رأي

د. سعداء الدعاس: أغسطس..رحيل يعقبه آخر..!

 

د . سعداء الدعاس ★

يبدو أن أغسطس أبى أن يفارقنا قبل أن يترك في قلوبنا غصة أخرى؛ ليذكرنا في أيامه الأخيرة، وللعام الثاني على التوالي؛ أن الحياة ما هي إلا رحيلٌ يعقبه آخر، وأن القلوب الطاهرة مكانها في جنان الخلد؛ حيث تنتمي!

من يصدق أننا اليوم ، وفي الذكرى الأولى لرحيل “ رانا أبو العلا” نودع غاليتنا د.عايدة علام!؟ تلك المرأة الحنون، التي عُرفت بمحبتها للجميع، وحضورها كل نشاط، خاصة تلك الفعاليات الشبابية؛ التي تحتاج لصوت يُرشدها، ويد تصفق لها، فتجدها تهنئ هذا، وتنصح ذاك، ولا تكتفي بالأنشطة الثقافية فحسب؛ بل تتفاعل مع كل حدث، لعل أقساها يوم دفن غاليتنا رانا أبو العلا في 29 أغسطس الماضي، حيث كانت أستاذتنا الجميلة د.عايدة علام حاضرة ومتأثرة؛ رغم حالتها الصحية الصعبة آنذاك.

ما زلت أذكر ذلك اليوم جيداً، قبل أن نصل المدافن، لمحت د.عايدة وهي منهكة تحاول الصمود لأداء صلاة الجنازة؛ يُغلفها الحزن؛ لأجل الحبيبة “رانا”، التي غادرتنا شابة، لم تغزل من طموحاتها شيئاً بعد.

ظللنا بعدها لأيام، كلما التقينا نحن ود. عايدة، نستذكر الحادث الأليم الذي خطف رانا، وتفاصيل الأيام الصعبة؛ التي قضتها في العناية المركزة، فكانت تردد بألم دائماً: “حبيبتي كانت لسة صُغيرة”!

واليوم يتكرر المشهد ذاته، فما تكاد قلوبنا تشفى من وجع فراق الأحبة، حتى يتجدد الوجع مرة أخرى بفراق حبيب آخر، حيث غيّب الموت غاليتنا د. عايدة علام في آخر أيام أغسطس أيضاً، مشكلاً صدمة لكل طلبتها ومحبيها؛ الذين أغرقوا وسائل التواصل الاجتماعي برسائل التعزية، والصور التي تدلل على أن تلك السيدة كانت تعيش بين الناس، ولأجلهم؛ رغم إحساس الوحدة الذي يسكن أعماقها، خاصة بعد وفاة شريك حياتها، أستاذي الغالي د. حسن عطية، الذي كان يملأ يومها بهجة بمنجزه، ومشاركاته، وتفاعله الدائم والحيوي مع المشهد الثقافي المصري والعربي.

في ضيافة الراحلة صحبة شيماء إبراهيم توفيق، وتبدو مكتبة الدكتور حسن التي يتمنى الجميع أن يتم الاحتفاظ بها في مكتبة المعهد العالي للفنون المسرحية، بيته الثاني، ليستفيد منها طلبته وأبناء الوسط المسرحي الذي أفنى حياته في خدمتهم.

ولعل شهر الوفاة ليس العامل المشترك الوحيد بين د.عايدة ورانا، فرغم فارق السن الكبير بينهما، إلا أنهما تتقاطعان في بشاشة المُحيا والروح، لم تفارق الابتسامة تقاطيعهما طوال حياتهما، كما أن “رانا” عُرفت برغبتها الدائمة في إسعاد الآخرين، حتى وإن كان ذلك على حساب جهدها ووقتها، وهكذا كانت “د.عايدة” أيضاً، التي لم تعتذر عن حضور نشاط؛ أو مؤازرة صديق أو زميل؛ إلا حين تخونها صحتها.

شخصيتان لا يختلف اثنان على نبلهما، وصفاء نواياهما، فآلمنا رحيلهما، واستحقتا الحزن الذي عَمَّ الوسط المسرحي لفراقهما، مع يقين كامل بأن الله عز وجل اختار لهما المكان الذي يتناسب ونقائهما… لهما الرحمة، ولنا ولمحبيهما الصبر والسلوان.

الراحلة رانا تتوسط الجابر والدعاس.

★ مـديــرة الـتحريــر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى