إذاعة وتليفزيون

بيان مقبل: “جودر “.. درس في كيفية صناعة الدراما!

بيان مقبل ★

بعد انتهاء موسم رمضان يبقى مسلسل “جودر” هو الأهم، وسيبقى لسنوات طويلة كعلامة مميزة في الدراما المصرية ، قلّما نصادف أعمالاً تترك في نفس المتلقي أثراً بالغاً كما فعل مسلسل “جودر” ، فقد كان هذا العمل الشّائق رفيع المقام بمثابة رحلة مشوّقة عبر أحداث تأخذ بِلُبِّ المشاهد، وتجبره على التفكير والتأمل .

مهارة.. إتقان

من البداية حتى النهاية كانت الحلقات محكمة الصنع ، حيث تَمكَّن المخرج البارع “إسلام خيري” من توظيف كل عنصر بمهارة فائقة؛ لخدمة السرد القصصي ، وطريقة إخراجه لهذه القصة الفريدة؛ تشعرك كمتلقٍ بأنك تعيش داخل هذا العالم، وتعيش أحداثه؛ وكأنها من صلب الواقع ، وهذا الشعور لا تشعره إلا برفقة مخرج بارع ومتقن.

كما برز العمل بطريقة فريدة؛ حيث تم التعامل مع الموضوعات بحساسية وذكاء شديد ، لم يكن عرض العمل مجرد تسلية؛ بل كان عرضاً يحمل في طياته رسائل مهمة تتعلق بالعدالة والإنسانية والتسامح؛ فالحوارات، وتركيبات الجمل كانت في غاية البراعة  والبلاغة، وبعيدة تماماً عن لغط الكلام ، وكل جملة تم التعبير بها في العمل كانت في طياتها كل المعاني، وتحتوي على جمالية خاصة لا مثيل لها، وأصفها بالسلاسة والتلقائية، ولا تشبه غيرها ، وهذا ما قدَّمه لنا على طبق درامي مرصع بالذهب، المؤلف أنور عبدالمغيث ، فقد كان بعيداً عن التقليد، وكتب بصدق مشاعره، فوصل ما كتب إلى قلوب المتلقين. 

أجواء خيالية

ولا ننسى تتر العمل؛ الذي نقل المُشاهد إلى عالم قديم من الحنين إلى الماضي؛ بسبب لحن “عزيز الشافعي” المميز ، وهي تجربته الأولى في تأليف تتر مسلسل؛ لكنها جاءت تجربة ناجحة؛ خاصة مع المَشاهد المصاحبة له، التي اختارها المخرج بنجاح لتلائم التصاعد الدرامي الموسيقي، وتضع المُشاهد منذ البداية في الأجواء السحرية الخيالية للمسلسل، فيما أضاف “شادي مؤنس” وموسيقاه التصويرية بعداً عاطفياً؛ يعزز من تجربة المشاهدة .

صدق الأداء

مسلسل “جودر” كسر قاعدة مساحة الدور؛ لأن كل فنان شارك في هذا العمل؛ هو نجم في مساحته ، فقد آمن بدوره، وببراعة السيناريو، وقدَّم الشخصية كما هي بعد أن خلع شخصيته كممثل قبل الوقوف أمام الكاميرا، فقد كُتبت جميع الشخصيات بأبعادها النفسية والمادية والاجتماعية، ولم تقع في كونها شخصيات مبالَغ بها؛ بل كان صُنَّاع هذا العمل صادقين في أدائهم.

مشهد مؤثر

نقطة أخيرة أحببت أن أشيد بها، وهي مشهد “جوهرة” عندما قامت بإقفال الأبواب، والنوافذ؛ لاستفرادها ب “جودر” أثناء قيامه بقراءة التحصين ، اِسترجعت من خلال هذا المشهد قصة سيدنا يوسف عليه السلام؛ عندما حاولت السيدة زليخة مراوغته؛ للوقوع في المحظور والممنوع؛ ولكن كان تحصينه لنفسه وإيمانه بالله أكبر من هذه المراوغة ، لقد أحببت هذا المشهد كثيراً وربما لا أبالغ إن صرّحت بتعلقي به.

تجربة تستحق الثناء

في المجمل ..”جودر” لم يكن مجرد عمل تلفزيوني؛ بل كان تجربة فنية غنية تستحق الثناء والتقدير ، وأثبتت بأن الدراما العربية قادرة على الارتقاء بمستوى التوقعات، وتقديم أعمال تلامس قلب المتلقي، وعقله،
سنبقى على أمل انتظار “جودر” ورحلته في إحياء عالم الحكيم “شمردل” وكنوزه الأربعة.


★إعلامية-الأردن.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى