تشكيل

كيف يُلهم ويؤثر الفن في الحياة؟

شهد إبراهيم ★

سؤال انتشر على مدار القرون الماضية، واختلفت حوله وجهات النظر ما بين مؤيد ومعارض، السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا والذي سيظل ماثلاً أمامنا…هل الفن للفن، أم الفن للحياة؟ وهل الفن يؤثر في الحياة، أم هو الذي يتأثر بها؟

الإلهام والتأثير الإبداعي

يرى البعض المؤيد لنظرية الفن للفن “البرناسية”، أن الفن يجب ألا يُنظر فيه لغاية البحث عن معايير أخلاقية أو دينية أو غيرها، وأن الفن من أجل بعث المتعة وإيقاظ الفرحة في النفس، ولكننا  لا نرى ذلك، فالفن للفن من الناحية الإبداعية، وليس التأثيرية على المجتمع، مثال على ذلك: لوحة الرسام الإنجليزي (جون إيفرت ميليه) حيث إنه أستلهم فكرتها من مسرحية هاملت لشكسبير، وجسَّدت اللوحة مشهد أوفيليا، وهي تهرب من مأساتها
بالانتحار، وحملت اللوحة هذا الاسم، ومثَّلت المشهد بأدق تفاصيل الانتحار، التي ذُكرت في النص، وبذلك يصبح الفن للفن، حيث بُمكن للأعمال الفنية السابقة، أن تؤثر في ابداع فنانين جُدد، وتحفِّزهم على تطوير أساليبهم.

التأثير على التقاليد الفنية

كما أنه يؤثر على المدارس، والتقاليد الفنية، فالأعمال الفنية الجديدة يمكنها أن تحدث تغيرات في النهج الفني، كما ظهر فيما مضى مدارس تجريبية جديدة، غيرَّت في التقاليد الفنية، ولكن وضع لها قوانين وأحكام جعلتها تقليدية الآن، كالسيريالية، والتعبيرية، وغيرهما من المدارس.

الفن وتأثيره على المجتمع

“إن فكرة الفن من أجل الفن، غريبة في عصرنا…يجب أن يخدم النشاط الفكري، الجنس البشري”
تعود هذه المقولة للفيلسوف الروسي “تشيرنيشيفسكي”، الذي رأى أن الفن يجب أن يخدم الجنس البشري، ولكن أي خدمة يمكن للفن أن يقدِّمها لنا؟

فالفن من أهم العناصر، التي تؤثر في المجتمع بشكل عميق، ليس فقط بتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية، أو التسلية و الترفيه، ولكن أيضاً في تشكيل الهوية الثقافية للمجتمع،  وتغيير وجهات النظر والسلوك، وهذه هي أهم النقاط ، فمن الممكن أن يؤثر عمل فني على سلوك شخص ما، وليس فئة الأطفال فقط ، الذين يتأثرون، بل الكبار أيضاً، حيث يمكن بشكل كبير أن يؤثر ممثل بأداء دوره في حياة متفرج، ومن الممكن أن يتأثر هذا المتفرج بسلوك غير لائق، ولذلك إعادة النظر في العمل الفني أمر لابد منه، وننظر للفن بصفته شيئاً لتعديل العالم المشوه.

الحياة وتأثيرها على الفن

كما أن الفن عند البعض يجعل الحياة جديرةً بأن نَحياها، فالفن أيضاً يتأثر بالحياة، فمعظم فناني  الرسم في العصور الوسطى اعتبروا الدين مصدراً لإنتاجهم كالرسام الإيطالي (دوتشيو) وأسلوب فنه، الذي تأثر وقتها بالحياة كما في لوحته “من قراءات الأحد الثاني، من الصوم الكبير”، أوتمثيل من الحياة الواقعية كما في لوحة “امرأة تخيط الملابس”، للرسام الهولندي (يوهانس فيرمير)

كما نرى أنه يقدم أيضاً خدمة في التعبير عن الذات، فيمكن للفنان، أو الرسام أن يتعرَّف على نفسه من خلال العمل الفني، وأن يبرز العمل، الذي يقدِّمه في روحه أشياء جديدة.

وبذلك يمكن أن نقول : إن الفن للفن وللحياة، وإن الفن يؤثر،  ويتأثر بالحياة في آنٍ واحد، ولكن باختلاف وجهات النظر، لأننا لا يجب أن نجزم بقانون، أو شيء ثابت في الفن ـ إلا في سياق المتفق عليه ـ ولكن من الممكن أن نقوم بتحليل، أو بوضع مبرر، لتأييد، أو معارضة فكرة في الفن.


★طالبة بقسم الدراما والنقد جامعة عين شمس -مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى