د. سعداء الدعاس: كتارا الآسرة.. “في يوم وليلة”!
د. سعداء الدعاس★
كانت أمسية استثنائية، تلك التي قضيناها في أحضان “كتارا”، ليس لأن شريك الروح والحياة (علاء الجابر) قد حصد إحدى جوائزها المهمة على مستوى الوطن العربي فحسب؛ بل لأن تلك الأمسية تُشكِّل بالنسبة لي حلقة ضمن سلسلة طويلة من الحلقات المُحمّلة بالرسائل الربانية العظيمة، التي تُطوقنا بلطف بين الحين والآخر؛ لتذكّرنا بأن “الإنسان الحقيقي” دائماً يُكافأ، ضمن حالة كونية عظيمة يُديرها ربٌ عادل وكريم، بفضله يجني كل مجتهد ثمار جهده، ويسعد كل مبدع بتقدير منجزه، فيغرق المُخلص بعطايا الخالق ضمن ترتيب إلهي عظيم، لا تحكمه حسابات بشرية، ولا يخضع لترمومتر العلاقات الإنسانية!
ولأنني لم أستطع تَقَبُّلَ فكرة ألا أشهد فرحة علاء، بنفسي في ليلته المميزة تلك، حلَّقتُ وحيدة، باتجاه الدوحة، مساء الخميس الماضي، لأقضي على أرضها “يوماً وليلة” فقط، بعد كل الالتزامات والأحداث الكبيرة، التي أحاطت بي طوال ذلك الأسبوع المشحون بالعمل.
ما إن خرجتُ من مطار الدوحة المذهل، حتى وجدتني أبتسم طوال فترة تجوالي في الشوارع، التي ذكرتني بعض تقاطعاتها بشوارع شيكاغو، التي أحمل لها الكثير من الذكريات؛ حيث البنايات الشاهقة تتعانق بترتيب فني مريح للعين، وتنسيق لوني يتماهي وصفاء سماء الدوحة.
بعد جولة مميزة في أرجاء (فاندوم مول)، مع علاء، والصديق الروائي المبدع د.عبد الرحيم الصديقي، اِتجهنا للفندق استعداداً للحفل الذي أقيم في دار الأوبرا، ذلك الصرح المُهيب، الذي أسرني بلونه الملكي، وفخامة تصاميمه، ولعل أكثر ما لفت نظري سرعة فقرات الحفل وتنظيمها بمرافقة فرقة أوركسترا قطر الفلهارمونية، بحضور كبار الشخصيات السياسية، والمهتمين بالشأن الثقافي، يتقدمهم د. خالد بن إبراهيم السليطي مدير عام المؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا.
بجانب تَعَرُّفي على المبدعين الذين تَوَّجتهم الجائزة، خاصة مبدعي روايات الفتيان؛ مثل الكاتبة شيماء جمال الدين، من مصر، والكاتب أبو بكر حمّادي، من الجزائر، سعدتُ بالحوار الجانبي مع الجميلة د. شهيرة خليل، من مجلة سمير، والمبدع أحمد طوسون، الذي كنت من متابعي مدونته المميزة لسنوات طويلة؛ قبل أن تتوقف مع الأسف.
ولا يمكن أن أتجاوز سعادتي بلقاء المبدِعَيْن د. إبراهيم عبد المجيد، ود. واسيني الأعرج، اللذَيْن يشكلان منطقة أمان لتاريخنا الروائي العريق، كما ابتهجت لرؤية الباحث القطري صالح غريب، الذي هنأ علاء بكلمات لن ننساها، والممثلة الجميلة فاطمة الشروقي، التي أسعد برؤية ابتسامتها المميزة، واستمتعت بلقاء الزميل الروائي إبراهيم فرغلي، الذي قضينا رفقته صباحاً مفعماً بالأفكار، والهموم المشتركة.
في أوج فرحتنا تلك، كان لا بد من ختامٍ مغاير لذلك اليوم الجميل، فاصطحبنا الصديق والأخ العزيز د.عبدالرحيم الصديقي، في جولة رائعة بين أرجاء كتارا، الحي الذي أبهرني بأناقته، وتنسيقه، وأزقته الحميمية، وذكرني مباشرة ببعض أزقة (إنتويرب) البلجيكية؛ فكانت أمسية عائلية جداً رفقة د. عبد الرحيم الصديقي، الذي يشعرك بأنه أحد أفراد عائلتك، بلطفه وكرمه وعفويته.
لعل أكثر ما لفت انتباهي في تلك الرحلة التي لم تتجاوز (اليوم والليلة)، احتضان قطر لجميع الجنسيات الأخرى، فمنذ وصولي للحي الثقافي، وخلال تَجَوُّلي فيه وأنا أستمتع بمزيج موزاييكي جميل ومتصالح من جميع الجنسيات العربية، وهكذا بالنسبة لمقاهي كتارا التي اكتظت بالعديد من العائلات العربية والأجنبية، التي بدا جلياً استمتاعها بقضاء ليلة الخميس في أحضان الحي الثقافي، وبعضها افترش الواجهة البحرية لكتارا؛ بينما تحلق حولهم الأطفال بألعابهم البريئة، وأصواتهم التي تبعث البهجة في النفس.
في اليوم الثاني، صباح الجمعة، تكرر المنظر الرائع ذاته، وكأنك أمام لوحة الفنان النرويجي الشهير إدوارد مونش (الفتيات على الجسر)، أو لوحة الفنان الفرنسي فرانسوا (لعب بنات في وقت الغروب)، حيث كانت مجموعة من الفتيات الشرق آسيويات يفترشن اللون الأخضر، تحت ظل الأشجار المجاور للسفارة الإماراتية، على الشارع العام، ليشكلن بقبعاتهن الكبيرة، وألوان فساتينهن الصيفية لوحة فنية رائعة؛ تَحُفُّها الضحكات النابعة من قلب مستقر ومطمئن.
أحببت تلك الألفة، ولامسني ذلك التنوع، دون أن يؤثر على تركيبة المجتمع المحافظ جداً بدءاً بلهجته المميزة، والتي تكاد تكون الأقرب للهجتنا الغالية، وصولاً للزي التقليدي، الذي يحافظ عليه جميع أبناء البلد من الجنسين، بأناقة ملحوظة.
عدتُ من تلك الأمسية الجميلة، وذاكرتي تُردد أغنية (في يوم وليلة) للمبدِعَيْن المصرِيَيْن؛ الشاعر المميز (حسين السيد) والموسيقار الرائع (محمد عبدالوهاب)، وغناء الفنانة الجزائرية الجميلة (وردة)؛ لتنتهي رحلتي القصيرة مع كتارا، ويظل علاء، يستمتع بتلقي مئات التهاني والتبريكات، من أصدقاء وأحبة، بعضهم لم يكتف بكلمة عابرة؛ بل لامس قلوبنا بمفردات حقيقية، مباشرة وصادقة، كان علاء، يقرأها عَلَيَّ بسعادة غامرة، وآخرون تجشموا عناء الاتصال، أو إرسال رسالة صوتية؛ ليسعدونا بصوتهم المبهج، ويشاركونا فرحتنا التي لا يمكن أن تُنسى!
★مديرة التحرير.