إذاعة وتليفزيون

منى علي: تحت الوصاية.. وحقوق النساء في ظل المجتمعات الأبوية

منى علي★

ناقش مسلسل “تحت الوصاية” قضية اجتماعية شديدة التعقيد والحساسية، وهي التصرف في أموال وممتلكات القُصَّر بعد وفاة الأب، وماينص عليه قانون الوصاية في مصر، من تنقل الوصاية فيما بين الذكور من عائلة الأب، وإغفال حق الزوجة، في أن تكون رباً للأسرة بعد وفاة زوجها، فيُظهر العمل إرادة فرض السيطرة على النساء، بشكل تام من المجتمع الأبوي، وممارسة الوصاية الذكورية، على تحرك النساء في الفضاءات العامة، على حقهن في إدارة شؤون أسرهن، وتقرريهن لمصير أطفالهن، خوفاً من فقد الِامتيازات الممنوحة للرجال، من قبل النظام الأبوي البطريركي ــ  وهو النظام الذي يخوّل الرجل امتلاك السلطات المفصلية في المجتمع، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والقانونية، وغيرها، حيث يضع هذا النظام الرجل في مرتبة الأب أو صاحب القرار، ويعطيه مكانة أعلى من المرأة، لا لكفاءته بل فقط لكونه رجلاً ــ الذي مازال يحكم المجتمعات الشرقية، وقد صور العمل ذلك بشكل يعكس التخيلات الذهنية التقليدية عن الرجولة والسيطرة، تلك التخيلات، التي ترى  المرأة معادلاً لقلة الحيلة والضعف والإنكسار، حيث يكذب الواقع اليوم، كل تلك التصورات غير الحقيقية،  فالنساء قائدات في كل المجالات، وحاضرات بقوة على ساحة العمل وفي المجال العام، المسلسل ينقل  جانباً من الاشتباك بين حاضر النساء، ومستقبلهن مع ماضٍ كن فيه، لا يغادرن المنزل، ولا يتعاملن مع شيء خارجاً عن إطار احتياجات المنزل، ومتطلبات الرعاية الاجتماعية للأسرة، أما الآن، قد أصبح يقع على عاتق المرأة تحمل المسؤولية الِاقتصادية مناصفة مع الرجل، وربما وحدها في أحيان أخرى، وعلى الرغم من ذلك، لازالت التصورات الذكورية الماضوية، تريد إخضاع النساء،  ومنازعتهن على حق تقرير مصيرهن.

ويتجلى القمع الذكوري للمرأة، من خلال  المشهد حين عادت حنان، لتطالب بالوصاية بعد موت الجد، ووجدت أن العم يـُزاحمها عليها، قريب للأطفال من العصب، يطالب بها فيكون هو الأحق، لأنه ذكر، بينما الأنثى التي قامت بحمل هؤلاء الأطفال، ورعايتهم، وتربيتهم لا يحق لها ذلك، فقط لأنها انثى، كل هذا ولم تقم حنان بالمطالبة بحقها مثلاً، في أن تتزوج ثانية، ويظل لها حق الوصاية على أولادها، إنما هي أنكرت ذلك الحق على نفسها، ورفضت طلب الأستاذ زكريا بالزواج، فعلى المرأة أن تهب حياتها بالكامل للأطفال، وأيضاً لن يكون كافياً أن تكون هي الوصي، بينما الذكر الجد أو العم، الذي يكون له عمله، وحياته، وأسرته، وربما يكون لا يمتلك من الوقت، حتى ولو عدداً من الساعات أسبوعياً، ليطمئن فيها على أحوال أولئك الاطفال، حينما يكون هو الوصي.

