سينما

محمد جلال: A Glass Onion.. جرائم مجتمع الأثرياء

القتل الغامض في المجتمع الزائف

محمد جلال★

عرضت منصة نيتفلكس منذ أيام قليلة الجزء الثاني من فيلم Knives Out بعنوان Glass Onion من إخراج وتأليف المبدع ريان جونسون، وهو نفس مخرج ومؤلف الجزء الأول من الفيلم والذي عرض في 2019

وفي هذا الجزء أثبت جونسون بلا أي مجال للشك أن النجاح المنقطع النظير للجزء الأول من فيلمه لم يكن وليد الصدفة، وهو ما جعل شبكة نتفلكس تعرض عليه شراء حقوق الجزأين الثاني والثالث من السلسلة ب 450 مليون دولار لتعرضه حصرياً على منصتها، وهو ما يمثل مقامرة كبيرة لما يمثله ضخامة ذلك المبلغ وقتها.

ريان جونسون في Glass Onion أعاد استخدام نفس أسلوبه الشائق في مزج الجريمة بمسحة كوميدية لطيفة ، لم تجعل المشاهد يشعر بالملل على الإطلاق، رغم اقتراب الفيلم من الساعتين والنصف، كما أن نسق وجودة الكتابة في سيناريو الفيلم لم تتغير عن ما كانت عليه في الجزء الأول من الفيلم، وهو ما أدَّى لترشح الجزء السابق لجائزة أوسكار افضل سيناريو أصلي في عام 2020 حيث كان أبرز المرشحين وقتها ومنافساً شرساً على الجائزة قبل ان يحسمها الفيلم الكوري الجنوبي Parasite الذي لم يكتفِ بانتزاع جائزة أوسكار أفضل سيناريو ، وحقق ثلاث جوائز أوسكار أخرى.

ورغم عدم ناجح ريان جونسون في تحقيق الأوسكار عن الجزء الأول من الفيلم، إلا أن وصوله للترشح أصلاً إلى تلك الجائزة والمنافسة عليها يُعَدُّ نجاحاً ساحقاً في الأساس؛ لأن نادراً ما تُرَشِّحُ الأوسكار أفلام جريمة أو كوميديا للمنافسة على جوائزها.

في Glass Onion استخدم جونسون السخرية من عالم الأثرياء ونبذ عالمهم التافه المبني على المظاهر الكاذبة من خلال إظهار غباء تصرفاتهم، ونفاقهم وزيف عالمهم، فكان الاعتماد على شخصية الملياردير الثري مايلز براون، والذي قام بدوره النجم أدوارد نورتون، وأعاد فيه تمثيل دور الشخص الخائن الذي يغدر بأصدقائه ويستولي على أموالهم وأملاكهم، وقد سبق وأن قام به في فيلم Italian Job يقوم مايلز براون بجمع المحقق بينوا بلانك بالإضافة لأصدقائه الخمسة للتحقيق في جريمة قتل غامضة في جزيرته الخاصة.

والشخصيات الخمس الرئيسية تتمثل في شخصية بيردي، وهي نجمة الموضة الشهيرة فارغة العقل التي لا تعي الفرق بين الكلمات العنصرية والمسيئة من كلمات المدح، ولا تهتم بالإساءات التي يتعرض لها العمال في المصانع في سبيل إنتاجهم للأزياء باهظة الثمن.

وهنالك شخصية كلير السياسية الفاسدة المنافقة، والتي تخرج في الإعلام لشحذ مناصريها من خلال قضايا مثل البيئة وحقوق العمال وهي على الجانب الآخر الواقعي لا تهتم بأي شيء من تلك القضايا، بل على العكس، فإنها تم إجبارها للموافقة على وقود جديد يمثل تهديداً جدياً على البيئة والناس في مقابل الحصول على الدعم المالي في السباق الانتخابي، وكل ما كانت تخشاه أن يكتشف المؤيدون لها واليسار هذا الأمر، وليس إيمانها بالقضية نفسها بالإضافة لدوك كودي الناشط في مجال الدفاع عن حقوق الرجال وصاحب قناة شهيرة على اليوتيوب في مجال الألعاب ، والذي لازال يعيش مع والدته، والعالم الكيميائي ليونيل توساينت المسؤول عن الاختراع الخطير الذي قد يغير التاريخ، أو يدمره.

وأخيراً أندي براند التي غدر بها شريكها مايلز براون وأطاح بها من الشركة التي أسستها هي، وأخذ كل ثروتها.

وبجانب السيناريو الرائع والشائق للفيلم، والذي استخدم الفلاش باك بِدِقَّة في ربط الأحداث والمواقف والمشاهد المختلفة بين الحاضر والماضي، فإن جونسون اعتمد على عامل الإبهار البصري سواء عبر التصوير والإضاءة، أو من خلال الأزياء والديكور الغريب الذي عبَّر عن جموح وتطرف الشخصيات، وأبان عن عقلياتهم بنجاح شديد، كما أن استخدام الموسيقى التأثيرية ساهم في إيصال فكرة الغموض الذي تدور في فلكها قصة الفيلم، واختيار مقطوعة باخ الكلاسيكية أثناء محاولة فك لغز الصندوق،  كان اختياراً موفقاً من حيث ملاءمة فكرة تأليف المقطوعة لفكرة اللغز في الصندوق الخشبي.

ولا يمكن ان نغفل الحضور والكاريزما الرائعة للنجم الانجليزي دانيال كريج، وهي كانت من الأسباب الرئيسية في النجاح الجماهيري الكبير لكلا الجزأين حيث أدَّى دور المحقق بينوا بلانك بتميز، واستطاع إتقان هذا الدور بشدة ما جعله يقدم دويتو متميزاً مع المؤلف والمخرج جونسون.

كما أن كريج في هذا الدور ذي الكاريزما أمسك بزمام الأمور بشخصية جماهيرية أخرى بعد انتهاء دوره بسلسلة جيمس بوند عقب فيلمه الختامي No Time To Die

فيلم Glass Onion يُعَدُ من الأفلام الجيدة التي عرضت في عام 2022، وهو ذو حبكة جريمة مميزة، تُذَكِّرُنَا بقصص أجاثا كريستي الرائعة، وإذا كنت من هواة الجريمة والتشويق فلا ينبغي أن تُفَوِّتَ هذا الفيلم.

ــــــــــــــــــــــــــــ

★ كاتب ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى