عهد الجلم: “أغمض عينيك”، عودة إلى زمن الدراما السورية الإنسانية الجميلة
عهد الجلم★
اِعتدنا دائماً في شهر رمضان المبارك ، على تواجد العديد من الأعمال الدرامية المتنوعة، من شتى أنحاء الوطن العربي ، فتدخل المسلسلات جميعها ضمن السباق الرمضاني؛ ليحاول كل منها احتلال المراتب الأولى، وعدد المشاهدات الأعلى.
فرغم تعدد المسلسلات ، نجد أن هنالك مجموعة من المسلسلات؛ قد حصلت على حيز من المشاهدات؛ لأحداثها، أو بسبب وجود ممثلين لهم شعبية في الوطن العربي، أو التسويق لها، أو إظهار مقاطع من مشاهد تُحدث ضجة في آراء الناس.
ولكن في هذه المرة؛ نحاول أن لا ندخل السباق في تحليل، أو كتابة مقالات عن مسلسلات لاقت الضجة؛ وإنما عن مسلسل لم يلقَ من الضجة ما يستحق .
حياة السوريين.
مسلسل “أغمض عينيك” ، مسلسل سوري اجتماعي درامي ، بطولة الفنانة منى واصف ، والفنان فايز قزق ، والفنان عبدالمنعم عمايري ، والفنانة أمل عرفة ، وغيرهم من الفنانين السوريين ، وهو مسلسل سوري بحت؛ يلقي الضوء على قضية اجتماعية إنسانية، فنرى أن الدراما السورية؛ بدأت ترى ضوء الشمس؛ بعد أن حُجبت لأعوام وأعوام؛ لتعود وتأخذ مكانة كبيرة، كما كانت في السابق.
هذا المسلسل الذي يعيد إلى ذاكرتنا حياة السوريين، ودفء الدراما في وقت سابق، الحياة الطبيعية ، بعيداً عن الاعمال التي ظهرت بعد الأزمة في سورية، والتي تسوّق أن بلادنا أصبحت وكراَ لأعمال الشغب، والمخدرات، والقتل، والدعارة، وأنها غابة من الوحوش فقط.
أحداث المسلسل تدور حول قضية إنسانية تمس المجتمع العربي ، فتدور حول الممرضة “حياة ” وابنها المشخص بحالة طيف التوحد، وكانت “حياة” قد تزوجت دون رضا أهلها، وأنجبت طفلاً يعاني من طيف التوحد، وتوضح كيفية تعلقها به، ومحاولتها الجاهدة في أن تُؤمن له حياة كريمة .
وتبدأ الأحداث
تعمل حياة أمينة مستودع في أحد مخازن الأدوية؛ ليطلب منها زميلها أن تعيره بعضاً من أدوية (الترامادول)؛ لإعطائها إلى شركة ثانية بحاجة لتصنيع أدوية، لتكتشف أنه غشها، واستخدم هذه الأدوية لصناعة المخدرات؛ لتقبض عليها الشرطة، بعد هربها إلى لبنان معه، ومحاولة دخولها سورية مرة أخرى؛ لأخذ ابنها، والهرب، لتبدأ الأحداث عن محاولة حماية ابنها، ووضعه بمكان آمن؛ لتضعه عند صديقها المقرب؛ الذي يدعى “مؤنس” الذي فقد أسرته بحادث سير، وكانت “حياة” هي من أخرجته من حالة الاكتئاب والتعب؛ التي كان فيه بعد فقدان عائلته؛ ليأخذ ابنها “جود”، ويقوم بالاعتناء به ، والمرور بالعديد من المواقف، التي نراها في المسلسل.
كيف تناول التوحد؟
يناقش هذا المسلسل قصة حساسة، الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، فرغم أن سبب سجن “حياة” كان المخدرات؛ رغم أنها بريئة، فلم يسلِّطوا الضوء كثيراً على هذا الأمر، وإنما كان سبباً فقط لدخولها السجن، وكان تسليط الضوء بالكامل على قضية التوحد، و الحضانة، وكيف يمكن التعامل مع الطفل “جود”.