جاءت الصورة في العمل كإحدى عناصره المبهرة، من خلال تقديم صورة، تكامل فيها الأداء الجيد من الممثلين، مع العناصر السينوغرافيه، وتوظيف التكوينات الشكلية، واختيار الكادرات، وكلها عناصر لعبت دوراً في إثراء رسالة العمل، وقد تَفَوَّقَ المخرج محمد شاكر خضير في تقديم رؤيته الإبداعية في هذا العمل، وخاصة ان أغلب مشاهد التصوير كانت خارجية، الأمر الذي يزيد من صعوبة إدارة مواقع العمل، مع وجود عوامل خارجية، قد تؤثر على جودة الصورة، ولكن أظهر المخرج براعة في التعامل مع كل تلك العوامل، وقدم لنا صورة فنية رفيعة المستوى.

كما أظهر الممثلون أداءً قوياً في تأدية أدوارهم، فقدمت منى زكي أداء متميزاً للشخصية، التي تقوم بتجسيدها، بتعبيرات هادئة غير مفتعلة، تناسب طبيعة شخصية حنان، وقدَّم أحمد خالد صالح دوراً سيكون علامة في حياته الفنية، حيث تَفَوَّقَ في أداء دور الأستاذ زكريا، الذي أظهر موهبته التمثيلية في تقديم شخصية المحب المستعد للتضحية، من أجل إسعاد من يحب، ولعب دياب دور الشرير واستطاع  إظهار الجانب المظلم، والجانب المضيء داخل شخصية العم، وأظهر قدرة في التنقل ما بين المزاج الحاد الشرير، إلى المزاج الهادئ المحب، من خلال الانفعالات التعبيرية في بعض الأحيان، والتمسك بالتعبيرات العاقلة المتزنة في أحيان أخرى.

وكُتب السيناريو على الطريقة الأمريكية المحتوى المشوق ((Cliffhanger بطريقة اعتمدت على الإثارة، والنهايات المشوقة، التي تحبس أنفاس المشاهدين في انتظار ما يحدث تالياً، وقد نجح هذا الأسلوب في حصد المشاهدات، وهو ما يحسب للكّتاب (خالد وشيرين دياب )، خاصة ابتعادهم عن المباشرة، والخطابة في تناول القضية، وعرض بعضاً من خلفيات القصة في (الآفان تتر) باستخدام (الفلاش باك)، ليكون المشاهد على علم بما حدث في الماضي، ودفع حنان للسفر والابتعاد، وابتعد الكّتاب أيضاً عن عدم مسايرة أفق التوقع لدى المشاهدين.

على مستوى سرد القصة، كانت هناك العديد من الثغرات في تكوين القصة مثلاً التغاضي عن بعض التفاصيل، كتصريح دفن عم ربيع، الذي قام بدوره رشدي الشامي وكيف تم دفنه دون تحقيق، لاكتشاف سبب موته، وهنا كان سيكون العم مجرماً قام باستئجار بلطجية، لافتعال معركة على المركب، نتج عنها مقتل أحد البحارة، أو كيفية خروج حنان على المركب دون بطاقة، وهو ما يستلزم استخراج تصريح للسماح للمركب بالإبحار، ومعرفة جميع الشخصيات، التي ستكون على متنه، وكذلك إظهار لحظة التطهر للعم في النهاية، لِمَ لَمْ يتزامن معها تنازله عن محضر سرقة المركب، الذي حرره هو والجد، ضد حنان، ونتج عنه محاسبة قانونية لحنان على سرقة المركب.

وجاءت نهاية المسلسل نهاية تنقصها العدالة الشعرية ـــ التي تتمثل في النهاية بانتصار الخير على الشرـــ فسجن البطلة بتهمة أنها أتلفت مال القُصَّر، دون إظهار أن من قاموا بالتجمهر، وإحراق المركب لأوهام تخيلوها، وقاموا بالمحاسبة بأنفسهم، دون انتظار لدور المؤسسات والقانون، ولم ينالوا عقاباً على ذلك، رغم أنهم من قام بإتلاف مال القُصَّر في الحقيقة، وليست الأم.

ـــــــــــــــــــــ

★ كاتبـة ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى