رأي

علاء الجابر: عايدة علام..سنفتقد كفك الممتلئ بالحب والحلوى!

علاء الجابر★

لله مشيئة لا نعلم حكمتها، ولا ندرك أبعادها، لكننا حتماً نستقبلها بالرضا التام، والإيمان الكامل، ولأن الله يلطف بقلوبنا دائماً، فإن ترتيبه عز وجل، يُربت على أرواحنا، رغم الآلام.

قبل تسعة أيام بالضبط، وبالتحديد مساء السابع عشر من هذا الشهر، اِلتقيتُ الراحلة الحبيبة الغالية د. عايدة علام، في ختام المهرجان القومي للمسرح المصري، بعد غياب أشهر عن مصر الحبيبة؛ بسبب بعض الارتباطات العائلية.

كنت قبلها قد تحدثت معها عبر الهاتف؛ حيث حكت لي عن شوقها للحبيب د. حسن عطية رحمه الله، وصعوبة الفترة المحيطة بذكرى وفاته في 28 يوليو، وسألتني عن إمكانية زيارتي للقاهرة، فشاء الله أن يحدث ذلك، وتضطرني التزامات ثقافية جديدة، أن أقطع ارتباطاتي في الكويت، لأحضر للقاهرة… وكأن حضوري ذاك لأجل اللقاء بها للمرة الأخيرة!

كانت زيارتي قصيرة جداً، لحضور ندوتي عن أدب الطفل في اتحاد الكتاب في القاهرة، فلم تكن لدي فرصة للقاء الأحبة عدا ختام المهرجان، الذي لم أعتد حضوره كما أفعل مع الافتتاح وبقية الفعاليات؛ التي أحرص على حضورها كل عام تقريباً. يومها كنت أجلس بالصف الثامن تقريباً، بجانب الصديقتين العزيزتين هبة والصديقة العزيزة حنان مهدي وبناتها سلمى وسما، فلمحتها تدخل القاعة صحبة صديقتنا الجميلة مدام نادية والأخ العزيز نصر، اللذين يرافقانها غالباً، وما أن جَلَسَتْ في الصف الرابع تقريباً؛ واستقرت في مقعدها، حتى نزلتُ نحوها مخترقاً كل الجالسين في ذلك الصف، وحين فاجأتها، كانت أول جملة تقولها لي: “أخبرني أستاذ نصر، بأنه لمحك في ساحة الأوبرا ولم أصدقه، قلت له لا يمكن أن يكون علاء في القاهرة، ولا يتواصل معي، أو يزورني في بيتي” وكانت صادقة في كلماتها، فلا يمكن أن تطأ قدمي القاهرة دون الاتصال بها، وزيارتها في منزلها الكريم، منذ أن كان د. حسن بيننا -رحمه الله- وكانت أجمل الجلسات تقام لساعات طوال في منزلهما الدافئ في شارع خاتم المرسلين بالهرم، وظل منزلهما يلعب هذا الدور حتى بعد رحيل د. حسن رحمه الله، بالنسبة لي ولسعداء، والفارس، وسماء، أيضاً؛ حيث نقضي الوقت الجميل مع الأم الحنون، والقلب الرقيق الطيب د. عايدة، وبعض الاصدقاء، وخاصة مروة الجبالي وعبد الحميد السيد و لعل آخر جلسة جميلة كانت بوجود الصديقة العزيزة الوفية شيماء إبراهيم توفيق. 

أكثر ما يهون علينا رحيل الدكتورة عايدة، أنها غادرت دنيانا لتلتقي بتوأم روحها د. حسن عطية، الذي شكلت وفاته أزمة نفسية كبيرة بالنسبة لها، يعرفها المقربون منها، ولم تتجاوز تلك الأزمة إلا بالإيمان بالله، وبالقلوب المخلصة من الأصدقاء والمحبين.

ومما أذكره في هذا الشأن، ذلك اليوم الذي كان بعد وفاة د. حسن بأشهر قليلة، حين اكتشفت صدفة أنها تعيش عزلة شديدة، حيث ترفض مغادرة المنزل، أو حتى استقبال الأصدقاء، عندها كنت قد قدِمت للقاهرة، وبعد مكالمة طويلة، زرتها في المنزل، وقضينا الوقت نسترجع ذكريات الراحل العطرة؛ والتي جمعتني وزوجتي به أثناء إشرافه عليها في الماجستير والدكتوراه  سنوات من العلاقة الإنسانية في مصر والكويت، ومِنْ ثّمَّ طلبتُ منها أن ترعى الحفل الذي أقمته لتخريج أبنائي في ورشتي التي أقمتها للكتابة التلفزيونية أونلاين لمدة 6 شهور؛ أثناء جائحة كورونا، ورغم إصرارها على الرفض، إلا أنها وافقت على الحضور محبة وتقديراً، لتخرج من عزلتها في اليوم التالي، وتحضر الحفل صحبة العزيزة شيماء إبراهيم، فكان احتفالاً بهيجاً، مازلت أذكر تفاصيله، وكان هذا أول يوم تخرج فيه  لحضور مناسبة بعد قرارها  الانعزال، واختيار الابتعاد.

ذات يوم وهي تحتفل بعيد ميلادي في بيتها الدافئ رفقة الاصدقاء والأحبةمن الشمال إلى اليمين عبد الحميد السيد ، سارة بدار ، آية ناصر، زوجتي سعداء ، ابنتي سماء، رودي، المرحومة د.عايدة، أحمد فضل.

كانت سعيدة جداً، ومنطلقة لأقصى حدود؛ وكأنها طفل يتعرف على العالم لأول مرة، وكانت هذه هي بداية المشاركة، والحضور، والتواجد في كل الأنشطة، والعروض، مصحوبة بابتسامة رقيقة لا تفارق شفتيها، وكيس من الحلوى يصاحبها في كل مناسبة، توزع منه بكميات كبيرة على كل من تلتقيه.

وهكذا استمرت العلاقة الطيبة تجمعنا بها في جلسات كثيرة في بيتها العامر بالحب، والحلوى، والكتب، في كل زيارة لي، أو لأسرتي إلى القاهرة؛ بل إنها أحد أهم الأصدقاء الأساسيين للاحتفال بعيد ميلادي في القاهرة للثلاث سنوات الأخيرة؛ بل إنها غالباً ما تتفق مع بناتي المخلصات، وتجهز الهدية، والمفاجأة في مبادراتها الجميلة.

تفاصيل عديدة، وذكريات رائعة، ومواقف مؤثرة تجمعنا بالغالية د. عايدة، لكنها حكمة الله، الذي أراد لها أن تلتقي حبيبها وحبينا الغالي الدكتور حسن عطية بعد شهر من ذكرى وفاته الرابعة في 28 يوليو. 

د. عايدة ستظلين أيتها الأم والأخت الحنون في القلب دائماً، وسنظل نتذكر أيامنا الجميلة معك بكل محبة، وسنفتقد طلتك الباسمة، وصوتك الدافئ، وتلك الحلوى التي تنثرينها بحب بين محبيك في كل مناسبة.

وجع الفقد ينتابنا، ويكسر قلوبنا وأرواحنا لرحيلك يا غالية، لكننا لا نملك إلا الدعاء لك بأن يجمعك الله بالغالي العزيزالأستاذ الدكتور حسن عطية، في جنة الفردوس؛ عند مليك مقتدر بإذن الله.


★ رئيـس التحـريـر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى