حنين سالمة: الفنان أنور الكندري…وفن اللحيم!
حاورته: حنين سالمة ★
رغم أنني أعرف الفنان أنور الكندري، منذ سنوات طويلة، للعلاقة الوطيدة التي تربطه بوالدي، إلا أنني لم ألحظ تميزه الفني من قبل؛ ولكن بعد مرور السنوات، تلقيت ووالدي دعوة من الكندري؛ لحضور معرض فني تحت مظلة نقابة الفنانين، ففوجئت بمشاركته المتفردة ضمن فن “لحيم الحديد” الذي يُعتبر من أصعب الفنون على صعيد الخطورة.. وهناك دُهشت من جمال أعماله، وأخذت أتعجب بيني وبين نفسي بأن ما أراه أمامي، هي لوحة فنية صنعت من بعض القطع الحديدية.. فكيف له أن يستخرج كل هذا الجمال من الحديد.. لذا؛ وجدت نفسي بحاجة لاكتشاف الجانب الآخر الذي كنت أجهله عن صديق والدي منذ أن كنت طفلة، وسأترككم هنا في رحلة التعرف على الفن اللحيم على وجه العموم، وعلى الفنان أنور الكندري، على وجه الخصوص.
ما هو السبب الذي جعلك تتجه لهذا النوع من الفن؟
في البداية لم أخض المجال الفني عبر لحيم الحديد… وكنت كلما أرى أمراً ما، أو عملاً ما يراودني تساؤل “لماذا لا أعمله أنا؟”
لذلك دخلت في مجال الخشب، والنحت، والخزف، والديكور وصولاً إلى فن لحيم الحديد.. وقد رأيت أن جميع تلك الفنون السابق ذكرها لها رواد كثيرون، وهناك فنانون عديدون اشتهروا في تلك المجالات.. أما فن الحديد، فيكاد أن يكون نادراً في الكويت؛ لذلك اتجهت له وتعلمته، وأخذت دورات عن طريق اليوتيوب، والإنستغرام خارج نطاق الوطن العربي في أوروبا، وأمريكا؛ حتى وصلت إلى ما أنا عليه الآن .
ماهو مصدر القطع المعدنية ؟
المعدن الذي أقوم باستعماله غالباً ما أشتريه؛ ولكن هناك بعض من القطع التي استخدمها، أطلق عليها ما يسمى بـ (فن السكراب) حيث إن هذه القطع تكون موجودة في المنزل، أو متوفرة لدي، واستعين بها لتعطيني الناتج الذي أحتاج له.. وبعضٌ من تلك القطع أحتاج إلى أن أُكَيِّفَها، وأشتغل فيها، وأقصها؛ حتى أحصل على الناتج، على سبيل المثال، عمل (السلحفاة البحرية) الذي استخدمت فيه بعضاً من ملاعق الطعام، وكان ظهر السلحفاة عبارة عن صاجة (مقلاة ) قمت بقصها، وتكييفها لكي تكون ظهراً للسلحفاة.
أيضاً على سبيل المثال، لوحة (النسر) التي استعملت فيها شوك، وملاعق الطعام، والبراغي، وهناك قطع حديدية قمت بتكييفها، وقصها كالأجنحة؛ حتى تعطي الناتج المرغوب بالحصول عليه.
ما هي صعوبات فن اللحيم ؟
كل فن له صعوبات يواجهها الفنان.. وفن اللحيم يحمل بعضاً من المخاطر؛ بالإضافة إلى تلك الصعوبات في التعامل مع الحديد، عبر قصه، والتعرض الى النار، والغاز، وهذه المعدات، والخطوات يمكن أن تعرضك لحادث بسيط يؤدي إلى استسلامك، وتخليك عن هذا الفن، وقد واجهت هذه المخاطر بشكل متكرر، ولله الحمد كانت الحوادث التي تعرضت لها بسيطة؛ وذلك؛ لأني كنت غالباً ما آخذ الحيطة قبل القيام بأي عمل.. ولكن في بعض الأحيان أكون على ، فأنسى بعض احتياطات السلامة؛ حتى أصبحت زبوناً في “مستشفى البحر” فقد أحدثت عدة مرات بعض الأضرار في عيني؛ بسبب نسياني ارتداء القناع، فنتج عن ذلك بعض الحروق في الشبكية.. ولكن في الوقت الحالي أصبحت أتلافى تلك الحوادث.
ما السبب وراء عدم القيام بورش تعليمية؟
السبب الرئيسي هو الخطورة ، الورش التعليمية التي يمكن أن أقوم بها هي أونلاين، فالورش التعليمية تحتاج الى معدات أولاً، وأن تكون هناك مكائن لحيم جاهزة لقص المعادن، وهذه كلها تحمل خطورة عالية، عليك أن تكون على أتم الاستعداد لها، لذا؛ فالخيار الصائب أن تكون هذه الورش عن بعد، ويتم إعطاء الدروس بها أونلاين، أفضل من أن تكون الورشة حضورياً، خصوصاً وأن هذا الفن عالي المخاطر، وأنا نفسي تعلمت هذا الفن عن طريق الأونلاين، لذا؛ إن أردت أن أقوم بورشة ما، سأقوم بها عبر منصات التواصل الاجتماعي، وستكون ورشاً تعليمية عن بعد.
ما ردود الأفعال نحو هذا الفن ؟
أنا عضو في نقابة الفنانين، وعضو في نقابة الحرفيين الكويتيين، وهناك بعض العروض التي جاءتني من فرق أخرى، مثل فريق اكسبو، وفريق الخليج، ولكن كمدخل أول فقد دخلت عن طريق نقابة الفنانين والإعلاميين الكويتيين، ومن المستحيل أن أترك النقابة؛ لأنها هيأت لي الظروف للقيام بما أريده، وشاركت بعدة معارض في نقابة الفنانين أيضاً، وأرى أن نقابة الفنانين هي الأقرب لي، ولا مانع بأن أشارك مع الآخرين في معارض أخرى، فلدي معرض قريباً خارج النقابة؛ ولكن بدايتي في النقابة كانت أعمالي المميزة، وكانت ردود أفعال الجميع عند رؤيتهم لأعمالي “هذا مو عندنا بالكويت” ولله الحمد كان الأغلب يشيدون بتفردي وتميزي في هذا النوع من الفن، وأعتز بهذه الشهادة، وعن نفسي أرغب في التعرف على أي شخص إن وجد، يقوم بنفس هذا النوع من الفن في الكويت؛ لربما نتعاون.. فهناك عدة رسامين، ونحاتين، وفناني خزف، وكذلك متخصصو النحاس، والخشب؛ ولكن فن اللحيم لم أجد بعدُ أحداً يقوم بنفس العمل، وأتمنى لو أجد لعلنا نُكَوِّن فريقاً، ونقوم بعمل مشارك.
كيف تحصل على المعدات التي تعمل بها في هذا المجال ؟
لدينا بالكويت كثير من المحلات التي أستعين بها في العمل، وهناك بعض المعدات اُضطر إلى شرائها عبر الأونلاين من الخارج، وهناك بعض المعدات أقوم بتصنيعها بنفسي.. فأستعمل ثلاثة أنواع من اللحيم: لحيم الستيك، ولحيم الميغ الذي يعتمد على غاز ثاني أكسيد، ولحيم التيغ الذي يعتمد على غاز الأرجون، وفي بعض الأعمال الدقيقة التي لا أستطيع الوصول لها، أستعين باللحيم السائل، أو العجينة.. ولكنها تحتاج إلى وقت كي تنشف على القطعة.. وفي بعض الأحيان أستعمل لحيماً أقوم أنا بابتكاره، فهناك عجينة مكونة من برادة حديد، ومواد أخرى قمت بصناعتها، ولحمت أيضاً بقلم رصاص.. قمت بتفريغ قلم الرصاص من الخشب، واستعملته في لحيم رقائق الحديد الخفيفة، مثل الستيل، والألمنيوم عبر عملية التنقيط، وإضافة كهرباء خفيفة 9 فولت إلى قلم الرصاص.. ولحمت أيضاً عبر البطارية الجافة، مع توصيل كهرباء 12 فولت، وأستعمل هذه الطرق في بعض الأحيان إذا كان لحيم الحديد الخفيف لا يتحمل اللحيم الذي أستعمله، وفي الأعمال مثلاً، هناك حاجة إلى الرسم، أو الكتابة على العمل، فهذه التقنيات أيضاً تساعد على الكتابة، والرسم في العمل الفني.
حدثنا عن المشاركة في المعارض الخارجية.
حتى الآن لدي عروضٌ لمعارض خارج دولة الكويت، واحد منها سيكون بإذن الله في المملكة العربية السعودية، والآخر في الإمارات، ويتم التحضير لذلك الآن، وبإذن الله سأشارك بشيء بسيط من الأعمال؛ التي قمت بها؛ ولكن لابد أن يكون شيئاً مُشَرِّفاً، ويكون عملاً يستحق عرضه للدولة التي سأعرض بها.
ما أقرب عمل لك ؟
كل أعمالي أحبها وأتعب فيها، وجميعها أقوم بالتحضير لها، في البداية لابد من تحضيرها ورقياً، ومن ثَمَّ الورشة، فلا أدخل في العمل دون التحضير له؛ حتى تفكيرياً، وأذكر أن هناك عملاً من أعمالي أخذ مني تقريباً 20 يوماً، أو أكثر في التحضير الورقي فقط، كمخطط رسم؛ حتى الأعمال البسيطة لابد من التحضير لها، وفي بعض الأحيان ألجأ لمشاركة أفكاري مع الأقرباء، والآن أقوم بتحضير عمل طلَبته مني إحدى الهيئات، وما زلت في مرحلة التفكير والتحضير الورقي؛ بالإضافة إلى أعمال أخرى، أقوم بالتحضير لها في بعض المعارض.
ما هو سبب تجنبك للأعمال الواقعية؟
كانت هناك عدة أسئلة يقوم الناس بتوجيهها لي، وهي عن سبب عدم قيامي بأعمال واقعية، أي أعمال تجسيدية، وتصويرية لكائن ما حي.. بالنسبة لي أغلب أعمالي تعطي الهيئة، أو الفكرة المراد توصيلها عن الكائن؛ ولكن لا تصوره في أدق تفاصيله، والسبب يعود لاتجاه ديني ما بين تحليل ذلك، وتحريمه؛ ولكن في الغالب إن أعمالي تروي للمتلقي قصة، والمتلقي له حرية التفكير في فهم وترجمة هذه القصة، على سبيل المثال في معرض “لن ننسى” هناك شخص سألني ” لماذا لم ترسل اليد كاملة ” فأجبته لقد قمت بتشكيل قصة، أنت رأيت هذه القصة، وأنت الذي تحكم فيها وتترجمها.
وهناك على سبيل المثال عمل كان ناتجاً عن رؤيتي لسيارة ما أعجبت بها، فقمت بتصويرها من جميع الاتجاهات، وطبقتها على الورق، وقمت بصناعة السيارة نفسها عبر الحديد.
ما هي رسالة من الفنان أنور الكندري ؟
هذا الفن حاله حال جميع الفنون، اِختلافه يكمن في أن تصبر عليه، وإذا كنت تريد الاتجاه نحو فن اللحيم؛ عليك أن تكون مستعداً للمخاطر التي ستواجهها خلال ممارستك لها، وللأسف ليس لدينا هنا أي ورش تعليمية، وحتى الآن أقوم بتجهيز ورشة على منصة اليوتيوب، تبدأ من مرحلة الصفر وصولاً للمرحلة الاحترافية، وستكون على حلقات بإذن الله؛ لأنني تعلمت عن طريق اليوتيوب؛ ولكن غالب الدورات، والورش التي أخذتها كانت باللغة الانجليزية؛ لأنه ليس لدينا ورشة عمل أونلاين عربية، تشرح لك ماهية الفن الذي تتعامل معه، ففي الغالب تكون استعراضاً للمواهب دون الغرض التعليمي الفعلي؛ للمهتم بهذا النوع من الفن، وهذا الأمر الذي جعلني أتجه نحو الدول الأوروبية، وهناك تعلمت من خلال صديق روسي تعرفت عليه عبر الانترنت، والآن ومع تطويرمهاراتي قال لي: إنني وصلت لمرحلة هو الذي يحتاج لأن يتعلم مني، لذا مع الاستمرارية، والتحلي بالصبر، والعمل على تطوير المهارات، ستصل لمبتغاك، ولله الحمد تعلمت، وما زلت أتعلم حتى الآن، وما زلت آخذ دروساً أونلاين، وكلما تتعلم كلما تبدع أكثر، وإن شاء الله أرغب في القيام بدورة، وأن يستفيد الناس منها، فلا أريد أن أبقى لوحدي، كمن يجلس في صحراء وحيداً، فأنا بحاجة لأن يكون هناك أشخاص آخرون مهتمون في هذا المجال؛ حتى نتعاون، ونُكَوِّن فريقاً كاملاً مهتماً بهذا النوع من الفن.
★ناقدةـ سوريا.