سينماموسيقي

شيماء مصطفى: محمد فوزي..العبقري الذي لا يختلف اثنان في محبته!

شيماء مصطفى ★

” طير بينا يا قلبي وما تقوليش السكة منين.. السكة منين..ده حبيبي معايا ما تسألنيش رايحين على فين”

بمجرد سماعي لهذا المقطع الذي استهل به محمد فوزي أغنيته بفيلم “دايما معاك ” 1954 أمام فاتن حمامة وبإخراج بركات ، لا تصل إليّ عبقرية بركات في التكوينات البصرية في أثناء إدارة المشهد وحسب ،ولا في كلمات حسين السيد التي تفيض ألقًا، ولا من خلال صوت محمد فوزي الذي نحب، بل من خلال عبقرية اللحن فقد تحولت حوافر الحصان على الطريق وهي تطوي الطريق طيًّا إلى آلة موسيقية وكأن الحصان يحتفل معه بخروج قصة حبه إلى النور.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يشرك فيه فوزي الحصان ويجعله شاهدًا على قصة حبه ، ففي عام 1951 أودع فوزي الحصان سره بفيلم (ورد الغرام) من إخراج بركات أيضًا أمام ليلى مراد حين غنى ولحن :

ليا عشم وياك يا جميل ..إن بوحت بالسر تصونه..مكتوب عليا أحب وأميل وحبيبي وحشاني عيونه.

وفي فيلم ثورة المدينة كان حصانه رفيقه إلى بيت الحبيبة وهو يغني لصباح ( يا جميل ياللي هنا) من ألحانه وكلمات فتحي قورة.

فبدا فوزي وكأنه يؤكد على القول العربي المأثور ” الخيل معقود في نواصيها الخير” كنوع من الكناية على نسبة الخير إليها.

لا يشبه أحدًا!

إن كان فريد برع في ترسيخ الألحان الشرقية والتراثية داخل وجداننا فإن فوزي والذي اعتبر فريد أستاذه لم يسر على نهجه سواء على مستوى الألحان أو الاستعراضات الغنائية والتي كانت جزء من الأفلام حين ذلك، فنجد فريد يميل في أعماله إلى تجسيد رحلة الشاب الموهوب الذي يسعى للعثور على فرصة ثم يجد البطلة والتي تكون قد سبقته في عالم الفن لتدعمه كفيلم عفريتة هانم وفيلم أحبك أنت وكلاهما أمام سمية جمال، ونجد فوزي المطرب الشهير الذي يبحث عن بطلة لتقوم أمامه في أحد استعراضاته فيجد صباح في الآنسة ماما، ويجد نعيمة عاكف في حلاوة الحب 1952 والتي قدم معها استعراض يا بياعين القلوب من كلمات فتحي قورة وألحانه بمقام النهاوند.

عشقه للتراث 

رغم ميله للألحان والاستعراضات الحداثية كما في (يا بياعين القلوب) و (فين قلبي) من فيلم يا حلاوة الحب واستعراض (الزهور) و(فستان الزفاف) من فيلم بنات حواء ، إلا أنه لم ينس الاستعراضات التي استلهمت من التراث كاستعراض علاء الدين بمشاركة نعيمة عاكف في فيلم حلاوة الحب ، واستعراض روميو وچوليت وقيس وليلى بمشاركة صباح في فيلم الآنسة ماما.

فوزي كأب

وعن فوزي الأب فلم يكن حليم الذي ينتهي فيلمه بالوصول إلى البطلة بعد خلاف استمر من منتصف الفيلم حتى آخره، ولا فريد الذي ينتهي فيلمه بنجاحه بالوصول إلى حبه أو نجاحه في تقديم استعراض يقدمه على خشبة المسرح وإن كان ذلك حدث في فيلم يا (حلاوة الحب)، ولكن عند فوزي للحكاية زوايا أخرى، فنجد أنه بشكل مضمر أشار إلى ذلك في فيلم (يا حلاوة الحب)، وفيلم (الآنسة ماما ) حين اختار لنفسه في الفيلمين اسمي نبيل ومنير وهي أسماء أطفاله في الحقيقة.

أما عن المباشرة فنجدها في فيلم ( فاعل خير) حين اهتم بالصغير اليتيم ابن شقيقة صباح في العمل ، وفي فيلم (ثورة المدينة) أمام صباح وكذلك فيلم (الزوجة السابعة) أمام ماري كويني كانت النهاية السعيدة في العملين مكللة بتكوين بصري للبطلين رفقة صغارهم والذين يتجاوز عددهم الأربع، وكأنه يحركه اللاوعي ليتذكر أشقاءه، وأسرته التي أخرجت لنا هدى سلطان، وهند علام شقيقتيه.

فضلًا عن أغانيه للأطفال التي ما زلنا نرددها حتى الآن كأغنية ماما زمانها جاية، وأغنية ذهب الليل.

بطلات من طراز فريد 

لفوزي نزعة سيكولوجية في اختيار بطلاته فدائمًا يميل في أعماله التي تمزج بين القالب الرومانسي والكوميدي إلى لعبة القط والفأر فتنبع الكوميديا من المشاكسات فتجعله في حالة من النشوة منبعها لسان الحبيبة والتي غالبًا ما تكون لبقة وأرستقراطية كمديحة يسري في (بنات حواء) وليلى مراد في (ورد الغرام ) وماري كويني في (الزوجة السابعة) وتكون متعة العلاقة بينهما نابعة من الاختلاف والتأرجح بين القبول والرفض فيظل مطاردًا للبطلة كي تقع في شباكه ثم تنقلب اللعبة عليه فيقع في الحب، وهي نفس اللعبة في فيلمي( يا حلاوة الحب ) و(الآنسة ماما )باختلاف بعض التفاصيل .

يميل فوزي في أفلامه أيضًا إلى ترك المساحة للآخر لكي يبدع ففي فيلم بنات حواء لم تكن شادية البطلة الأولى في العمل وقد كانت في بدايتها وتلعب دور أخت البطلة وخطيبة إسماعيل ياسين وهو نفس الدور الذي لعبته في فيلم الزوجة السابعة وما كان من فوزي إلا أن يترك لها مساحة مناسبة للغناء إيمانًا منه بموهبتها من جهة ومن جهة أخرى كون البطلتين: ( مديحة يسري وماري كويني ) لا تجيدان الغناء، وكذلك حين غنت فايزة أحمد ( ليه يا قلبي، ويا الاسمراني) من فيلم (ليلى بنت الشاطئ ) كانت البطلة ليلى فوزي لا تجيد الغناء أيضًا.

حتى فيلم( ثورة المدينة)  أمام صباح والتي يعرف الجميع حجم موهبتها سواء على مستوى التمثيل أو الغناء إلا أنه ترك مساحة داخل العمل للمغنية حورية حسن .

وإن كان للحبيبة مساحة من أعمال فوزي فإن هذا لا يعني أن تطغى مساحتها على مساحة الصديق فنجد إسماعيل ياسين في أغلب أعماله صديقه ومساعده في العمل ، أو حبيبًا لشقيقة الحبيبة والذي يعتقد أنه غريم له، وربما يكون لسعود الإبياري دورًا في هذا.

صانع البهجة

الخيل ، الحبيبة، الصديق ،ثيمات لا غنى عنها في أعمال فوزي، ولكن ثمة ثيمة أخرى يميل لها فوزي تمثلت في حبه للزهور ، في أكثر من عمل فنجده في بنات حواء باستعراض غنائي مبهر رغم بساطته في التكوين يغني للزهور من كلمات صالح جودت وألحانه:

الورد له في روايحه لغات ..تجمع بين النار والجنة..حكم الزهور زي الستات لكل نوع معنى ومغنى..

وفي فيلم (ثورة المدينة) غنى وسط الورود ، فإن لم يكن يغني للورود فإنه يهدي محبوبته وردة.

تنوعت أدواره فلم يأت في دور الشاب الذي يبحث عن فرصة للغناء كما فعل فريد في أعماله، فهو أحمد صاحب مصنع في( ثورة المدينة)، ومنير ونبيل صاحب التياترو في (االآنسة ماما) ويا (حلاوة الحب) ، وهو محمد العامل البسيط في( فاعل خير) و(دايمًا معاك).

كما استطاع فوزي أن يضع للألحان صبغة خاصة لا تتشابه وأحد ، ولعل ألحانه هي تميمة حظه التي جعلته ينجح في اختبار الإذاعة كملحن ويفشل كمطرب لتقوده بعد ذلك لعالم الغناء والتمثيل ليصبح بعدها صاحب شركة للإنتاج بجهده الذاتي، ولتصبح أغنيته (كلمني طمني) ..أيقونته اللحنية حين استغنى عن الآلات معتمدًا على الصوت البشري فأكسب ألحانه حركة، وهو نفسه ملحن النشيد الوطني الجزائري.

وهب فوزي للفن حياته ونغماته، ليموت مريضًا بعد سُلبت منه شركته عنوة، ولكن لم تكن هذه النهاية ، فإن موسيقاه وفقًا لمقولة ڤيكتور هوجو ” تفصح الموسيقى عن تلك الأشياء التي لا نستطيع الحديث عنها، ولا نقدر السكوت عليها” وثقت كل ما يلامس روحه.

رحل فوزي تاركًا فاطمة وماريكا وراشيل، وناصحًا مستمعيه بـ ” اللي يهواك أهواه واللي ينساك انساه” ومعاتبًا ” مال القمر ماله ..ماجنياش على باله” ومشتاقًا  في” أي والله أي والله وحشونا الحبايب والله” ومتغزلًا بـ ” الحب له أيام وله فصول ومواسم..” ومولعًا بـ ” يا جارحة القلب بعيونك”.

رحل الفتى المشاكس خفيف الظل الذي أكسب صوته حركة، تاركًا خلفه رصيدًا من المحبة في قلوب كل من عرفوه.


★سكرتيـرة  التحريـر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى