إذاعة وتليفزيون

شهد إبراهيم: “بين السطور”.. إلى أي حد تأثر بالمسلسل الكوري “Misty” ؟!؟

شهد إبراهيم ★ 

دأبت الدراما المصرية منذ ظهورها، على تقديم الروايات الأدبية، وقد تدفع الأفكار الجاهزة و النجاح المضمون صُنّاع الدراما المصرية إلى اللجوء لفكرة الاقتباس من الأفلام و المسلسلات الأجنبية، تلك الفكرة المنتشرة كثيراً بالآونة الأخيرة، ليتحول الأمر من أحداث مستوحاة، أو تشابه في الخطوط الرئيسية، إلى اقتباس شبه كامل، مع تغيير بعض الأحداث التي لا تتلاءم مع المُشاهد المصري.

تَصدّر مسلسل “بين السطور” تريند مواقع التواصل الاجتماعي، منذ عرض أولى حلقاته، وهو مستوحى في الأساس عن الدراما الكورية، من مسلسل “misty”، والذي تتمحور أحداثه حول مذيعة عنيدة (غو هاي ران)، تصبح مشتبهاً بها في قضية قتل، ويقرر زوجها (كانغ تاي ووك) المنفصل عنها، الدفاع عنها، ومن ثم يقعان في الحب مرة أخرى.
ما بين قوة و ثقة بالنفس، وضعف وبكاء، وشعور بالهزيمة والخيانة…تُجَسِّد “صبا مبارك” الكثير من التناقضات، من خلال البرومو التشويقي الرسمي لمسلسل “بين السطور”، ليمثل ظهورها كلمة السر بين “محمد علاء”، و”أحمد فهمي”، ويثير التساؤلات حول الدور الذي تلعبه في حياة كلٍ منهما، وهو واحدٌ من الأعمال الدرامية المميزة المطروحة هذا العام، والتي تعرض على مجموعة قنوات (أون)، وقنوات (ام بي سي) بالتزامن مع منصة شاهد، المسلسل من إخراج: وائل فرج، وتأليف: نجلاء الحديني، وتطوير ورشة سرد، وبطولة: صبا مبارك، أحمد فهمي، محمد علاء، سلمى أبو ضيف، عمرو جمال، وليد فواز، نادين فرج، باسل الزارو، علي الطيب، ومجموعة من الفنانين.
ما بين الإثارة و التشويق، تدور أحداث مسلسل “بين السطور” حول “هند سالم”، والتي تجسدها (صبا مبارك)، الإعلامية الشهيرة، التي تحاول التقدُّم أكثر في عملها، عن طريق البحث عن استضافة شخص مشهور، إلا أنها بسبب ذلك، تنقلب حياتها رأساً على عقب، بعد تورُّطها في قضية قتل كبيرة، والتي ستكشف الكثير عن ماضيها، والذي يحمل قصة حب قديمة مع هذا الشخص، وتجد نفسها مضطرة لمواجهة ماضيها بعدما اعتقدت أنها تجاوزته.

بُعد فني:
يبدأ المسلسل في الحلقة الأولى بعرض الشخصيات للمُشاهد، ولكن بشكل مبدئي، وذلك لأن الشخصيات في المسلسل تتطوّر بشكل سريع بتطوُّر الأحداث، ونجد (هند) صبا مبارك في منافسة شرسة مع الاعلامية الشابة (ملك شهاب)، والتي تجسد شخصيتها “سلمى أبو ضيف”، التي نرى على وجهها ملامح الغيرة، و الحقد تجاه هند، تلك المشاعر التي تجعل شخصيتها مهتزة، وقد استطاعت “سلمى أبو ضيف” إظهار ذلك، وإظهار عدم ثقتها بنفسها في بعض المَشاهد، وأنها تحاول طوال الوقت أن تضع نفسها في منافسة أمام هند، حيث جاءت جميع أداءاتها بشكل طبيعي، وغير مبالغ فيه، تجعلنا نشعر وكأنها في منافسة حقيقة، وكان أكثر المَشاهد التي برعت فيها في إظهار أداء تمثيلي مرتبط بدوافع داخلية، مشهد استجواب الضابط لها في قضية جيمي، ظهر بشكل ملحوظ خوفها، وثقتها المهزوزة على مستوى حركة الجسد “البادي لانجوتش” وأيضاً على مستوى تعبيرات الوجه، والأداء التمثيلي، نرى ملابسها متنوعة بين الكلاسيك والكاجوال، وأيضاً تسريحة شعرها متنوعة طوال الوقت، ويرجع ذلك لأنها شخصية تستطيع استغلال الفرص، ونرى ذلك واضحاً في اختلاف ملابسها في محطة الإذاعة، عن ملابسها وهي تقابل جيمي، فكانت ملابسها كاشفة جريئة، تسعى في ذلك إلى لفت انتباهه، مع ماكياج مبالغ فيه في بعض المشاهد، والبعض الآخر بدون ماكياج.

تعقيدات شخصية هند:
اما عن صبا مبارك (هند) فما يثير الإعجاب في أدائها التمثيلي، هو الغموض، فهي شخصية مُحَمّلةٌ بدوافع نفسية منذ الصغر، بسبب تدخُّل والدتها في جميع قرارتها، وأنها طوال الوقت تريد أن تراها ناجحة، حتى وإن تَطلَّب نجاحها ذلك الكثير من التضحيات، ونجد هذا في حوارها مع والدتها، وهي تقول “أنا لو هعمل لقاء مع أبويا نفسه، بس هزود نسبة المشاهدة، هعمل كده” وبذلك نرى أن علاقتها مع والدها غير مستقرة أيضاً، وأنها تعاني من مشاكل نفسية بسببه، فقد أتقنت “صبا” التحكم في انفعالاتها، وظهر ذلك في مشاهدها مع محمد علاء (جيمي) وهي تحاول إخفاء حبها القديم له، و تحاول أن تجعل زوجها لا يشعر بتلك العلاقة، وردود أفعالها المُتقنة، وظهر ذلك بشكل ملحوظ في مشاهدها مع زوجها، وبالأخص مشهد إخبارها له أنها أجهضت نفسها، وأيضاً تمكُّنها من أداء لغة الصمت، التي ظهرت بشكل واضح في مشهدها مع والدة زوجها، إذ أننا نجدها أدّته بتعبيرات وجهها، وذلك لأنها لا تريد الإنجاب لأنها ترى أنه سيكون عقبة في تحقيق نجاحها، حيث قالت “أي قناة هتطلع مذيعة، وبطنها قدامها” بالإضافة إلى نظرات عينيها، التي تُعَبِّر عن الكثير من الكلمات، ومشاعر الانتصار على والدة زوجها، بعد أن استطاعت أن تتزوج منه على الرغم من عدم رضاها، وكانت ملابسها طوال الوقت رسمية، لطبيعة عملها، وأنها تريد أن تكون مثالية طوال الوقت، وتسريحة شعر قصيرة، تُعَبِّر عن شخصيتها، وذلك لأنها امرأة عملية، وماكياج بسيط، وبألوان داكنة، لِتُعَبِّر بذلك عن الغموض الذي بداخلها.

العمق النفسي والدرامي:
وقد اشتدت الأزمة بين حاتم (أحمد فهمي) وهند، وذلك لمحاولته معرفة طبيعة العلاقة بينها وبين جيمي، الذي يشعر دائماً بعدم الانتماء، وهذا ما جعله فريسة سهلة للاستغلال، وكان في ذلك التمرد اختياره لهند، الفتاة التي ستساعده يتمرد على قالب عائلته، ولكن عندما رأى نتيجة اختياره، قرّر البقاء وهو مكتئب، حتى لا يصبح منهزماً ومنسحباً، واستطاع احمد فهمي تقديم ملامح شخصية بداخلها كل ذلك العمق، بأداء تمثيلي واقعي وغير مبالغ فيه، فهو سلبي جداً في بعض التصرفات، يُفَضِّل أن لا يأخذ ردود أفعال، وأن يتحمل نتيجة أخطائه بدلاً من أن يعترف بها، وينسحب من حياة غير ملائمة له، جميع ردود أفعاله صادقة، نابعة عن دوافع داخلية.
اما عن محمد علاء (جيمي) فكان أداؤه مميزاً، فهو رجل متزوج يُحب امرأة أخرى، وحبه ذلك يجعله يتصرَّف كالأطفال، دون الأخذ في الاعتبار نتائج تصرفاته هذه، وذلك الأداء نابع عن مبرر، وهو أنه شخص محب محروم من حبه، واستطاع محمد علاء، تقديم ذلك بشكل صادق ومميز.