رغم مرور 12 حلقة على المسلسل ، إلا أننا أمام شخصيات متعددة، ومختلفة الأفكار، ناقش قضية مهمة، الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة ، وعدم توافر إمكانيات في بلادنا العربية؛ للاعتناء بهم، وإبراز مواهبهم، إلا مجموعة من المراكز المعينة ، وهذا ما نجده في رحلة “مؤنس” عندما حاول وضع “جود” في مدرسة؛ لينخرط مع الطلاب، وعدم استيعاب الأطفال وجود شخص مختلف عنهم، وتقبلهم له.
المرأة والمجتمع
ناقش المسلسل أيضاً قضية ضعف المرأة، وهذا ما وجدناه في والدة “حياة” ( أم رجا) وضعف شخصيتها، أمام زوجها؛ الذي كان رافضاً تماماً لوضع ابن ابنته في بيته، والقيام باحتضانه فقط؛ لأنه رأى أن ابنته لم تطع أمره، وتزوجت بشخص لا يريده؛ فقد قرر أنه يتخلى عن ابن ابنته؛ ليكون بهذا بنظره، قد غسل عاره.
ناقش قضايا أخرى ، مثل الاكتئاب ، الحب ، اللامبلاة عند الأباء و الأبناء، وغيرها من القضايا الاجتماعية الخالصة، دون مبالغة أو برود.
وماذا عن الشخصيات؟
حبكة المسلسل حبكة مدروسة إلى الآن، توضح كل الأحداث التي تجري مع جميع الشخصيات بطريقة سلسلة وواضحة؛ بعيداً عن التكرار ، أو المبالغة في السرد ، قصة مفهومة واضحة الملامح، تجعل المشاهد دائم السؤال عما سيحدث مع جميع الشخصيات في المستقبل؟
أما عن الشخصيات، فقد أتقنت جميعها دورها، دون وجود أي برود، أو مبالغة في تقمص الشخصية ، فكانت شخصيات واضحة الملامح، مما تعانيه من مشاكل واضطرابات ، واستطاع الممثلون في المسلسل فهماً عاماً لكل شخصية، وعما تفضله، أو تخشاه ، فأعادوا إلى أذهاننا حضن العائلة الدافئ ، الأم الطبيعية التي تخشى على أبنائها ، الأصدقاء الأوفياء، المجتمع الطبيعي بعيداً عن الخبث ، الخيانة ، المشاكل التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان في حياته دون مبالغة، وكذلك أكثر ما شدني أن المسلسل لم يُظهِر أن الشر مسيطر أكثر من الخير في حياتنا.
زيد بيروتي يجذب الأنظار
أما ما يلفت الانتباه في العمل، فهو شخصية الطفل الذي أدى دور “جود” ، فقد كان الكل يعتقد أنه طفل يعاني من اضطراب طيف توحد في الواقع، إلا أننا صُدمنا حين عرفنا أنه طفل طبيعي؛ ولكنه أتقن دوره بامتياز، من حركات اليد، والعينين، ولغة الجسد، والكلام ، فكان الطفل أكثر شخصية مؤثرة في المسلسل، التي جعلت كل من يتابعها يتعاطف معه ، وأرى للطفل “زيد البيروتي” مستقبلاً في مجال التمثيل، كمن سبقه من الفنانين السوريين.
في النهاية نحن سعداء جداً لعودة الدراما السورية البحتة ، التي تناقش قضايانا وأحداثها الطبيعية ، دون مبالغة، فهذا المسلسل اجتماعي يمكن لجميع الأعمار متابعته، سواء من الأطفال أو الكبار ، لعدم وجود أي مشاهد خادشة للحياء، أو حوارات بكلام بذيء، و هذا ما يعيدنا إلى الزمن الجميل ، زمن الدراما السورية؛ التي كانت تقوم على تسليط الضوء، على المجتمع وقضاياه، مثل ( الفصول الأربعة ، عصي الدمع ).. وغيرها من المسلسلات؛ التي ما زالت عالقة في أذهاننا؛ لذا كلنا أمل أن يبقى المسلسل على هذا النمط، حتى نهاية الأحداث؛ لنعرف ماذا سيكون نهاية “جود”، و “مؤنس”، و”حياة”، وباقي الشخصيات، وليبقى هذا المسلسل من المسلسلات؛ التي ستبقى عالقة في ذكريات، وأذهان السوريين بعد حين.
★خريجة قسم الأدب والنقد المسرحي -المعهد العالي للفنون المسرحية -الكويت.