ريم ياسين:”بنسيون دلال” ..إلى متى تظل الكوميديا تجارية؟
ريم ياسين ★
من المتعارف عليه أن الكوميديا من أصعب الأشكال الدرامية من جميع زواياها؛ حيث إنها تقدم هذه الحالة من التناقض في المواقف بشتى أنواعها، ولكن في الأغلب يكون الهدف منها؛ هو النقد الاجتماعي بطريقة ساخرة، أو تسليط الضوء على مشكلة معينة لإبرازها، وأيضاً لمحاكاة طبقة اجتماعية، وما تواجه من صعوبات في الحياة؛ كل ذلك يحدث تحت عباءة الضحك الذي تدخل في ثناياه القضية المطروحة بطريقة غير مباشرة؛ ولكن ما حدث أن فيلم “بنسيون دلال” كان مبتعداً قليلاً عن تلك الناحية.
لكل فرد حكاية
تدور أحداث الفيلم عن” سيد الجدع ” الذي يملك بنسيوناً هو وأولاده من الورثة؛ لكن لكل منهم شخصية مختلفة، وكل فرد فيهم يعيش في عالمه الخاص؛ الذي لا يَمُتُّ للآخر بِصلة، ويكون هذا الاختلاف هو نقطة تغيير مسار الفيلم؛ خاصة بعد سفر أبيهم لإحدى المدن لتنمية فندقه، ويُسند مهام البنسيون إلى “مجاهد” أكثر أبنائه قرباً له؛ لتظل الأحداث تحت سيطرة تصرفات أولاده، التي تميل إلى الأنانية قليلاً، ومحاولة كل واحد منهم الإمساك بزمام الأمور؛ حتى يصل الأمربهم في نهاية المطاف إلى السجن، و يكون “مجاهد” هو الناجي الوحيد.
شخصيات متناقضة
ولأن لكل منهم عالمه كما ذكرنا، و ذلك يرجع في الأساس إلى اختلاف مكنوناتهم الشخصية؛ بداية من الأب المتصابي، الذي يتزوج أكثر من واحدة، فينجب منهن خمسة أبناء، واتضح من حواره أن بناء هذا البنسيون كان من أموال امهاتهم، فمن باعت له ذهبها، ومن أعطته نقودها، وتلك نقطة تبين لنا مدى جشع هذه الشخصية؛ فعند مطالبة كل واحد من أبنائه بحقه الشرعي في ميراث والدته؛ يتفق معه؛ ولكن بذكر كل ما يمكن أن يمس سمعة والدته بالسوء؛ مبيناً فضله عليه، وهذا ما يجعلهم يتراجعون؛ فيما عدا “رجب” الذي يحاول سرقة البنك المجاور له مستغلاً في ذلك ظروف “ألبير” الموظف في نفس البنك؛ وكلاهما يجمعهما هدف السفر خارج مصر؛ مع اختلاف الغرض من ذلك، فـ “رجب” يريد جمع ثروة لا حصر لها ؛ أما “ألبير” فيكون هدفه إجراء عملية لزوجته للإنجاب، وبالعودة إلى “رجب” نجده شخصاً يتبع فقط مصلحته الشخصية، ويخلص نفسه من المشاكل بتوريط آخرين بها، وسبب عدم اعتراضه على المعيشة، هو الربح مع والده في تجارة الخمور؛ الأمر الذي تكشفه لنا “عايدة” التي تعرّضت للكثير من الاضطهاد؛ كونها الفتاة الوحيدة بين الإخوة؛ الأمر الذي يدفعها إلى المطالبة بحقوقها كامرأة، ودعم السيدات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؛ بالإضافة إلى رغبتها بالعيش بمفردها؛ نفس الأمر عند “عادل المغني” الطموح الذي يرغب بدء حياته الفنية خارج جدران البنسيون، والانفراد بموسيقاه بعيداً عن عشوائية أشقائه، ويكون على النقيض من شخصية “عصام” الشيخ المُدَّعي الذي يكون شديد التأثر بانحلال بعض من إخوته؛ ولكنه يدَّعي “المشيخة” ويكون عديم القرار، وضعيف الشخصية، وبالرغم من اختلافهم جميعاً؛ إلا أنهم كانوا يتفقون نوعاً ما على محبة “مجاهد” حتى أن البنسيون يحمل اسم والدته؛ كما أنه أكثرهم طاعة لوالدهم؛ يتعامل كأنه طفل لا يعي شيئاً، وهذا ما أوجد احتمالية أنه الوحيد الناجي من السجن؛ بسبب سذاجته الطفولية.
