بدر الأستاد:كيف تصنع “بيضة مسلوقة” بذكاء ومتعة!؟
بدر الأستاد★
ضمن فعاليات مهرجان Back Stage في دورتة الأولى، عُرضت مسرحية “لتحضير بيضة مسلوقة” تأليف يوجين يونيسكو، وإخراج مصعب السالم، والتي تدور بصورة عامة، حول رجل يريد تعليمنا كيفية (سلق بيضة)، لكن بطريقته الخاصة!، فما الذي سيقدمه مصعب السالم، من خلال هذا العمل!؟
بمجرد أن يعلم المتلقي أنه سيكون أمام نص عبثي، لا بد أن يشعر بالقلق، فجميعنا يعلم بأن النصوص العبثية بحاجة لمخرج متميز، وصاحب خبرة كبيرة، حتى لا يسيطر الملل على الجممهور، ورغم معرفتي وإيماني بقدرات مصعب السالم، كمخرج وفنان؛ إلا أنني قبل مشاهدة العرض أشفقت عليه كثيراً.
ذكاء المخرج، وقدرة الممثل
منذ اللحظة الأولى، فاجأنا المخرج باستخدمه للتقنيات الملحمية، الأمر الذي أراه مجازفة كبيرة، فالعبثية والملحمية تعتمدان على الفكر، لكنهما تختلفان في التقنيات، وعندها شعرت بالقلق أكثر…!!
بدأ العرض دون أي تمهيد، بدخول شخصية (مصطفى محمود) تُعبِّرعما بداخلها عن طريق البانتومايم، وكأنه يراقب الناس ويصورهم، ومِنْ ثَمَّ كأنه يُعبِّر عن الحرب تارة، وتارة نجده يترقب بتملل، وبعد لحظات أصبح هناك تفاعل فصل الممثل عن الدور، وعاد الى طبيعته، وبدأ يخاطب الجمهورويرحب بهم؛ ليقوم بعدها باستدعاء الممثلة (فاطمة أسد) من بين الجمهور، وأعطاها النص؛ لتقرأه، ولتقوم بتمثيل معه.
من خلال هذا المشهد، بدأ يتجسد ذكاء المخرج شيئاً فشيئاً، من خلال لفت انتباه الجمهور، وتحقيق التواصل معه بصورة سريعة ومباشرة؛ حيث بدأ الممثل يطلب من الجمهور أن يقوموا بالمشاركه في العرض، مستعيناً بلافتات مكتوب عليها (تصفيق)، (صمت)، والجمهور عليه تنفيذ ما جاء في..!! ولا شك في أن هذا المشهد، قد أبرز قدرة الممثل (مصطفى محمود) على التحكم بالجمهور بصورة كبيرة جداً، رغم أن حوار الممثل في الواقع، لا يدور إلا حول الموضوع ذاته، وهو سلق البيضة، ولكن رغم تكرر الحوار طوال العرض، ورغم عدم تغيير الأحداث، إلا أن الملل لم يتسرب للمتلقي، ولم نشعر بلحظة بهبوط الإيقاع، وهذا بفضل قدرات المخرج، وإمكانياته العالية.
دلالات عميقة
أما عن السينوغرافيا، فقد استطاعت أن تُعبِّر عن العرض من خلال عدة دلالات تمثلت في عناصر الإكسسوارات والإضاءة.
فمثلًا كان المجسم، وسيلة لشخصية الرجل (مصطفى محمود) عند إعادة المشهد، حين يأخذ الرجل قطعة من الإكسسوار، الذي كان يُعبِّر عن صورة هيكل، أو مجسم إنسان، فكانت لها دلالة عميقة، تشير لجزء من الإنسان، وتحديداً (العقل).
أما الإضاءة، فقد نقلتنا إلى الماضي، من خلال مشهد الأطفال، بالألوان المبهجة، المُعبِّرة عن الطفولة البريئة، وهو مشهد يؤكد على وجود سلطة ما منذ الصغر، وهكذا في مشهد المراهقة، ومرحلة الحب فترة الشباب، ومِنْ ثَمَّ كبار السن، فهي مشكلة مستمرة مهما تَغيَّر السن، هناك دائماً متحكم ومتسلط، وهناك شخص خاضع يتم التحكم به..!! وهنا جاءت الإنارة العامة على الجمهور ذات دلالة كبيرة، وكأنه يريد أن يشرك الجمهور في المعاناة ذاتها.
وتميَّز العرض بتعدد الدلالات، فالبيضة أعطت رمزيات أخرى خاصة عند الحديث عن سلطة الرجل على المرأة، أو سلطته السياسية، فكانت البيضة تُعبِّر عن الشعب، وهذا التعدد في الدلالات أعطى العرض عدة أبعاد، وتغلَّب على الطابع السردي بصورة كبيرة.
ماذا سيفعل في مهرجان (لوياك) للمسرح الثنائي!؟
حين اقترب العرض من النهاية، فتحت الإضاءة، فعملت الإنارة بالكامل على استفزاز الجمهور، وتفاعله مع العرض؛ لإيصال الأفكار التي حاول المخرج أن يقدمها طوال العرض، واستمر ذلك التفاعل إلى أن ينتهى العرض بقيام الرجل بتحويل الممثلة المندسة بين الجمهور إلى دمية؛ لتقوم بترديد ما قاله عن كيفية تحضير بيضة مسلوقة، وهنا طلب الرجل من الجمهور أن يضحكوا عبر رفع لافتة تأمرهم بذلك، وبالفعل طبق بعض الجمهور ما أراده الرجل/السلطة، والبعض الآخر لم يخضع للسلطة.
كل ذلك تم تقديمه بتناغم كبير بين الممثلين، والفرقة الموسيقية، بقدرات إخراجية مميَّزة؛ حيث استطاع مصعب السالم، أن يحقق المتعة والفكر معاً، ولكنه في الوقت نفسه يجعلنا جميعاً نتساءل: كيف سيقدم العرض في مهرجان الكويت للمسرح الثنائي (ديودراما)، الذي ستقيمه (لوياك) الأحد القادم، بعد أن اكتشف الجمهور اللعبة المسرحية!؟
★ناقد ـ الكويت .