شهد إبراهيم: هل سيكون “إمبراطورية ميم” قادراً على استحضار روح الفيلم، وتجديدها؟!
شهد إبراهيم ★
بعد مرور أكثر من نصف قرن؛ على إنتاج الفيلم المصري “إمبراطورية ميم” للمخرج حسين كمال، تستعيد الدراما المصرية، القصة الأصلية للأديب الراحل “إحسان عبد القدوس”، والتي تتناول قصة حياة موظف ناجح؛ يعيش حياة هادئة مع زوجته وأولاده الذكور الستة، الذين تبدأ أسماؤهم جميعاً بحرف الميم، يفاجأ بأحدهم يناقشه في حدود سلطة الأب على أبنائه، ويدعو لإجراء انتخابات داخل الأسرة؛ لاختيار من يقود الأسرة بشكل ديمقراطي ـ كما كتبها “إحسان عبد القدوس” ـ ، بينما حوَّل الأديب الراحل نجيب محفوظ ، البطل إلى بطلة يُتَوفى زوجها؛ تاركاً لها حلمه في تكوين إمبراطورية ميم؛ لتواجه بمفردها مشاكل ستة أولاد وبنات، وعندما يلوح لها الحب من جديد؛ تواجه مشكلات عديدة.
رجل بدلاً عن امرأة؟
تقديم عمل قديم حصد نجاحاً كبيراً فيما مضى، يعتبر أمراً مألوفاً في الدراما المصرية، فقد تم تقديم الكثير من الأعمال القديمة، ولكن بطريقة معاصرة جديدة، تطرح قضايا وسمات المجتمع الحالي، ويقدم لنا الآن المؤلف “محمد سليمان عبد المالك”، معالجة جديدة لفيلم “إمبراطورية ميم”، وهذا من خلال الرؤية الفنية للمخرج محمد سلامة، والمسلسل من بطولة: خالد النبوي، حلا شيحة، نشوى مصطفى، محمود حافظ، نور النبوي، مايان السيد، هاجر سراج، ليلى عز العرب، ومجموعة من الفنانين.
تدور أحداث المسلسل حول مختار، الذي يجد نفسه مسؤولاًعن أولاده الستة، عقب وفاة زوجته، وعليه أن يواكب تفكيرهم وعصرهم، وفي ذات الوقت يختار بين من تعلق بها قلبه، وبين حياة أولاده، وتتوالى الأحداث.
حالات تمثيلية مختلفة
أداء مختلف للنبوي
يعيش خالد النبوي “مختار أبو المجد” في حالة من الحيرة بين أولاده الستة، وكان أداؤه مختلفاً مع كل منهم، حيث طبيعة الشخصية التي يتعامل معها، فنجده حنوناً مع “مصطفى” الصغير، على الرغم من قسوته، وتعنيفه لـ “مروان”، مع إصراره الكبير في تعامله مع “منى” في موضوع السفر.
ورغم أن تلك المشاهد متتالية؛ إلا أنه يتنقل بين الأداءات المختلفة بشكل بسيط وسهل، ومريح للمُشاهد، وهذا أمر صعب جداً، وكان يظهر دوافعه الداخليه والنفسية على مستوى لغة جسده ، وتوتره الدائم نظراً لطبيعة البيئة المحيطة به “دوشة العيال”، حيث نجده يقول دائماً “أنا راجل ورايا ست عيال بربيهم”، وقد قدم دوره بشكل متميز، وكانت جميع انفعالاته مبررة، وغيرمبالغ فيها، كما كانت ملابسه جميعها عبارة عن بدلة كلاسيك، وذوقها قديم نوعاً ما، كما أن ألوانها جميعها داكنة؛ معظمها بين الأسود والبيج والرمادي والبني، فكانت الملابس مناسبة لشخصيته.
تألق حلا
يجد مختار نفسه واقعاً في حب حلا شيحة “مي”، ولكن أولاده يُسبّبون له العقبات، ونجد “حلا” متألقة في شخصيتها، وتقدمها ببساطة وأداء وانفعالات غير مبالغ فيها، وكانت ملابسها بسيطة، معظمها كلاسيك، ومعظمها كاجوال، إذا تطلب الأمر، وهذا يدل على أنها شخصية تستطيع اختيار الملابس المناسبة؛ في الوقت المناسب لها.
نشوى ..السهل الممتنع
نشوى مصطفى “العمة مديحة” قدمت شخصيتها بشكل متألق، فهي شقيقة مختار، التي تساعده في تربية الأولاد، وقدمت ذلك باداء بسيط وسهل، كما يقال السهل الممتنع؛ حيث كان لها ظهورمميز، وعودة قوية للفن؛ بدور خفيف على القلب، ومواقف كوميدية عديدة بينها وبين الأولاد، وكانت جميع ملابسها طويلة وواسعة، لأنها من أسرة محافظة، وظهر ذلك في خوفها من أن يراها مختار، وهي تتحدث مع محمود حافظ “الخال محمود” على الرغم من صلة النسب الموجودة بينهما، وسنها الكبير كما يوحي العمل ؛ إلا أنها تخجل من وجود شقيقها الأكبر، وطالما ذكرنا “محمود حافظ” فمن الضروري أن نذكر أداءه في تجسيد شخصية “محمود” ـ خال الأولاد ـ حيث كان مميزاً ومليئاً بالكوميديا والتألق.
تشكيل عصابي
“أهلاً يا عصابة بحبكوا موت….مشاكلكوا عسل على الروح مبسوط”
عصابة تلك الكلمة التي وصف بها “عليم”، أبناء مختار أبو المجد، وتغنى بكلماتها “مدحت صالح”، وتلخص الأغنية العلاقة بين الأب وأبنائه، وقد أضفى عليها “مدحت صالح” دفئاً عائلياً، بصوته المبهج، وجمال الألحان التي وضعها “إيهاب عبد الواحد”، التي تعتمد بشكل واضح على الإيقاع السريع، الذي يولد موسيقى مبهجة، بتوزيع من “نادر حمدي” يتماشي مع كلمات الأغنية.
الأبناء خفيفون على القلب
تلك العصابة المتألقة في أدوارها بشكل رائع، حيث تألق نور النبوي “مروان” في شخصيته، التي لها مساحة كبيرة؛ لإظهار قدراته التمثيلية، وحضوره التلقائي ، وكانت جميع أداءاته قريبة لشباب الجيل الحالي المتمرد على التقاليد القديمة، كذلك أداءاته الكوميدية الكثيرة النابعة من الموقف بشكل بسيط وغير مبالغ فيه، وكانت جميع ملابسه كاجول وجديدة، متناسبة مع ذوق جيله من الشباب، كذلك هاجر سراج “منى” التي تتطور بشكل ملحوظ، وكان أداؤها بسيطاً، وغير مبالغ فيه، كذلك انفعالاتها، وكانت ملابسها جميعها “فورمال” نظراً لطبيعة عملها؛ كمعيدة بالجامعة.
كذلك إلهام صفي الدين “مايا”، التي كانت صادقة في جميع مشاعرها، حتى في مشهد حلق شعرها، والتي قامت به في الحقيقة، وليس “باروكة”؛ لتتمكن من الوصول إلى حالة المشهد بشكل صادق، وتجعلنا نتعاطف معها، فقد تألقت بشكل كبيرعلى الرغم من تقديمها شخصية مختلفة تماماً، في نفس الوقت في مسلسل (أعلى نسبة مشاهدة)، وكانت جميع ملابسها تشبه الرجال؛ لأنها متمردة في نظرية أن الرجل غير المرأة، فهي ترى أن الاِثنين واحد، وظهر ذلك على مستوى الملابس بشكل ملحوظ جداً، كما ظهر أيضاً على مستوى أدائها الحركي، ولغة جسدها ومشيتها، وطبقة صوتها أيضاً، كما تألق أصحاب المواهب الصغيرة في أدوارهم، حيث منى أحمد زاهر”منة” ، وآدم وهدان “مازن”، وريمون توفيق “مصطفى”؛ فجميعهم كانت أدوارهم بسيطة، ووجودهم مميز وخفيف على القلب.
ظهور مميز
كما كان لظهور بعض النجوم ظهور مميز ، حيث نجد محمد محمود عبد العزيز “كريم الدالي” يتألق في تقديم شخصيته بأسلوب سهل وكوميدي وخفيف، كذلك إيمان السيد “مس عبلة”، التي تألقت في تقديم شخصيتها، ومايان السيد “مادي” التي تُعاني من مشاكل نفسية عديدة، تظهر دائماً في أدائها وانفعالاتها، حيث كانت جميع أداءاتها صادقة، وواقعية، وجميع ملابسها كاجوال، متعددة الألوان، وتسريحة شعرها مجعدة “كيرلي”؛ لتدل على تمردها على أهلها، وخلقها لحياة جديدة تشبهها هي، كما تألقت أيضاً “نورهان منصور” في تقديم شخصية “هايدي”، وليلى عز العرب “سناء” ـ فاكهة العمل ـ والتي كانت مشاهدها جميعها رائعة ومضحكة، وأداؤها سهلاً وبسيطاً، كذلك أحمد السلكاوي “جلال”، ويارا عزمي ” نادين”، وأحمد عنان، ومحمود فايز، وأحمد طلعت، ومحسن منصور “فهمي”، وعمر زهران “ضياء المحامي”، وسلاف فواخرجي “ميسون”، جميعهم تألقوا في أدوارهم وكان ظهورهم مميزاً، وكذلك الطفلة بيرلا أبو المجد “حبيبة.”
قماشة واسعة، ومبالغة قليلة
العمل الأصلي لـ “إحسان عبد القدوس”، هو قصة قصيرة في صفحة ونصف فقط، وتم إضافة، وإجراء تغييرات عليها كثيرة لتقديمها سينمائياً، وبالتالي فهي قصة قماشتها واسعة، وبها مساحة كبيرة من الدراما والحكي، وهذا ما قدمه “محمد سليمان عبد المالك”، حيث طرح العديد من القضايا المهمة التي قدمها المسلسل، منها تسليط الضوء على تعامل الأب مع الأبناء، ورغباتهم من مختلف الأعمار، كما أنه يعكس طبائع مختلفة للأبناء، في زمن تضاعفت فيه الرغبات، وتذبذبت فيه القدرة على لم شمل الأسرة، تحت مظلة رب أسرة واحد؛ لذلك اختلفت المشاكل مع اختلاف الأعمار، هناك الطفل الصغير، الذي يحب الأكل كثيراً، والصغيرة التي تهتم ببشرتها، وتتعامل وكأنها فتاة كبيرة، و”مروان”، الذي يريد تغيير قواعد الأسرة، ولكن بعض المشاكل كانت غير مناسبة، ولا واقعية مع العصر الحالي، منها رفضه أن تستكمل ابنته تعليمها في بعثة في الخارج؛ إلا في حالة زواجها، على الرغم أن في عصرنا الحالي؛ معظم الفتيات يسافرن للعمل أو الدراسة، كذلك مشكلة البيوت المهددة بالهدم، فهي فكرة غير مناسبة ، والأرقام المعروضة على أصحاب تلك البيوت، أرقام غير واقعية بالمرة، ومهولة جداً، وبها نوع من المبالغة، وجعل أداء “خالد النبوي” أيضاً في عدم التفكير في الأمر، ولو لمرة واحدة شيء غير واقعي، فهو شخص مديون بالكثير من المال، شركته مهددة بالإفلاس، كذلك حِمل أولاده الستة، مسبب له عبئاً كبيراً، وعلى الرغم من ذلك؛ ففي بعض المشاهد لا يستمع حتى إلى العرض كاملاً، ولا حتى حين انفراده بنفسه نجده يفكر في الأمر، ولو على محمل التفكير فقط، دون أخذ قرار معاكس لمبدئه، ولكننا لا نرى هذا.
عناصر العمل الأخرى
الديكور المتمثل بشكل كبير في منزل كل عائلة، وقد كانت جميع ديكورات المنازل، وأثاث البيت مناسبة لطبيعة شخصية كل عائلة، وظهر ذلك بشكل ملحوظ في غرفة “مايا”، التي بها ركن لكرة القدم، وكذلك الإضاءة، التي تم توظيفها بشكل مناسب؛ لخدمة المشهد والحالة الدرامية؛ حيث كانت معظمها طبيعية في التصويرالخارجي، ومعظمها إضاءة المنازل العادية، كذلك الملابس التي كانت جميعها كما ذكرنا مناسبة لشخصيتها، وهذا يرجع للمصممة “ريم العدل”، بالإضافة إلى السلاسة في السرد، وتتابع الأحداث، بشكل مناسب، على الرغم من وجود إطالة في العمل، إلا أنه وجبة خفيفة للمُشاهد، دون توتر في الأحداث، وشد وجذب بين الأبطال بشكل صراع قوي، فإنه كما ذكرنا أنه يوجد من الأصل، صراع شديد بسبب عدم موافقة “مختار” على فكرة بيع البيت، وعدم سماع المبلغ المعروض حتى، كل تلك التفاصيل مصاحبة معها موسيقى تصويرية أعدها “خالد حماد”، لتتجول بين تفاصيل العمل بشكل مناسب للحالة الدرامية.
أظهر لنا العمل، التربية الإيجابية غيرالمعتمدة على الضرب و الإهانة للطفل، بل تعتمد على تعزيز ثقته بنفسه، واستبدال الضرب بعقابه وحرمانه من الأشياء التي يحبها، كما ظهر ذلك في تربية مختارلأبنائه.
خفيف وسلس
أخيراً، نعلم أن “إمبراطورية ميم” قد تم تقديمه قبل خمسين عاماً، وقد تغيرت خلالها طريقة تربية الأبناء ، وكنا نتمنى أن نرى فكرة مختلفة – من وجهة نظرنا الخاصة – عن وجود انتخابات بالبيت كما كان الفيلم ، وإيجاد حلول لبعض الثغرات البسيطة في العمل،
ولكننا في النهاية نرى أن المسلسل؛ نجح في أن يكون متميزاً ؛ فهو مسلسلٌ خفيفٌ ماتع، ومناسب لجميع الفئات العمرية، وأعاد مناقشة، وتقديم التربية الإيجابية للأبناء مرة أخرى؛ بشكل مناسب.
★طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.