ملابس تساير الشخصية
ولإضفاء نوعٍ من الواقعية على الشخصيات؛ كان لكل واحد منهم ملابس خاصة؛ تدل على مكنوناته، فجاء “سيد الجدع” بملابس زاهية اللون؛ تميل إلى ملمس الحرير الذي لا يناسب كبر سنه، ولا نغفل عن صبغة شعره التي ترجع لديه الإحساس بالشباب؛ مروراً بـ “رجب” صاحب الملابس الشبابية البراقة، وتسريحة الشعر التي تكون أقرب إلى صيحات الموضة، والتي في الأغلب يتبعها ساكنو المناطق العشوائية؛ ليأتي “عادل” الذي يتبع صيحات العصر، ولكن تكون أقرب إلى الغربية، ونظرية التطبع بكل ما لديهم حتى إذا كان غير مناسب لبيئته، ويكونا على النقيض مع “عصام” الذي يكون بلحية وجلباب وقبعة أي في مفهومه أنه يرتدي حسب السنة؛ ولكن يغير ذلك كلياً عند حضور الضابط؛ ليلغي فكرة القبض عليه كإرهابي؛ أما “عايدة” فهي فتاة في زي رجل؛ للدلالة على قوة شخصيتها التي يهابها حتى “عصام” كما أنها لم تفكَّ ضفائرها طيلة الفيلم، والتي تدل على الحزم في المعاملة، والصرامة في الطباع؛ أما “مجاهد” فكان الوحيد بينهم ؛الذي يلتزم بالزي الرسمي بما يتناسب مع الجو العام للبنسيون؛ خاصة أنه كان في خدمة استقبال الزبائن، وانتهاء الفيلم عليه بنفس الأزياء من وجهة نظري أنه يدل على اقترانه الشديد بذلك المكان، وأنه سيفني عمره به، ولم يتخلَ عنه مهما حدث.
تقنيات الفيلم
بالحديث عن التقنيات؛ فقد كانت الإضاءة تتنوع بين الليل الخارجي، والإضاءة العادية؛ لإيضاح ملامح الممثلين؛ ولكن اختلفت في مشاهد الحفلة؛ حيث كثرت الألوان الاحتفالية؛ أما الديكور، فكان يدل على اسم الفيلم، فهو بنسيون قديم إلى حد ما؛ ولكن هذا يدل على قلة الزبائن فيه؛ كما أن في غرفة كل واحد منهم؛ ما يدل على شخصيته كما ذكرنا؛ أما الموسيقى، فجاءت صاخبة، وكانت مرتبطة أكثر وظاهرة في مشهد الحفلة.
ما الهدف منه؟
ما هي التيمة الأساسية التي يحملها الفيلم؛ هل تكون تيمة الخيروالشر؛ التي تحمل نفس النهاية؟
أم أنه مصنوع ككوميديا من أجل الضحك، أي ضحك لأجل التجارة، بعيداً عن الفن؛ دون الوصول إلى ركيزة قادرة على وضع هدف من الكوميديا، ما يغير من مجتمعنا بشكل عام، وحتى إذا رجعنا لأول نقطة، هل الكوميديا من أجل الضحك ينبغي أن تمتلئ بإيحاءات جنسية مع عدم تحديد فئة عمرية مناسبة للفيلم ؟ أم تكون مصحوبة براقصة مشهورة في الآونة الأخيرة، ومشاهدها ترتبط بأغاني مهرجانات، لا تتبع مغزى أو قافية؟
أم أن الكوميديا تتلخص في جو الصخب، واللهو، ونماذج من النوع غير الواعي، أو بمعنى آخر، الفاسد؟
وهذا النموذج يكون الأيقونة، والمثل الذي تحتذي به الأجيال الصغيرة؛ التي تكون تغذيتهم الأولى هي حواسهم السمعية، والبصرية؛ فماذا سنخسر إذا ربحنا عقولاً واعية؛ بدلاً من أرباح ورقية، في شباك التذاكر؟
★طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.