ظهور مميز:
يعد اختيار الممثلين أحد أبرز عناصر قوة العمل، وقد كان لنادين فرج (هدى) ـ زوجة جيمي ـ ظهور مهم، ومميز، أنها شخصية تكاد تكون تخدعنا و تُظهر لنا جانبها الطيب، وأنها شخصية ساذجة، تعرف خيانة زوجها لها وتسكت، ولكن مع مرور الأحداث، وتتابع الحلقات، نجدها تحاول التقرب من حاتم ـ زوج هند ـ وكأنها تحاول الانتقام منها، وقدّمت ذلك نادين بشكل مميز ورائع.
وكذلك علي الطيب (علاء) والذي لديه ذكاء في اختيار الشخصيات المختلفة، وقد كان اختياره لتلك الشخصية موفقاً، وقدّمها بشكل متوازن دون مبالغة، أو إفراط في الاعتيادية، جعلنا نتفاعل معه.
و”عمرو جمال” والذي تألق في تجسيد شخصية (بكر) وهو مساعد مخلص لهند في عملها، و قدّم الشخصية بصدق جعلها قريبة من الجمهور، هو أكثر الشخصيات المبتعدة عن المبالغة، وكانت جميع أداءاته عفوية، وكأنها غير مستندة لحوار مسبق.
ووليد فواز (محمود) الذي يبدو وكأنه يحمل سراً خطيراً وكبيراً، سيدفع الأحداث بعد ذلك، فهو شخصية غامضة، وقد أدّى وليد فواز هذا حتى الآن بشكل رائع، فتعبيرات وجهه و أداءاته كما لو أنه حقاً يُخفي شيئاً ما خطيراً.
وأيضاً باسل الزارو (يحيى) ـ مدير أعمال جيمي ـ والذي يثق فيه جيمي ثقة عمياء، وعلى الرغم من تقرُّبه له، ولكن كتبها شكسبير في يوليوس قيصر منذ زمن بعيد “حتى أنت يا بروتس”…فهو يبدو أنه يقع في حب هدى، هذا الذي لم يكن واضحاً على باسل في أي مشهد يجمع هدى بزوجها، ونشعر كمشاهدين أنه لا يحبها، ولكن بمَشاهده المنفردة بها نرى هذا الحب، وهذا أداء محكم من باسل.

30 حلقة ولكن..
أي عمل درامي يعتمد أساساً على طبيعة القصة والأحداث، وليكون عملاً ناجحاً، ويحتمل 30 حلقة، لابد أن يكون سير الأحداث بالتوازي مع شخصيات ثانوية متعددة، تَصُبُّ كلها في الحدث الرئيسي، فمعضلة ال 30 حلقة شائعة في الوقت الحالي، وهي في الأساس لا ترتبط بجودة العمل، فالأمر يرتبط بالأحداث، وأن تكن مترابطة، تتحمل تلك الأبعاد والعناصر كافة، دون أن تنفلت الحبكة من يد المخرج، وهذا ما نراه في مسلسل “بين السطور” حتى الآن، فالأحداث جميعها مرتبطة تدفعنا نحو معرفة القاتل الحقيقي.

التقنيات الإخراجية:
يعتمد المسلسل على أسلوب سرد جذّاب، ينقلنا من الماضي للحاضر طوال الوقت، ليتم ربط الخطوط تدريجياً، بشكل تشويقي، وكانت معظم زوايا التصوير متوسطة؛ لإظهار وجوه الممثلين، ولغة جسدهم، لِيُعَبِّر عن الدواخل النفسية لكل شخصية، عن طريق الأداء التمثيلي، وليس الحوار فقط، وتم توظيف المؤثرات الصوتية أيضاً، والموسيقى بشكل ممتاز، والديكورات كانت واقعية، المنازل جميعها ذوقها راقٍ، وكذلك مقرات العمل، وكانت الملابس تُعَبِّر عن شخصية أصحابها، وكذلك تسريحات الشعر التي يجب أن يتم اختيارها بعناية للتعبير عن سمات الشخصية، وهذا ما حدث بالفعل، وكانت الإضاءة طبيعية في تصوير مشاهد الخارجي، وتم توظيفها في المشاهد الداخلية، بشكل ممتاز ملائم للحالة الدرامية الواقعة في كل مشهد.

الاقتباس:
يحمل المسلسل تشابهاً كبيراً فيما بينه وبين المسلسل الكوري، فالاقتباس لم يكن مقتصراً فقط على مستوى الفكرة، بل انتقل أيضاً إلى الكادرات، و زوايا التصوير، ونرى ذلك في التشابهه الكبير بين كادرات تصوير مسلسل “بين السطور” و المسلسل الكوري “misty”.
إن الاقتباس في الماضي كان أفضل، ربما للحرص على عدم الإخلال بالأصل، وأخذ الفكرة فقط، ووضع البصمة المصرية عليها ، ولكن في الوقت الحالي، تضخَّم الاقتباس بشكل واضح في مصر، على مستوى الكادرات أيضاً، وهذا أحياناً ما يُفقِد العمل روحه الإبداعية، ويَضَع المُشاهد في مقارنة دائمة.


طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى