شيماء مصطفى: “البوم” .. هل يمكن أن يعبر بالدراما الإماراتية لضفة مغايرة؟
شيماء مصطفى ★
« البحر الهادىء لا يصنع بحارًا ناضجًا، ففي الأمواج والأعاصير تظهر قدرات الرجال»
متأثرًا برائعة الكاتب الأمريكي آرنست همنغواي « الشيخ والبحر»، ومعتمدًا على الإبهار البصري، يُعرض المسلسل الإماراتي ( البوم) على شبكة قنوات أبو ظبي ضمن السباق الرمضاني لهذا العام، بإخراج التونسي الأسعد الوسلاني، وتأليف التونسي عماد الدين الحكيم أيضًا، وبطولة: عمر الملا/ شهاب، بدر حكمي/ بدر، منصور الفيلي/ سند، الآء شاكر/ أم شهاب، رحاب العطار/ خولة، عبد الله بن حيدر/ ناصر، وغيرهم.
تدور أحداث المسلسل في فترة الحرب العالمية الثانية، ما بين عامي 1939 و 1945، حيث يقود البحَّار الطموح (شهاب الناصي) سفينة (البوم ) فريقًا من الصيادين والبحارة مخترقًا البحر وأمواجه والحروب وويلاتها، وسط مؤامرات المراكب الداخلية ومؤامرات الأعداء وحيل المنافسين .
أسطورة البطل الخارق
رغم أن (شهاب الناصي) يختلف عن (سنتياغو) بطل (هيمنغواي) من حيث العمر، كونه شابًا بينما (سنتياغو) كهلًا، إلا أنهما اشتركا في عدة خطوط درامية حيث الاضطرار لمواجهة صراعين شرسين – صراع الطبيعة وصراع البشر- وكعادة الأبطال على الشاشات – بخلاف الواقع – لا بد أن ينتصروا بالنهاية ، مهما يصادفون من عراقيل ، يتعرض( البوم) للغرق وباختلاف عن القصص القرآني ليونس – عليه السلام – يضحي القائد بالبضائع، مما يضعه في مأزق أكبر، رغم إدراكنا التام لطبيعة المرحلة التي تتناولها أن تكون بعيدة عن البطل الأسطوري، إلا أننا كنا نأمل لو أن المعالجة جاءت مختلفة، وإن كانت المعالجة لأحداث حقيقة، فليس شرطًا أن تحاكي الدراما الواقع.
لم يكن شهاب البطل الأوحد في العمل، فقد شاركه ناصر(عبد الله بن حيدر ) البطولة من نوعًا آخر حين رفض التعاون مع الضابط الإنجليزي ويليام الذي حاول اجتذابه لصفه للسيطرة على منطقة رأس الخيمة، فأصبح بطلًا من منظور أهل المنطقة كالبطل المصري وشيخ الصيادين «حسن طوبار» حين حاول الچينرال (فيال) في أثناء الحملة الفرنسية اجتذابه لإحكام السيطرة على منطقة البحر الصغير، كذلك حين اضطر سند (منصور الفيلي) للغوص بالرغم من كبر سنه، سيقذف لذهنك (نبيل الحلفاوي) في فيلم (الطريق إلى إيلات)، رغم اختلاف غاية كل منهما، لكنهما يتقاطعان في العمر، والاضطرار، أما عن تواجد الجمل ومناخه في بؤرة أدنى من السيارة، لم يكن للتقليل ولكن للترتيب والتسلسل الزمني من الأقدم للأحدث، فضلًا عن كونه سفينة الصحراء، ولا غنى عن تواجده رفقة القوافل التجارية رغم وجود السيارات، فلعب هو الآخر مع سفينة شهاب دورًا بطوليًّا، إذ نجد أنفسنا أمام سفينتين تجاريتين تواجهان مع البطل الشدائد.
تميز الأداء
ُيعرف الممثل الجيد من قدرته على استدعاء الانفعال المناسب للمشهد، وفي أحيانًا كثيرة تغني الانفعالات عن الحوار، فما يقوله الجسد وتعبيرات الوجه لا حاجة له بالحوار، وقد أجاد ممثلي البوم دورهم باعتبارهم جزء من تكاملية الصناعة مع التقنيات الأخرى كالديكور والإضاءة والموسيقى التصويرية بتناغم لا يشوبه تفكيك، إضافة إلى الاتساق بين الأبعاد النفسية والحركية، ولهذا أجاد منصور الفيلي في أدائه لشخصية سند، وبدر حكمي في شخصية بدر، أما عن أداء عمر الملا فقد استطاع أن يمسك بأبعاد الشخصية ليس عبر الانفعالات وحسب، بل أيضًا من خلال الحركة والأبعاد الجسدية التي فرضتها التجارة والعمل بالبحر، وعن أداء عبد الله بن حيدر فقد جاء بسيطًا دون تكلف، وبخصوص التكوين البصري ووجود والإضاءة فقد بين الكادر الحاجز والفجوة بين شهاب وزوجته إذ نجد وسادتين كبيرتين بينهما وسادة أصغر، والطفل الصغير بينهما، ووجود نافذتين تتخللهما الإضاءة وإن بدت إضاءة نافذة الزوجة ببؤرة أكثر اتساعًا مما يعني أنهما اثنان لم يتوحدا رغم وجود طفل.
سلسلة من التحديات
وُضعت الدراما الإماراتية في تحدٍ ليس بالهين؛ وذلك لأن الكتابة عن عالم البحار مغامرة لا تقل عن مغامرة التناول لفترة زمنية مضت، وبالتالي فالإلمام بتفاصيل تلك الفترة من أزياء وديكور ولهجة، وأحداث قد لا تكون موضع اهتمام للأجيال الحالية وقد تحتاج لجهد كبير لاستقطاب الجمهور العربي على الطريقة الهوليودية، ليس فقط من خلال الإخراج وأماكن التصوير، بل من خلال اللعب على ثيمة الحب المستحيل بين عربي وأجنبية، أو المتناقضين بشكل عام، مما دفعهم إلى الاستعانة بفريق تمثيل على وعي ودراية بما سيكلف به من أدوار.
بالرغم من أن مساحة الأدوار النسائية في العمل لم تكن كبيرة – لا نعني هنا عدد الممثلات- إلا أنها كانت مؤثرة ، فضلًا على أن العمل في مجمله جيد، وإضافة إلى الدراما الإماراتية كونه تجربة مغايرة، تحمل بين طياتها روح المغامرة والاكتشاف، إذا لعبت أماكن التصوير المختلفة والإضاءة دورًا بطوليًّا، لا يقل في أهميته عن أداء الممثلين.
★سكرتير التحرير.