إذاعة وتليفزيونمشاركات شبابية

أسماء طارق: الصندوق هل يحق لنا إزهاق الأرواح بحجة الشفقة؟!

أسماء طارق

حَفَلَ موسم شهر رمضان لهذا العام، بمجموعة متميزة من الأعمال الدرامية، ذات الخمس عشرة حلقة، ومن الأعمال التي كانت منتظرة في النصف الآخر مسلسل “الصندوق”، الذي لفت الأنظار من خلال إعلانه الترويجي، الذي أشار أننا بصدد عمل درامي مختلف، لما يحمله من غموض وإثارة، بما يشبه قليلاً الدراما الغربية، فالموسيقى والأجواء، وفكرة الـ ” Mystery Box ” تؤكد على هذه الحالة.

العمل بطولة: علي قاسم، أحمد داش، هدى المفتي، سماح أنور، وضيوف الشرف بيومي فؤاد، حمزة العيلي، تامر نبيل، تارا عماد، ريهام عبد الغفور، أحمد خالد صالح، رشدي الشامي، تأليف مصطفي صقر، وإخراج مروان عبد المنعم.

ماذا يوجد في الصندوق الغامض؟

ثلاثة شباب لا سابق معرفة بينهم، تجمعهم حفلة عيد ميلاد صديقتهم ريم، يظهر أمامهم صندوق غامض، ويقومون بالبحث عن ما وراء الصندوق، ليكتشفوا مع ربط الأحداث ببعضها، أنهم يبحثون عن مجموعة أشخاص تم خطفهم، ويمكن إنقاذهم من خلال تتبع ما في الصندوق، ليكتشفوا أنهم أمام خاطف مختل نفسياً، يستهدف الشخصيات التي تعاني من أمراض جسدية مزمنة، مثل السرطان، أو أمراض نفسية، مثل القلق المزمن، ويقوم بخطفهم وقتلهم، بهدف تخليصهم من عذاب المرض.

 يظل حضور الحفل في بحث دائم عن المخطوفين والخاطف، ومن خلال رحلتهم نتعرف على حياة كل شخصية منهم، فنستنتج أن كلاً منهم يواجه ماضياً مؤلماً، لم يتمكنوا من التخلص منه، بالإضافة أننا نعرف أيضاً عن ماضي، ومعاناة كل شخصية تم خطفها، والرابط الذي يجمع بينهم.

ماذا سيحدث بعد؟

مع متابعة حلقات المسلسل، نلحظ أنه يجسد قالب الدراما النفسية، أو دراما الجريمة، وهو ما يضع المسلسل في حالة من التوتر والإثارة النفسية، حيث تتعمق هذه الدراما داخل النفس البشرية، بما تحتويه من اضطرابات نفسية، فمن بداية الحلقات كان هناك فضول دائم عن ماذا سيحدث بعد؟

مما يدفعك لتكملة العمل للنهاية، ومن مميزات كتابة العمل أنه لا يعطي تنبؤاً واضحاً، حيث يجعلك تتنبأ بنهاية الأحداث، قبل انتهاء المسلسل تارة، ثم يفشل هذا التنبؤ تارة أخرى، ففكرة أن هناك رابطاً يجمع بين تلك الشخصيات المخطوفة، وهذا الرابط، هو الخيط الذي يساعد في التوصل لمعرفة هوية الخاطف، كان مبرراً درامياً موفقاً، لتسلسل الأحداث، وبالتأكيد مع قرب انتهاء المسلسل، أي قرب معرفة هوية الخاطف، وأسباب جريمته، ومعرفة مصير المخطوفين، يهيئ المشاهد نفسه للمفاجأة غير المتوقعة، مثل أن يكون الخاطف شخصاً قريباً منهم، ويتعامل معهم، ولكن لم يكن هناك مصدر شك، ويصبح هو الخاطف في النهاية، مثلما يحدث في المسلسلات الغربية تماماً، وهذا يعرف بمصطلح Plot Twist، ويمكن تعريفه بأنه تحول جذري في حبكة العمل، ولكن بعد أن قرر كل منهم الإعلان، عن هذا الخاطف في فيديو على مواقع التواصل، تظهر لنا شخصية حمزة العيلي، ونستشف أنه هو الخاطف، وذلك من خلال صور المخطوفين المعلقة لديه على الحائط، وأنه هو أيضاً يحمل مرض السرطان، من هنا تنزاح تنبؤاتنا، ويستمر الفضول لمعرفة قصة هذا الشخص.

