سينما

رغدة سامي: “ضي”: الضوء القادم من الظلّ.. حينما تنتصر البراءة على القسوة!

رغدة سامي★
“ضي” تجربة سينمائية مختلفة، تقدّم دراما إنسانية مكثفة في إطار زمني ضيق (48 ساعة)، لكنها ممتلئة بالتفاصيل التي تعكس عمق المجتمع وتناقضاته، وهي بطولة الطفل النوبي الألبينو “ضي”، الذي يعاني من التنمر، يحمل الفيلم رسالة قوية عن الحلم، والانتماء، والأمل، في مواجهة التنمر والخذلان المجتمعي.

زوايا مظلمة 
المخرج “كريم الشناوي”، بالتعاون مع المؤلف “هيثم دبور”، اِختارا أن يسلّط الضوء على زوايا مظلمة في المجتمع، بدءاً من التنمر، الذي يتعرض له “ضي” داخل المدرسة، مروراً بسرقة السيارة وأموالهم وهواتفهم مع بداية رحلتهم للقاهرة من أجل حلم the voice، وصولاً إلى اتِّهام “زينب” بخطفه لمجرد اختلاف شكلها أو لهجتها.
لكن الفيلم لا يقع في فخ التعميم أو السوداوية، بل يُوازن بين القسوة والأمل، ويبرز الوجه المضيء في بعض الشخصيات كمحمد منير ، ورجل المطافي: “أحمد حلمي” ، وسيدات السيارة، وغيرهم ممن قدّموا يد العون بدون مقابل، ليُثبت أن الخير لا يزال حاضراً.

كادرات منضبطة
من أبرز عناصر قوة الفيلم: الكادرات البصرية، التي استخدمها المخرج، الكاميرا كانت حاضرة كمراقب متعاطف، تنقل الحالة النفسية للشخصيات، وتضبط إيقاع الفيلم المتزن، بدون افتعال أو إطالة.لماذا كل هؤلاء ؟:
رغم أن البطولة الرئيسية كانت لطفل (بدر محمد)، إلا أن أداءه كان ناضجاً ومؤثراً، كذلك دعم التمثيل العام من أسماء لامعة مثل “محمد ممدوح”، و”أسيل عمران”، و”إسلام مبارك”، بينما كان حضور النجوم الكبار كـ “أحمد حلمي”، و”محمد منير”، و”صبري فواز”، و”أمينة خليل”، و”عارفة عبد الرسول” وغيرهم في شكل ضيوف شرف، علامة استفهام مهمة.
لماذا كل هؤلاء النجوم؟
الإجابة ربما تكمن في قوة الرسالة، والنية الصادقة خلف الفيلم، يبدو أن المشروع حمل أبعاداً إنسانية تتجاوز كونه عملاً تجارياً؛ لذلك شارك فيه هذا العدد الكبير من الفنانين، من منطلق الإيمان بالهدف، والرغبة في دعم فكرة فيلم يخاطب الضمير والمجتمع، وجودهم أعطى ثقلاً للفيلم، دون أن يطغى على بطل القصة الحقيقي: “ضي”

حكاية مجتمع :
“ضي” ليس مجرد فيلم عن طفل مختلف، بل هو حكاية مجتمع في 48 ساعة، يسأل الفيلم أسئلة صعبة: من نحن؟ كيف نعامل المختلف؟ وهل لا يزال للإنسانية مكان بين كل هذا الصخب؟ وبينما تُطرح الأسئلة، تبقى الإجابة في ضحكة “ضي”، وصوته، ونظرته التي تضيء الظلام.
تحرر وتصالح 
لحظة غنائه باللهجة النوبية، بصوته الذهبي، كانت إعلاناً واضحاً: لم يعد يخجل من هويته، بل يحتضنها ويمنحها للعالم كقوة لا كضعف.
هذه النهاية ليست ختاماً لقصة طفل فحسب ، لكنها بذرة أمل ورسالة صريحة للجمهور: أن بعد كل “ضي قمر” يأتي “ضي شمس”، والاثنان يكملان بعضهما، والهوية الحقيقية لم تكن في يوم من الأيام ضعفاً، بل هي النور الذي يهدينا وسط الظلام.
تنتهي رحلة “ضي” بلقطة رمزية عميقة، حين يقف في مواجهة الشمس دون خوف، ويرمي السِّنّةَ في ضوء النهار، كأنه يتحرر من عبء الخوف والرفض، ويعلن تصالحه مع نفسه وأصله النوبي، الذي حاول في البداية أن يهرب منه من واقع التمييز والعنصرية.


★ناقدة ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى