للاستقلال بنفسها عن أنماط الكتابة الإبداعية الأخرى في السينما والإذاعة، وفي زمن قياسي، اِستطاعت أن تطوِّر مفهوماً ابتكارياً للكتابة للصورة، أقرب في البداية أكثر من الحياة الاجتماعية، ودخل عوالمها وتناقضاتها وتمرس بها، ثم صار هذا المفهوم أكثر جرأة، واقتبس من الرواية، واستطاع أن يعيد نظمها في إطار سيناريو تلفزيون المختلف عن السينما والإذاعة، لتصبح كل كلاسيكيات الدرامية المصرية مرجعاً مهماً لكل صُنَّاع الدراما المعاصرة في العالم العربي.
وعرفت بدايات التلفزيون والسينما والمسرح بمصر تقليد وتمصير بعض الأعمال العالمية، فإذا نظرنا إلى أغلب الأعمال التي تُقدَّم في التليفزيون المصري سنجد أنه كثيراً ما تُقدَّم شخصيات ومواقف بعيدة عنه لأن المؤلفين-أو على الأدق المُعِدّين- قد لجأوا إلى الأفكار الأجنبية ببيئاتها وظروفها وأفكارها وحضاراتها وعاداتها وتقاليدها المحتلفة وهي تختلف تمام الاحتلاف عن البيئة المصرية والشخصيات التي تُقدَّم في كثير من هذه الأعمال يرفض المتفرج المصري أن يكون مثلها، أو يعيش أحداثها.
ولو عرَّجنا على الجارة إسبانيا التي لا يختلف اثنان في قوة مسلسلاتها وفي طرفة عين يحاول نقادها أن يعرفوا سببها، كل شيء تغيَّر عندما بدأت القنوات التلفزيونية الخاصة البثَّ في عام 1990، هنا بدأ العصر الذهبي الثاني،الأكثر صناعياً منه إبداعياً، لكنه خلق- مع التكرار للتأكيد- بداية وترسيخ صناعة رفيعة المستوى.تعد قاعدة لما هو قائم اليوم، كما رفع مستوى المنافسة، في وقت كان فيه الاستهلاك مرتفعاً،وهو ما حدَّد توجهاً أساسيا:أكثر البرامج مشاهدة هي (الأحداث الرياضية وأعمال الدراما(المسلسلات)
ولا يحتاج الأمر سوى النظر إلى الأرقام بحسب بيانات فورمولا تيفي(Formula TV) الخاص بالمسلسلات الأكثر مشاهدة في إسبانيا حتى اليوم، وهنا نصل لمربط الفرس:المغرب لم يفتح البثَّ لقنوات خاصة منذ أن عممت قناته الثانية التي كانت اللبنة التي يمكن معها خلق قنوات أخرى تضاهي مصر مثلاً، وإن عجز عن خلق قنوات رياضية لركوب تحدي تظاهرات عالمية بأرضه، مع العلم أنه يحتوي على إعلاميين متميزين ينجحون في قنوات عربية، وهنا في مجال الأدب لابد لنا أن نذكر تجربة الشاعر “عدنان ياسين” الذي كان يُقدِّم برنامجاً ثقافياً على القناة الأولى، لكنه لم يستمر وها هو يُحَلِّقُ في قنوات عربية بثبات.
ولا ننسى اسم “بلال مرميد” الذي انتقل من الإذاعة إلى الشاشة وراكم في برنامجه الفني تجربة يجب استثمارها في قناة ثقافية خالصة مختلفة عن تجربة الثقافية المغربية الخجولة.
ختاماً،حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي أن التلفزيون حين بدأ استطاع ولا زال يستقطب عاملين من المسرح والسينما والإذاعة وهؤلاء طَوَّعوا علومهم ومعارفهم وممارستهم الفنية والتقنية للاستفادة منها في تطوير فن التلفزيون ومحاولة مواءمتها معه.
وإن كان هذا قد أدَّى أحياناً إلى تطبيق ما جاء في كتب دراما المسرح على السينما أو التلفزيون، فسادت بعض المفاهيم الخاطئة، أو على الأقل التي لا تتواءم مع خصائص الفن السينمائي، وتراعي جماليته وتطوره.
وبالمغرب يعرف القطاع حضوراً مُلفتاً لممارسي المسرح الذين آثروا وأثروا المجال حتى وإن آمنوا بتقنيات ومغالطات قد تساهم في إنتاج غير متكامل، أو لا بالقريب من الجانب المسرحي ولا من الجانب السينمائي ومبتعداً عن التلفزيون كفن مستقل له شروطه وصناعته المتطورة.
كما يجب فتح الأجواء وتشجيع القنوات الخاصة المتخصصة(سينما،مسلسلات،وثائقية..) لتحقيق إنتاجات متراكمة صناعياً وابداعياً لاحقاً.
ورقة تقنية عن المسلسل:
اِسم السلسلة:(الدم المشروك)
.فكرة:هاجر علي إسماعيل.
سيناريو:هاجر على إسماعيل، أمين اسماعي، سمير قاصري، حوار:سميرقاصري،العربي أجبار.
تشخيص:دنيا بوطازوت،عبد الله ديدان،مريم الزعيمي،ساندية تاج الدين،يسرى بوحموش،محمد الخياري،سعد موفق،أيوب أبو النصر.
إخراج:أيوب الهنود.
ملخص:تبدأ الأحداث بوفاة(شريفة)المرأة القوية التي قادت إمبراطورية لتربية المواشي(البقر)،تاركة إرثاً في يد بناتها الثلاث(رحمة،سعيدة،غيثة).
فنعيش معهن قصصاً وأحداثاً وتحديات ومواجهات في عالم تجارة البقر،والسوق وعقليات الخصوم والطامعين أبرزهم:(قاسم،بشير ورقية) ثلاثي تشبع بالجشع والفساد والسرقة(سرقة البقر التفرقيش التيمة التي كان مسكوتاً عليها محلياً).
★ناقد ـ المغرب.