كيف نفذ العمل تقنياً

يحاول هذا العمل أن يضع له بصمة خاصة، من خلال التنفيذ المختلف للعناصر الفنية، بحيث تلائم حالة الغموض والإثارة، فنجد مثلاً في الحلقة الأولى طريقة تصميم الكادرات، خاصة في منزل يوسف “علي قاسم”، حيث زاوية الكاميرا من أعلى، تصور لنا منزله، وكأنه صندوق، ربما يشير هذا لفكرة المسلسل بشكل عام، أما الإضاءة في المسلسل، فقد تم تنفيذها بشكل جيد، حيث الألوان القاتمة، وظلام الليل، مما يؤكد على حالة الغموض والإثارة، التي ذكرناها من قبل.

 أما طريقة تنفيذ غرفة كل شخصية، فكانت تحاكي نفسيتهم، وشخصيتهم، فنجد منزل يوسف، الذي يعيش فيه بمفرده بعد أن استقل عن عائلته، نظراً لوجود بعض الخلافات بينه وبين والده، منزلاً غير مرتب، قاتم الألوان حديث إلى حد، أنه يحتوي على العديد من أجهزة الحاسوب، نظراً لعمله في مجال اختراق الأجهزة، التي يسترزق من خلالها، والتي هي أيضاً مصدر الخطر المحيط به.

 أما غرفة نور “هدى المفتي” في منزل والدتها، فتتسم بالقتامة، حيث الألوان الرمادية، التي توحي بالفراغ والسكون والوحدة، وهذا بالفعل ما يظهر على شخصية نور، فنكتشف علاقتها المتوترة بوالدتها، والحالة النفسية التي تتملكها، منذ أن حدث الانفصال بين أبويها، لذلك فهي دائما تشعر بالفراغ الداخلي، والغضب، واللامبالاة، نظراً لمحاولة سيطرة والدتها عليها.

أما “ياسين” فغرفته تعبر عن شاب مراهق، غير مكترث بدراسته، يعيش مع والدته المريضة بمفردهما، ونكتشف مع الأحداث، وجود علاقة متوترة بينه وبين والدته، نتيجة إهماله لها أثناء مرضها، وقضاء حياته بطريقة عشوائية، ونستشف ذلك من خلال خروجه المستمر.

أما عنصر الملابس، فقد تم توظيفه بما يناسب سمات كل شخصية بشكل حرفي، خاصة شخصية نور، فنجد أنها دائماً ترتدي الملابس الفضفاضة، ذات الألوان الشاحبة، ولا تهتم بتغيير أسلوب ملابسها في كل مرة، ولا بتصفيف شعرها، رغم مكانتها الاجتماعية المرموقة، ولا تضع أي مكياج، بل تظهر دائماً على طبيعتها، غير مكترثة بإظهار جمالها، بالإضافة أن هذا يدل على حالتها النفسية، وشخصيتها المنطوية، كذلك ملابس يوسف، تدل على شاب وحيد لا يهتم كثيراً بمظهره، فتتسم ملابسه بالملابس العملية، ياسين أيضاً كانت ملابسه عملية، تدل بعض الشيء على مكانته الاجتماعية، التي تعتبر فوق المتوسط، حيث نجد لديه سيارة خاصة به، ودائماً ما يعرض أمواله كنوع من الرشوة، كي ينجز بعض المهام المطلوبة منهم، أثناء رحلة بحثهم عن الصناديق، وكان تصميم تلك الأزياء، ملائماً مع طبيعة الأحداث،  من حيث حركة البحث المستمرة، والِانتقال من مكان لآخر، هناك مشهدٌ واحدٌ، نرى فيه تحول الملابس للشخصيات الثلاثة، من ملابس عملية، لملابس أكثر أناقة، عندما ذهبوا إلى حفلة دار الأوبرا، ليتتبعوا قصة أروى، إحدى ضحايا الصندوق.

أما عن الأداء التمثيلي للشخصيات الثلاث، فقد تمكنت هدى المفتي من تقمص شخصية نور، من حيث حالتها النفسية، وتلك الأدوار يبدو أنها مرهقة فعلياً للممثل، ولكن بدا عليها فهم السمات النفسية للشخصية، فجسدت لنا اضطراباتها الداخلية من خلال انفعالاتها، التي تتسم بالبرود تارة، والغضب تارة أخرى، بالإضافة أنها تحمل سمات الذكاء، وربط الأحداث، وظهر ذلك أثناء رحلتهم مع الصناديق، وظهر جانب المشاعر الممزوج بالخوف، عندما وقعت في حب يوسف، فكان الأداء واقعياً متقناً، أما علي قاسم  فقد حظي بمكانة كبيرة لدي الجمهور، بسبب عدم مبالغته في الأداء التمثيلي، على الرغم من أن هذه السمة، هي ذاتها انتقاد له من بعض الجمهور، على اعتبار أنه  يستخدم إيقاعاً هادئاً في الأداء، ولكن قبوله الشديد لدى جمهوره، ساهم في تسليط الضوء على موهبته، فقد أثبت قاسم في دور يوسف، قدرته على تقمص الشخصية، والسيطرة على إيقاع الأداء لديه، خاصة في مشاهد الِانفعالات والغضب، أي أنه حقق التوازن، بحيث يقدم انفعالاً واقعياً قوياً غير مبالغ.

فيما يخص شخصية أحمد داش، كانت تحمل العديد من السمات المختلطة المراهقة، العبثية، وعدم تحمل المسؤولية في البداية، وتحملها كما ينبغي عند الضرورة، الطموح، والثقة في النفس، وخفة الدم، كل هذه السمات وفق في تجسيدها، ولكن يؤخذ عليه في الحلقة الأخيرة، أثناء قتل أمه أمام عينيه، لم يوفق في أداء انفعالاته كما تطلبه المشهد.

جريمة قتل أم رحمة من العذاب؟!

مع تتابع الأحداث، ندرك أن هؤلاء الضحايا، هم ضحايا شخص مختل ذهنياً، يبرر قتله لهم، بأنه رحمة من عذاب مرضهم، ولكننا نبقى في حالة غموض، ولا نعرف ما الدافع وراء ارتكابه هذه الجريمة، وما الأسباب التي أدت به لهذا الطريق؟، لنقترب في الحلقات الأخيرة من بعض الإجابات، وهذا من خلال الصندوق الأخير، فنجد أن أول ضحية، هو شخصية خضر بطل كمال الأجسام سابقاً، والذي ترك هذا المجال واتجه للعمل، لكسب العيش من أجل زوجته وابنه، وتعود هذه القصة لزمن قديم، حين يكتشف خضر أنه مصاب بسرطان الرئة، مما يعوقه عن العمل، ويشعر أنه أصبح حملاً ثقيلاً على عائلته، ومن ثم قرر ترك أسرته للعمل في مكانٍ آخر، ولكنه لم يتمكن بسبب تضاعف مرضه، وعدم مقدرته  لتوفير علاجه، إلى أن يقع بين يد الممرض فريد والدكتور عبد الله، ومع متابعة الدكتور عبد الله لحالة خضر الميؤوس منها، يتأثر بحالة خضر الذي يرغب في الخلاص من نفسه بسبب شعوره بالألم، وبعدها يتوفى خضر في ظروف غامضة.

 وفاة خضر نعرفها من خلال الممرض فريد، بعد أن تمكن كلٌ من نور ويوسف من الوصول له، لمعرفة تفاصيل موت خضر، ويكشف فريد لهما حقيقة الدكتور عبد الله، الذي يقوم بقتل المرضى، الذين يعانون من الألم ولم يتبقَ لهم إلا أيام معدودة، اِعتقاداً منه أنه بذلك يرحمهم من عذاب مرضهم، أي وضعه الله في طريق مرضاه، كي ينهي عذابهم، فكان خضر أول ضحاياه، وانتهى الأمر بإعدام الدكتور عبد الله، لتتنقل العدوى لدى ولديه، اللذين يحمل أحدهما مرض السرطان، والذي أراد كما يدعي نشر فلسفته الروحانية، فيما يخص تخليص الناس من ألمهم، باعتباره من أولياء الله الصالحين، والشعور بكل تفاصيل حياتهم وحياته هو أيضاً، لذلك أرسل لهم في أول صندوق، أن بإمكانهم إنقاذ حياة إنسان، المقصود به هو نفسه، ولكن الأخ الثاني شريف تحول إلى قاتل يستلذ بقتل الناس، لمجرد شعوره بالوحدة، مما دفع أخوه ناجي للإبلاغ عنه  في الحلقة الأخيرة.

 يقوم الممثل حمزة العيلي في دور “ناجي” بأداء قوي، يسرد ويعبر فيه عن الحالة الروحانية، التي وصل لها، وتدفعه لتخليص الناس من عذابهم، هذا الأداء الذي يستوقف تفكيرك.

هل ما قام به هو بالفعل جريمة قتل؟ كما قال أثناء التحقيق أن الجميع سيدعون فعله جريمة قتل، أم هي محاولة تخليص الذات البشرية، من شعور الألم، طالما كان نهايتها الموت، خاصة أن ناجي، كان يشعر بعذابهم نتيجة مرضه؟!

 ربما هي بالفعل فكرة فلسفية واسعة، ولكن في النهاية يحكمنا دين الحق، حيث يقول الله عز وجل في سورة الإسراء “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق”.

 خالية من الإثارة

عندما يتسم العمل بطابع الغموض والألغاز، نكون في حالة ترقب وانتظار للحلقة الأخيرة، التي نكتشف فيها حل كل الألغاز، لذلك لابد أن تكون نهاية جيدة الصنع، محكمة الإيقاع، كي يظل منحى العمل في الصعود، مما يدفع الجمهور للتفاعل شعورياً مع الأحداث، فجاءت الحلقة الأخيرة، بإيقاع متوسط مختزل خالٍ من الإثارة، بالإضافة لتوسط حالة الأداء في المواقف، التي تحتاج قوة في التعبير والِانفعال، وهذا بعكس الحلقات السابقة، ولكن يؤخذ في الِاعتبار، الأداء القوي الذي جسده كلٌ من حمزة العيلي، وتامر نبيل في هذه الحلقة، على الرغم من كونهما من ضيوف الشرف، أما اللقطة الأخيرة في الحلقة، فهي لقطة متعارف عليها في أفلام الرعب، والإثارة في هوليود، وهي ظهور الشيء، أو الشخص الخطر مرة أخرى، بعد مرور مدة من الزمن، ثم وضع تتر النهاية، على الرغم من أن مسلسل “الصندوق” لم يلاقِ التفاعل الذي لاقته بعض المسلسلات الأخرى، التي عرضت في النصف الأول من شهر رمضان، ربما لأنه كان في النصف الآخر، أو ربما لتقاعس الصفحات في الترويج له بشكل كبير، إلا أنه تجربة درامية مختلفة، تجذب لمشاهدتها، خاصة أنها تحمل فكراً فلسفياً عميقاً، يحاور النفس البشرية الداخلية، فمن الجيد أن تقدم الدراما المصرية أنماطاً مختلفة، عن طابعها بطريقة تقنية تتناسب مع التكنولوجيا الحديثة، وفي ذات الوقت لا تكون نسخاً من دراما الغرب، بل أن تكون القصة تأليفاً مصرياً خالصاً، مع محاولة تطوير تقنيات دراما الرعب النفسي، والإثارة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 كاتبــة ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى